بحث وتحقیق : فی منع قاعدة قبح العقاب عقلاً، لا عرفاً وعقلائیّاً
لا شبهة فی أنّ هذه الکبریٰ «وهی أنّ العقاب بلا بیان قبیح» من القضایا المشهورة العقلائیّة، وتکون قابلة للاستناد إلیها لإثبات البراءة العقلائیّة، وأمّا التمسّک بها لإثبات البراءة العقلیّة، فهو فی محلّ المنع؛ وذلک لما تحرّر فی محلّه: من أنّ انتزاع العنوان الواحد والمفهوم الفارد من الکثیر بما هو کثیر، غیر معقول، ولابدّ من رجوع الکثیر إلی الجهة الواحدة المشترکة، وأنّ الحیثیّات التعلیلیّة فی الأحکام العقلیّة، ترجع إلی التقییدیّة، وتکون بنفسها عناوین وموضوعات لذلک الحکم الذی یناله العقل؛ ویدرکه الفهم.
مثلاً: انتزاع مفهوم «الوجود» وحمل «الموجود» علی الکثیر بما هو الکثیر، غیر ممکن إلاّ برجوع الکثیر إلیٰ معنی واحد هو قید له؛ ومشترک وسارٍ فی الکلّ، ویکون هو فی الحقیقة موضوع ذلک المفهوم والعنوان، وذلک هو حیثیّة الوجود، ولا یکون زید وعمرو وبکر موضوعاً لحمل «الموجود» بالحقیقة، وإنّما یحمل علیهم؛ لحیثیّة الوجود المقرون معهم.
ومن هنا یظهر: أنّ حمل «القبیح» علی «العقاب بلا بیان» وعلیٰ «ترجیح المرجوح علی الراجح» وعلیٰ «هتک المؤمن» لا یعقل أن یکون حملاً ذاتیّاً، ولیس
[[page 134]]هو خارج المحمول لها ولذلک الکثیر، ولا الذاتیّ باب البرهان، بل هو عرضیّ بابِه ویعلّل، ویکون السبب والعلّة هو الظلم الذی هو الأمر المشترک بین الکلّ، وهو القبیح ذاتاً، ویکون القبح له خارج المحمول غیر معلّل.
فقولهم: «إنّ العقاب بلا بیان قبیح» یعلّل: بأنّه ظلم، وأنّ الظلم قبیح دونه، إلاّ بالتوسّع والمجاز العقلیّ، فالاستناد إلیٰ هذه القاعدة عند العقل، غیر صحیح.
نعم، لا بأس به بالنسبة إلی البراءة العقلائیّة والعرفیّة، فما هو مناط درک العقل البراءة عند الشبهة: هو أنّ العقاب ظلم، وحیث إنّه یمتنع صدوره منه تعالیٰ، فیمتنع صدور العقاب منه تعالیٰ عند ارتکاب الشبهة التحریمیّة، أو الوجوبیّة. ومن هنا یتبیّن الفرق بین البراءة العقلائیّة، والعقلیّة، ویظهر أنّ تسمیتهم هذه البراءة بـ«العقلیّة» فی غیر محلّه، بل هی عقلائیّة، ولا بأس بها فی محیطهم؛ وحسب موطنهم وموقفهم.
[[page 135]]