تتمیم البحث : حول العلم الإجمالیّ بوجود المخصّصات
قد تبیّن : أنّ البحث حول العلم الإجمالیّ المزبور کان من جهات:
الاُولیٰ : فی أصل تنجیزه.
الثانیة : فی انحلاله .
الثالثة : فی أنّ الفحص عن المخصّص مع عدم العثور علیه، لایوجب الخروج عن أطرافه حتّیٰ یجوز العمل بالعامّ؛ وذلک لأنّ من المحتمل وجود المخصّصات الکثیرة غیر الواصلة إلینا والضائعة فی العصر الأوّل، کما هو المعروف فی اُصول ابن أبی عمیر وغیره، فیبقی الإشکال بحاله.
أقول : هنا بحثان :
الأوّل : لو سلّمنا صحّة ما قیل، فهل یلزم الاحتیاط فی العمل والإفتاء، أم یستکشف به عدم وجوب الفحص، أو یعلم به: أنّ العلم الإجمالیّ المزبور لاینجّز، کما مرّ فی الجهة الاُولیٰ، والأمر هنا أوضح ؟
لا إشکال فی عدم إمکان الالتزام بالأوّلین، فیتعیّن الثالث؛ بمعنیٰ أنّ العلم
[[page 298]]الإجمالیّ إن کان متعلّقاً بوجود المخصّصات والمقیّدات فلایؤثّر ، وأمّا إذا کان متعلّقاً بوجودها فیما وصل إلینا من الأخبار والأحادیث فیؤثّر.
ولاشبهة فی أنّ فی الفرض الأوّل لاینجّز شیئاً؛ لأنّ وجودها الواقعیّ لیس بحجّة، بخلاف وجودها الواصل ولو بنحو الإجمال ؛ وذلک لأنّه کما أنّ وظیفة العبد هو الفحص بعد العلم الإجمالیّ، کذلک وظیفة المولیٰ هو الإیصال بنحو متعارف إیصالاً متعقّباً بالوصول علیٰ نحو متعارف أیضاً، فإذا علمنا إجمالاً بوجود المخصّصات فیما ضاعت من الکتب والاُصول الأوّلیّة، فهو لایؤثّر فی شیء بالضرورة، ولعلّ هذا هو المراد ممّا اصطلح علیه من «التوسّط فی التنجیز».
الثانی : لأحد إنکار وجود العلم المزبور أوّلاً، وإنکار کونه بالنسبة إلی الأحکام الشرعیّة ثانیاً، بل إنکار أصل الضیاع ثالثاً، وإنکار کونها من المخصّصات المعتبرة سنداً رابعاً.
وبالجملة : لو التزمنا بتنجیزه بدعویٰ؛ أنّ المولیٰ أدّیٰ وظیفته وهی الإلقاء إلی الاُمّة فی عصره، والضیاع لایضرّ بذلک، ولا یعتبر أزید منه، فلنا إنکار التنجیز من ناحیة الخروج عن محلّ الابتلاء؛ بمعنی أنّه إذا علمنا بوجود المخصّص فلابدّ من الفحص عنه، وإذاکان أحد الأطراف الکتب الضائعة فیلزم قصوره عن التنجیز.
لایقال : الخروج لا یضرّ فی المقام؛ لأنّه یرجع إلیٰ حجّیة الظواهر الموجودة.
لأنّا نقول : حجّیة الظواهر علیها السیرة العملیّة، فلابدّ من الموهن المبرز الواصل؛ وهو الفحص تفصیلاً أو إجمالاً علیٰ وجه یتنجّز به وجود الموهن، فتدبّر تعرف، وتأمّل تجد.
وبعبارة اُخریٰ : نعلم إجمالاً بحرمة الإفتاء علیٰ طبق العامّ فی السنّة
[[page 299]]الموجودة بین أیدینا؛ لاحتمال وجود المخصّص فی الاُصول الضائعة، أو حرمة الإفتاء علیٰ طبق العامّ الموجود فی تلک الاُصول؛ ضرورة أنّها کما تشتمل علی المخصّصات تشتمل علی العمومات أیضاً، وتکون تلک أیضاً من أطراف العلم الإجمالیّ الکبیر، ولولا رجوع هذا العلم الإجمالیّ إلی العلم الإجمالیّ بحرمة الإفتاء وأمثالها، لما کان وجه لتنجّزه فاغتنم. کما لنا إنکار أصل الدعویٰ، والله الهادی.
[[page 300]]