المقصد الخامس فی العامّ والخاصّ

صور تعارض العامّ مع مفهوم المخالفة

کد : 163246 | تاریخ : 27/06/1385

صور تعارض العامّ مع مفهوم المخالفة

‏ ‏

الصورة الاُولیٰ :

‏ ‏

‏إذا کان المفهوم المخالف أعمّ، والمنطوق المسمّیٰ بـ «العامّ» أخصّ،‏‎ ‎‏والمفروض وقوعهما فی الکلامین ـ لأنّ البحث فی الکلام الواحد واضح الجهات،‏‎ ‎‏وقد تکرّر الجوانب المبحوث عنها فی صورة اتحاد الکلام واقعاً، أو اتحادهما حکماً‏‎ ‎‏فی المباحث السابقة ـ فهل فی هذه الصورة یتعیّن تقیید المفهوم، کما هو النظر‏‎ ‎‏المستقرّ علیه عند المحصّلین‏‎[1]‎‏؟ وإنّما اختلافهم فی أنّ مصبّ المعارضة هو‏‎ ‎‏المنطوق، أم المفهوم.‏

مثلاً :‏ إذا ورد «إن جاءک زید أکرم العلماء» وورد «أکرم الفقهاء» فمفهوم‏‎ ‎‏القضیّة هو «أنّه إن لم یجئک زید فلا تکرم العلماء» وتکون النسبة بین المفهوم والعامّ‏‎ ‎‏عموماً مطلقاً.‏

‏والذی هو الحقّ کما مرّ‏‎[2]‎‏، وقوع المعارضة فی مرحلة الإثبات بین المفهوم‏‎ ‎‏والمنطوق الأخصّ؛ وإن لزم من تخصیص المفهوم تصرّف فی المنطوق وتقیید فیه‏‎ ‎‏لبّاً.‏

‏ولکن الکلام فی أصل جواز تخصیص المفهوم؛ لأنّ بنیان المفهوم علی العلّة‏‎ ‎‏التامّة المنحصرة الحقیقیّة، والتخصیص والتقیید یدلّ علیٰ هدم الأساس المزبور.‏

‏اللهمّ إلاّ أن یقال: بأنّ الانحصار إضافیّ، لا حقیقیّ، فلا بأس بالتخصیص،‏
‎[[page 374]]‎‏فیبقیٰ عموم المفهوم باقیاً وإن وردت علیه المخصّصات الاُخر، فما یظهر من بعضهم‏‎ ‎‏من المناقشة فی التخصیص الزائد‏‎[3]‎‏، فی غیر محلّه.‏

‏وهنا بحث آخر: وهو أنّ فرض المفهوم المخالف مع العامّ، مبتنٍ علیٰ کون‏‎ ‎‏المنطوق والعامّ متوافقین، ولایعقل غیر ذلک کما هو الواضح، وقد مرّ منّا أنّ فی‏‎ ‎‏الموافقین یؤخذ بالأعمّ المطلق مطلقاً‏‎[4]‎‏، ویحمل الأخصّ علی الفرد الأکمل،‏‎ ‎‏وعندئذٍ یتعیّن فی المثال المزبور الأخذ بالأعمّ، فلا تعارض بین المفهوم والعامّ.‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ یجمع بین المنطوق الأعمّ والعامّ بالأخذ بالأعمّ، وتطرح هیئة‏‎ ‎‏العامّ فی التأسیسیّة کما لایخفیٰ، فتکون کنایة عن الأکملیّة.‏

إن قلت :‏ فی المتّفقین المنجّزین یتعیّن حمل الأخصّ علیٰ توضیح أحد‏‎ ‎‏مصادیق العامّ عرفاً، وتصیر النتیجة طرح هیئة الخاصّ فی التأسیس؛ وذلک لامتناع‏‎ ‎‏اجتماع التأسیسیّین علیٰ واحد شخصیّ وعنوانیّ، علیٰ ما تحرّر فی بحث الضدّ‏‎[5]‎‏،‏‎ ‎‏وأمّا فیما نحن فیه فلا منع من ذلک؛ لأنّ القضیّة الشرطیّة شرطیّة أبدیّة، ولاتنقلب‏‎ ‎‏بعد تحقّق الشرط بتّیة ومنجّزة، فلایلزم اجتماع الإرادتین الفعلیّتین علیٰ واحد؛ وهو‏‎ ‎‏إکرام الفقهاء فی المثال المذکور.‏

قلت :‏ لاشبهة فی أنّ مفاد عقد الحمل فی القضیّة الشرطیّة، هو الحکم‏‎ ‎‏الإنشائیّ الذی لا اقتضاء له فی ذاته، وإذا تحقّق الشرط یعدّ من الأحکام التی لها‏‎ ‎‏الاقتضاء عقلاً وبالضرورة، ویتعیّن بحکم العقل وجوب مقدّمته، هذا ولکن مع ذلک‏‎ ‎‏لا شبهة فی أنّ فی التقنین العرفیّ بعد ضرب القانون بنحو القضیّة الشرطیّة، ‏
‎[[page 375]]‎‏لایتبدّل فیهم الإرادة باختلاف حال وجود الشرط وعدمه، وربّما یکون غافلاً‏‎ ‎‏ونائماً، ومجنوناً أدواریّاً وهکذا.‏

‏وفی الشرع الإسلامیّ أیضاً لایقع التبادل والتصرّف حسب الأفراد وأشخاص‏‎ ‎‏المکلّفین فی إرادته بالضرورة، فلابدّ من الجمع بین هاتین الجهتین.‏

‏والذی هو الحقّ فی المقام : ما تحرّر منّا فی القضایا الشرطیّة من التفکیک بین‏‎ ‎‏اللبّ والإثبات، ومقام الثبوت والدلالات، فإنّ جمیع الواجبات المشروطة واجبات‏‎ ‎‏منجّزة معلّقة ثبوتاً ولبّاً، وأنّ المولیٰ یرید إکرام العلماء عند المجیء، ولکن لمکان‏‎ ‎‏إفهام التوسعة فی ناحیة وجوب المقدّمة، أفاد مطلوبه بنحو القضیّة الشرطیّة مثلاً،‏‎ ‎‏فعلیه کما لایعقل الجمع بین الإرادتین التأسیسیّتین المنجّزتین، لایمکن الجمع هنا؛‏‎ ‎‏لرجوع تلک الإرادة إلیٰ تنجیزیّة.‏

‏وعلیٰ هذا، قبل تحقّق الشرط یراعی أحکام القضیّة الشرطیّة إثباتاً، وبعد‏‎ ‎‏تحقّق الشرط یراعی جانبها الثبوتیّ، ففی المثال المزبور إذا تحقّق المجیء، فلایعقل‏‎ ‎‏وجوب إکرام الفقهاء مرّتین تأسیساً، من غیر فرق بین هذا المثال الذی تکون فیه‏‎ ‎‏حیثیّة العلم والفقاهة واحدة، وبین غیره، فلیتدبّر واغتنم.‏

‏فتحصّل بناءً علیٰ هذا: أنّ فی صورة أخصّیة العامّ من المفهوم تلزم أخصّیته‏‎ ‎‏من المنطوق، ومقتضی الجمع بین المنطوق والعامّ بقاء المفهوم علیٰ عمومه.‏

‏نعم، علی القول بجواز الأخذ بالمتّفقین فی صورة عدم العلم باتحاد الحکم،‏‎ ‎‏یلزم المناقضة بالسلب والإیجاب بین المفهوم والعامّ، ویخصّص به العامّ إلاّ فی‏‎ ‎‏صورة کونهما فی کلام واحد.‏

‏وما ربّما یقال: من أنّ فی مورد التخصیص یکون دلیل سند الخاصّ حاکماً‏
‎[[page 376]]‎‏علیٰ أصالة العموم، وفی موارد الحکومة لاتختلف وحدة الکلام وتعدّده‏‎[6]‎‏، غیر‏‎ ‎‏صحیح؛ لأنّ میزان الجمع بین الأدلّة هو العرف، والسند عندهم ملغی ومغفول عنه‏‎ ‎‏بالضرورة. مع أنّ الحکومة متقوّمة باللسان.‏

‏وهکذا توهّم ورود دلیل الخاصّ علیٰ أصالة العموم، وسیظهر تفصیله فی‏‎ ‎‏محلّه‏‎[7]‎‏.‏

‏ ‏

الصورة الثانیة :

‏ ‏

‏لو کان المفهوم أعمّ مطلقاً من العامّ، وکان العامّ بلسان الحکومة، کما لو ورد‏‎ ‎‏«إن جاءک زید أکرم الفقهاء» ثمّ ورد «الأخباریّون من الفقهاء» فإنّ العامّ یورث‏‎ ‎‏توسعة جانب المنطوق والمفهوم بلسان الحکومة، ویجب الأخذ بالمنطوق والمفهوم.‏‎ ‎‏وهذا یؤیّد ما ذکرناه فی صورة ورود العامّ الأخصّ بلسان التخصیص، ولایوجب‏‎ ‎‏وحدة الکلام وتعدّده فی الدلیلین، إجمالاً وإبهاماً علیٰ مختلف الآراء والمبانی.‏

‏ ‏

الصورة الثالثة :

‏ ‏

‏لو کانت النسبة بین المفهوم والعامّ عموماً من وجه، فإنّ مقتضیٰ ذلک کون‏‎ ‎‏النسبة بین المنطوق وبینه أیضاً عموماً من وجه، والکلام فیهما علیٰ نهج واحد.‏

‏ولو قیل بتقدیم العامّ علی المفهوم؛ لأقوائیّة العامّ المنطوقیّ من المفهوم، أو‏‎ ‎‏لأنّ العامّ مستند إلی الوضع دون المفهوم، فلایلزم تصرّف فی المنطوق.‏

‏وهکذا لو قلنا بتقدیم المفهوم علی العامّ؛ لأنّه مستند إلی العلّة التامّة‏‎ ‎
‎[[page 377]]‎‏المنحصرة الحقیقیّة، ولو تقدّم العامّ علیه یلزم انتفاء المفهوم بالمرّة.‏

‏وفیما دار فی العامّین من وجه بین الدلیلین، وکان یلزم من تقدیم أحدهما‏‎ ‎‏طرح الآخر لا العکس، یتعیّن الأخذ بالآخر، فإنّه أیضاً لایلزم تصرّف فی المنطوق.‏‎ ‎‏وممّا ذکرناه إلیٰ هنا یظهر حکم الصور الاُخر.‏

‏والذی هو الحقّ : عدم تقدّم العامّ علی المفهوم ولا العکس إلاّ ببعض‏‎ ‎‏المرجّحات الخاصّة، ولیس عندی منها کون العامّ دلیلاً وضعیّاً، والمفهومِ دلیلاً‏‎ ‎‏إطلاقیّاً. مع أنّ منهم من یقول بأنّ المفهوم وضعیّ التزامیّ، والعامَّ إطلاقیّ‏‎[8]‎‏.‏

‏نعم، إذا کان العامّان من وجه فی مورد التصادق غیرَ مرادین جمعاً، وکان‏‎ ‎‏أحدهما جائز الطرح؛ للعلم الخارجیّ بوحدة الحکم، مثلاً فیما إذا ورد «إن جاءک‏‎ ‎‏زید أکرم الفقهاء» وورد «أکرم النحویّین» فإنّه فی محطّ التصادق ـ وهو الفقیه‏‎ ‎‏النحویّ ـ یکون الحکم واحداً، فإنّ من تقدیم الأوّل علی الثانی تنقلب نسبة المفهوم‏‎ ‎‏والعامّ، فإذا قدّمنا فی المثال المزبور المنطوق علی العامّ، فتصیر نتیجة التقدیم‏‎ ‎‏وجوبَ إکرام الفقهاء والنحویّین إذا جاء زید، ومفهومه لا یعارض العامّ کما تریٰ.‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ فی العامّین من وجه المتوافقین؛ إذا علمنا فی الجمیع بکذب‏‎ ‎‏أحدهما، لایلزم إلاّ الأخذ بالآخر، وترک العمل بأحدهما المعیّن؛ من دون تعنونه‏‎ ‎‏بعنوان زائد فی مقام الإثبات حتّیٰ یؤخذ بظهور القید، ففی المثال المزبور بعد تقدیم‏‎ ‎‏المنطوق علی العامّ، لایلزم کون موضوع العامّ النحویّین غیر المتفقّهین حتّیٰ یعارض‏‎ ‎‏المنطوق أیضاً، وهذا من الشواهد علیٰ عدم تعنون العامّ أو عدم ظهور للقید، فتدبّر.‏

‎ ‎

‎[[page 378]]‎

  • ))مطارح الأنظار : 210 / السطر 19 ـ 21 .
  • ))تقدّم فی الصفحة 367 ـ 368 و 372 ـ 373 .
  • ))نهایة الاُصول : 332 .
  • ))تقدّم فی الصفحة 362 ـ 363 .
  • ))تقدّم فی الجزء الثالث : 377 و 483 و 509 ـ 511 .
  • ))فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 722 ـ 725 .
  • ))یأتی فی الصفحة 387 ـ 389 .
  • ))فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 2 : 477 و 561 .

انتهای پیام /*