المقصد الخامس فی العامّ والخاصّ

وجوه اُخر علی وجوب الفحص

کد : 163221 | تاریخ : 21/07/1385

وجوه اُخر علی وجوب الفحص

‏ ‏

‏إذا تحصّل ذلک فلیعلم : أنّه ربّما یستند فی هذه المسألة إلیٰ اُمور اُخر‏‎[1]‎‎ ‎‏لابأس بالإشارة الإجمالیّة إلیها، وهی کثیرة:‏

الأوّل :‏ الإجماع، ودعویٰ أنّه لیس بحجّة فی هذه المسألة‏‎[2]‎‏، فی غیرمحلّها.‏

‏نعم، قد عرفت فیما مضیٰ: أنّ هذه المسألة ما کانت معنونة فی العصر‏‎ ‎‏الأوّل‏‎[3]‎‏، بل هی من المسائل المستحدثة فی القرن الرابع؛ حسبما حکاه سیّدنا‏‎ ‎‏الاُستاذ البروجردیّ ‏‏قدس سره‏‎[4]‎‏ وعلیه فلا صغریٰ للادعاء المذکور. مع أنّه ربّما یحتمل‏‎ ‎‏کون مستنده عقول المجمعین، لا الروایة الخاصّة أو رأی المعصوم ‏‏علیه السلام‏‏ فتأمّل.‏

الثانی :‏ الأخبار الخاصّة الناطقة بوجوب التعلّم القائلة بأنّه ‏«یؤتیٰ بالعبد‎ ‎یوم القیامة فیقال له: هلاّ عملت؟! فإن قال: لم أعلم، یقال له: هلاّ تعلّمت حتّیٰ‎ ‎تعمل‎[5]‎‏؟!‏


‎[[page 291]]‎وبالجملة :‏ وقع الحثّ الکثیر فیها علی التعلّم والتفقّه فی الدین، فعلیٰ هذا‏‎ ‎‏یجب علی العبید الفحص عن جمیع الأحکام بخصوصیّاتها وحدودها، ولا عذر لهم‏‎ ‎‏فی ترک العمل بها عن جهل.‏

‏ولذا ففی «نهایة الاُصول»‏‎[6]‎‏ و«المقالات» : «والأخبار الواردة بلسان «هلاّ‏‎ ‎‏تعلّمت؟!» جاریة بالمناط حتّیٰ فی باب الاُصول اللفظیّة»‏‎[7]‎‏ انتهیٰ.‏

‏ولم یستدلّ بها الآخرون‏‎[8]‎‏، ولعلّ ذلک لأنّ من ینکر وجوب الفحص یدّعی‏‎ ‎‏العلم الفعلیّ والحجّة الفعلیّة بمجرّد إصابة العامّ، ولا معنیٰ حینئذٍ لإیجاب التعلیم‏‎ ‎‏علیه کما لایخفیٰ.‏

الثالث :‏ کما إذا علمنا بأنّ العامّ الکذائیّ مخصَّص لابدّ من الفحص عن‏‎ ‎‏مخصِّصه، کذلک الأمر إذا حصل الوثوق والاطمئنان بذلک لابدّ منه؛ لوحدتهما‏‎ ‎‏بحسب الحکم فی نظر العقلاء. ولا شبهة فی أنّا بعدما اطلعنا علیٰ أنّ العمومات‏‎ ‎‏مخصّصة کثیراً حتّیٰ اشتهر: «إنّه ما من عامّ إلاّ وقد خصّ»‏‎[9]‎‏ فلابدّ وأن یحصل‏‎ ‎‏ذلک، فإنّ من موجبات الوثوق العقلائیّ والاطمئنان والعلم العادیّ الغلبةَ، وکیف‏‎ ‎‏الغلبة، وأیّة الغلبة.‏

وفیه :‏ أنّ الأمر وإن کان کذلک، ولکن قضیّة ذلک کفایة الفحص عن‏‎ ‎‏المخصّص الواحد مع احتمال التخصیصات الکثیرة علی العامّ الفارد، وما اشتهر‏‎ ‎‏صحیح، ولکن بالنسبة إلیٰ أصل التخصیص، لا مقداره. مع أنّ الفحص لازم بالنسبة‏
‎[[page 292]]‎‏إلی احتمال المخصّص ولو کان ضعیفاً.‏

الرابع :‏ لأحد دعویٰ عدم حجّیة أصالة الظهور مع الظنّ الحاصل من الغلبة‏‎ ‎‏بالخلاف، ولا شبهة فی وجوده قبل الفحص.‏

وفیه :‏ مضافاً إلیٰ ممنوعیّة مبناه، یلزم جواز العمل قبل الفحص مع الاحتمال‏‎ ‎‏إذا لم یکن ظنّ بالخلاف فی مورد، کما إذا فحص عن المخصّص فأصابه، ثمّ احتمل‏‎ ‎‏المخصّص الثانی، أو الثالث، أو الرابع، أو الخامس، فإنّه بعد ذلک لایکون ظنّ‏‎ ‎‏بالخلاف، ومع ذلک یجب الفحص.‏

‏اللهمّ إلاّ أن یقال : إنّ من یدّعی هذا الوجه أو الوجه السابق یلتزم بذلک،‏‎ ‎‏فلیتدبّـر.‏

الخامس :‏ أنّ وجوب الفحص مقتضی العلم الإجمالیّ بوجود المخصّصات‏‎ ‎‏والمقیّدات المنتشرة، وبوجود القرائن الصارفة أو المعیّنة، بل هو مقتضی العلم‏‎ ‎‏بتقطیع الأخبار والروایات فی «الوسائل» وغیرها الموجب لاحتمال وجود القرائن‏‎ ‎‏المتّصلة الموجبة لصرف الظهور أحیاناً، أو لتعیین إحدی المحتملات.‏

‏نعم، مع کون المؤلّف بانیاً علی عدم التقطیع ـ کما هو کذلک فی مثل کتاب‏‎ ‎‏«جامع الأحادیث» لسیّدنا الاُستاذ البروجردیّ ‏‏قدس سره‏‏ ـ لایجب الفحص عن القرائن‏‎ ‎‏المتّـصلـة.‏

وبالجملة :‏ فمقتضیٰ تنجیز العلم الإجمالیّ، لزوم الفحص عنها بالضرورة.‏

إن قلت :‏ مجرّد العلم الإجمالیّ لایکفی؛ لاحتمال کون المسألة من موارد‏‎ ‎‏القلیل فی الکثیر الذی لاتنجیز للعلم هناک، کما اعترف به المشهور‏‎[10]‎‏.‏


‎[[page 293]]‎قلت :‏ نعم، إلاّ أنّ ما نحن فیه من الکثیر فی القلیل الذی لا خلاف فی‏‎ ‎‏منجّزیة العلم فیه.‏

‏هذا مع أنّ الشبهة هنا من قبیل المحصورة علیٰ جمیع التقادیر فی تعریفها‏‎[11]‎‏،‏‎ ‎‏فیتنجّز الواقع بذلک العلم عندنا.‏

‏هذا مع أنّ نسبة المعلوم بالإجمال إلی الأخبار والأحادیث الموجودة بین‏‎ ‎‏أیدینا، نسبة التسعة إلی العشرة، فلا إشکال فی تنجیزه.‏

‏نعم، إذا کانت النسبة مجهولة فالتنجیز غیر معلوم، وهو یساوق عدم التنجیز؛‏‎ ‎‏بناءً علیٰ ما اشتهر عندهم‏‎[12]‎‏ ، وأمّا بناءً علیٰ ماهو الأقویٰ فلا فرق بین المحصورة‏‎ ‎‏وغیر المحصورة‏‎[13]‎‏، فتأمّل جیّداً.‏

‏نعم، لنا إشکال فی تنجیز هذا العلم من ناحیة الخروج عن محلّ الابتلاء؛ فإنّ‏‎ ‎‏الابتلاء بحسب العمل بمفاد العمومات من أوّل کتاب الطهارة إلیٰ آخر الدیّات،‏‎ ‎‏ممنوع جدّاً، بل لایوجد أحد یبتلیٰ به، وأمّا بحسب الإفتاء علیٰ طبقها وطبق سائر‏‎ ‎‏الظواهر، فهو وإن أمکن، ولکنّه لیس کلّ أحد کذلک، وقلّما یوجد المجتهد المطلق،‏‎ ‎‏ولاسیّما من راجع لیستخرج، وخصوصاً فی هذه العصور کما تریٰ.‏

إن قلت :‏ هذا لیس من الخروج عن محلّ الابتلاء؛ لأنّ جمیع العمومات‏‎ ‎‏بالنسبة إلیه فی عَرْض واحد، وماهو المضرّ بالتنجیز هو الخروج عن محلّه؛ بحیث‏‎ ‎‏لاتصل إلیه یده لیرتکبه، ویستقبح تحریم الإفتاء بغیر ما أنزل الله بالنسبة إلیه.‏

قلت :‏ قد تقرّر منّا فی محلّه؛ أنّ الخروج عن محلّ الابتلاء لایضرّ بتنجیز‏
‎[[page 294]]‎‏العلم، ولا عدم الخروج شرط تنجیزه‏‎[14]‎‏، وفاقاً للسیّد المحقّق الوالد ـ مدّظلّه ‏‎[15]‎‏ إلاّ‏‎ ‎‏أنّ السیرة وبناء العقلاء علیٰ عدم الاعتناء بالمعلوم بالإجمال بمجرّد کون الطرف‏‎ ‎‏خارجاً عن محلّ الابتلاء فعلاً.‏

مثلاً :‏ إذا وقعت قطرة دم، وشکّ فی أنّها وقعت فی الثوب أو علی الأرض،‏‎ ‎‏فبناء الأصحاب والعرف علیٰ عدم الاعتناء، مع أنّ الأرض لیست خارجة عن محلّ‏‎ ‎‏الابتلاء بالنسبة إلیٰ جواز السجدة، ولکن لمکان عدم الابتلاء فعلاً بمثله لایعتنیٰ‏‎ ‎‏بالعلم المزبور، وهکذا فی أشباهه ونظائره.‏

‏وفیما نحن فیه ما هو مورد الابتلاء فعلاً للفقیه المراجع، کتابُ الطهارة‏‎ ‎‏ومسائلها، ولایتّفق فی طول تصدّیه لمقام الإفتاء أن یرجع إلیه أحد فی هذه‏‎ ‎‏الأعصار؛ ویسأل عن مسائل کتاب القِصاص وهکذا، فهو فی حین السؤال الأوّل‏‎ ‎‏تکون المسائل الاُخر خارجة عن محلّ ابتلائه والإفتاء بها، فلایکون العلم المزبور‏‎ ‎‏منجّزاً. وهذا هو المقصود من «الخروج عن محلّ الابتلاء» فلاحظ وتدبّر جیّداً.‏

ولأحد أن یقول :‏ إنّ قیام السیرة فی الموارد الخاصّة، لایوجب الخروج عن‏‎ ‎‏القاعدة إلاّ بإلغاء الخصوصیّة، وهو غیر واضح، وعلیه فیکون العلم الإجمالیّ منجّزاً‏‎ ‎‏ولو کان من القلیل فی الکثیر، أو کان خارجاً عن محلّ الابتلاء.‏

إن قلت :‏ لیس وجوب الفحص تکلیفاً شرعیّاً ولا العلم بالمخصّصات‏‎ ‎‏والمقیّدات موجباً للتکلیف الشرعی حتّیٰ یتنجّز به.‏

قلت :‏ لایعتبر فی تنجیزه ذلک، بل لو رجع إلیٰ مقام العمل وإلی التکالیف‏‎ ‎‏الإلهیّة، فهو أیضاً ینجّز الواقع، فالعلم الإجمالیّ المزبور یرجع إلی العلم الإجمالیّ‏
‎[[page 295]]‎‏بعدم جواز الإفتاء علیٰ طبقها، أو إلی العلم الإجمالیّ بعدم جواز العمل، فتدبّر.‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ ماهو المنجّز واقعاً هو العلم بحرمة الإفتاء بغیر ما أنزل الله ،‏‎ ‎‏فإذا علمنا بأنّ العامّ الواقع فی کتاب الطهارة أو العامّ فی کتاب الدیّات مخصّص، فقد‏‎ ‎‏علمنا بحرمة الإفتاء علیٰ طبق أحد العامّین إجمالاً، فإذا کان العامّ الثانی والإفتاء‏‎ ‎‏علیٰ طبقه خارجاً عن محلّ الابتلاء، یلزم الإشکال ، وینحلّ بما مرّ.‏

‏ ‏

‎ ‎

‎[[page 296]]‎

  • ))مطارح الأنظار : 198 ـ 202 ، فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 2 : 540 ـ 541، نهایة الأفکار 2 : 529 ـ 531 .
  • ))حاشیة کفایة الاُصول ، المشکینی 2 : 406.
  • ))تقدّم فی الصفحة 282 .
  • ))نهایة الاُصول : 346 .
  • ))الأمالی، الشیخ الطوسی: 9 / 10، تفسیر الصافی 2 : 169 ذیل آیة 149 من الأنعام، بحار الأنوار 1 : 177 / 58 .
  • ))نهایة الاُصول : 348 .
  • ))مقالات الاُصول 1 : 455 .
  • ))مفاتیح الاُصول : 187 ـ 189 ، مطارح الأنظار : 198 ـ 202 ، کفایة الاُصول : 265 ، فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 2 : 540 ـ 548 .
  • ))معالم الـدّین : 106 و 124 ، مطارح الأنظار : 192 / السطر 11 ، کفایة الاُصول : 253 ـ 254.
  • ))فرائد الاُصول : 2 : 430 ، فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی4: 118، نهایة الأفکار 3 : 328 ـ 329، أنوار الهدایة 2 : 228 .
  • ))یأتی فی الجزء السابع : 433 .
  • ))کفایة الاُصول : 410، نهایة الأفکار 3 : 335، تهذیب الاُصول 2 : 284 ـ 285 .
  • ))یأتی فی الجزء السابع : 427 ـ 432 .
  • ))یأتی فی الجزء السابع : 459 .
  • ))أنوار الهدایة 2 : 214 ـ 219، تهذیب الاُصول 2 : 280 ـ 284.

انتهای پیام /*