المقصد التاسع فی البراءة

الجهة الاُولیٰ : فی انقسام البراءة إلی شرعیّة وعقلیّة وعقلائیّة

کد : 163396 | تاریخ : 23/10/1385

الجهة الاُولیٰ : فی انقسام البراءة إلی شرعیّة وعقلیّة وعقلائیّة

‏ ‏

‏قد اشتهر تقسیم الاُصولیّین للبراءة إلی الشرعیّة، والعقلیّة.‏

والحقّ:‏ أنّها علیٰ ثلاثة: شرعیّة، وعقلائیّة، وعقلیّة:‏

‏أمّا البراءة الشرعیّة، فهی ما یدلّ من الأدلّة اللفظیّة علیٰ حلّیة المشکوک؛‏‎ ‎‏وإباحة الشبهة، والمخالف فی هذه المسألة جماعة من الأخباریّین، حیث ذهبوا إلی‏‎ ‎‏الاحتیاط فی التحریمیّة‏‎[1]‎‏. وعن بعضهم القول به حتّیٰ فی الإیجابیّة‏‎[2]‎‏.‏

‏وأمّا البراءة العقلائیّة، فهی ما یدلّ علیها حکم العقلاء بقبح المؤاخذة بلا بیان،‏‎ ‎‏والعقاب علی المخالفة بلا برهان، وهذا حکم یستوی فیه جمیع العقلاء بالنسبة إلیٰ‏‎ ‎‏جمیع الموالی، والظاهر أنّه لا مخالف فیه حتّی الأخباریّین، إلاّ أنّهم یعتقدون بتمامیّة‏‎ ‎‏البیان فی الشبهات التحریمیّة، وبأنّ العقاب لیس بلا برهان بعد قیام الأدلّة اللفظیّة.‏

وغیر خفیّ:‏ أنّ الأشعریّ أیضاً یلتزم بالحسن والقبح العقلائیّین، ویعتقد بعدم‏‎ ‎‏عقلائیّة العقاب المذکور‏‎[3]‎‏.‏

‏وأمّا البراءة العقلیّة، فهی مفاد حکم العقل ودرک العاقلة وامتناعَ صدور‏
‎[[page 128]]‎‏العقاب منه تعالیٰ فی الشبهة؛ لأنّه قبیح، ویمتنع صدور القبیح عنه تعالیٰ، خلافاً‏‎ ‎‏للأشاعرة المنکرین للحسن والقبح العقلیّین‏‎[4]‎‏، حیث ذهبوا إلی الجبر بمقتضی‏‎ ‎‏الأدلّة الخاصّة‏‎[5]‎‏ التی لا ینالها إلاّ الأخصّائیون، وأهل الحلّ والعقد.‏

‏وهذا أمر یختصّ به تعالیٰ؛ ضرورة أنّه بالنسبة إلیٰ قبح العقاب بلا بیان،‏‎ ‎‏لا یکتفی العقل؛ لجواز ارتکاب المولی القبیحَ، وقد ارتکب کثیر من الموالی العرفیّین‏‎ ‎‏القبائح الکثیرة، فلابدّ أن لا یقف العقل إلاّ بعد إثبات الامتناع؛ وأنّه قبیح بحکم‏‎ ‎‏العقل، وممتنع صدوره منه تعالیٰ أیضاً بالبراهین العقلیّة، وأنّ حدیث الجبر ممّا‏‎ ‎‏لا أساس له إلاّ عدّة توهّمات شاعرة، وذوقیّات عرفانیّة، وتقریبات وتسویلات‏‎ ‎‏شیطانیّة، تحرّر منّا تفصیلها فی «قواعدنا الحکمیّة»‏‎[6]‎‏ وللوالد المحقّق ـ مدّظلّه ‏‎ ‎‏رسالة خاصّة فیها.‏

فتحصّل:‏ أنّ ما یتمسّک به الاُصولیّون هی البراءة العقلائیّة، ولا ینکرها حتّی‏‎ ‎‏الأشعریّ، إلاّ أنّ العقل یجوّز الوقوع فی المهلکات بعد احتمال صدور القبیح من‏‎ ‎‏المولیٰ، فلا بدّ من البراءة الثالثة: وهی إثبات امتناع صدور القبیح، وإن کان یکفی‏‎ ‎‏عند العقلاء الثانیة أیضاً، وعند المتشرّعة الاُولیٰ، إلاّ أنّه لا بدّ من سدّ باب الابتلاء‏‎ ‎‏بالعقاب الاُخرویّ، ولا یکفی ولا یقف العقل بعد وجود الاحتمال، ولاسیّما بالنسبة‏‎ ‎‏إلی البراءة الشرعیّة، کما لا یخفیٰ أصلاً.‏

وبالجملة:‏ مادام لم ینضمّ إلیٰ تلک البراءتین هذه البراءة العقلیّة، لا یستریح‏‎ ‎‏العقل فی الشبهات؛ ضرورة أنّ فی مثل البراءة النقلیّة، یجوز تخلّف الأدلّة اللفظیّة‏‎ ‎‏عن الواقع، فعند ذلک یتشبّث العقل بتلک البراءة؛ لأنّ علیٰ جمیع الفروض لا تکون‏‎ ‎‏الحجّة والبیان تامّاً، کما هو الواضح.‏

‎ ‎

‎[[page 129]]‎

  • )) وسائل الشیعة 27: 154 و 163، کتاب القضاء، أبواب صفات القاضی، الباب 12، الحدائق الناضرة 1: 44، الدرر النجفیّة: 25 / السطر 8 و 20 ـ 21 و 26.
  • )) الفوائد المدنیّة: 138 و 161.
  • )) لاحظ شرح المواقف 8 : 185، شرح المقاصد 3 : 282 .
  • )) شرح المقاصد 4: 282، شرح المواقف 8 : 181 .
  • )) شرح المقاصد 4: 223 ـ 247، شرح المواقف 8: 145 ـ 146 و 148 ـ 152.
  • )) القواعد الحکمیة للمؤلف قدس سره مفقودة.

انتهای پیام /*