المقصد السابع فی القطع وأحکامه

الأدلّة الإثباتیّة علیٰ حرمة الفعل المتجرّیٰ به

کد : 163917 | تاریخ : 27/11/1385

الأدلّة الإثباتیّة علیٰ حرمة الفعل المتجرّیٰ به

‏ ‏

الوجه الأوّل :‏ أنّ المستفاد من الأدلّة الأوّلیة والخطابات الإلهیّة المتوجّهة إلی‏‎ ‎‏الاُمّة الإسلامیّة، هو أنّ الخمر المعلوم محرّم، وهذا إمّا لأجل دعویٰ فهم العقلاء‏‎ ‎‏والعرف ودعوی الانصراف.‏

‏أو لأجل المقدّمة العقلیّة؛ وهی أنّ طبیعة الخمر ـ بما هی هی وطبیعتها‏‎ ‎‏ملحوظة فی حال القدرة والعجز ـ لیست قابلة للتحریم بالضرورة، فیکون المحرّم‏‎ ‎‏هی الحصّة المقدورة، وهی الحصّة المعلومة؛ ضرورة أنّ الحصّة المجهولة لیست‏‎ ‎‏مقدورة، لامتناع فرض القدرة بالقیاس إلی المجهول.‏

‏فعلیٰ هذا، یکون المتجرّی عاصیاً؛ لأنّه ـ حسب هذا التقریب ـ ارتکب ماهو‏‎ ‎‏المحرّم؛ وهو الخمر المعلومة خمریّته‏‎[1]‎‏.‏


‎[[page 83]]‎إن قلت :‏ إن کان العلم المأخوذ المدّعیٰ جزءَ الموضوع، فالمتجرّی لم یعصِ‏‎ ‎‏اللّٰه .‏

‏وإن کان تمام الموضوع یلزم کونه خارجاً عن محلّ النزاع؛ لأنّ المتجرّی‏‎ ‎‏ـ حسب المصطلح ـ مورد النزاع، وهو لایتصوّر فی هذه الصورة کما مرّ.‏

قلت :‏ نعم، إلاّ أنّ النزاع لیس مقصوراً حول حصار الاصطلاح، بل النظر هنا‏‎ ‎‏إلیٰ إثبات أنّ من اعتقد بأنّ ما فی الإناء خمر فشربه، فقد عصیٰ سیّده وإن لم یکن‏‎ ‎‏خمراً، فلاینبغی الخلط، ولیتدبّر جیّداً.‏

‏ ‏

وهم ودفع 

‏العلم المأخوذ إن کان جزء الموضوع، فلایترتّب علیه الأثر المقصود.‏

‏وأمّا احتمال کونه تمام الموضوع فهو بلا وجه؛ لأنّ غایة ما تقتضیه الأدلّة هو‏‎ ‎‏کونه جزء الموضوع. هذا مع أنّ دعویٰ: أنّه تمام الموضوع، خلاف الضرورة القاضیة‏‎ ‎‏بأنّ الأحکام تابعة المصالح والمفاسد الواقعیّة.‏

‏فلازم الأخذ بالأدلّة مجموعاً، هو کون العلم جزء الموضوع، فلایتمّ عصیان‏‎ ‎‏المتجرّی بالقیاس إلی الفعل المتجرّیٰ به.‏

ویندفع ذلک :‏ بأنّ العلم فی صورة المصادفة جزء الموضوع ، وفی صورة‏‎ ‎‏التخلّف تمام الموضوع، وبه یجمع بین الأدلّة، ویحصل به المقصود؛ وهو عصیان‏‎ ‎‏المتجرّی.‏

‏وتوهّم امتناع ذلک، مدفوع بأنّ قضیّة الإطلاق هو ذاک، مثلاً إذا ورد النهی‏‎ ‎‏عن الخمر المعلومة خمریّته، یکون العلم المصادف وغیره مورد انطباق عنوان‏‎ ‎‏«معلوم الخمریّة».‏

‏نعم، لایکون تحریم الخمر فی صورة الخطأ؛ لأجل مصلحة فی المتعلّق،‏
‎[[page 84]]‎‏وهی الخمریّة، بل هو لمصلحة اُخریٰ سیاسیّة، نظیر النهی العامّ الکلّی الصادر فی‏‎ ‎‏العرف فی ساعات حظر التجوّل، فإنّ النظر فی هذا القانون العامّ إلیٰ منع تجوّل‏‎ ‎‏السرّاق وأرباب الشغب والإخلال، ولکن مع ذلک یصحّ المنع الکلّی بالقیاس إلیٰ‏‎ ‎‏کافّة الناس؛ حتّیٰ خواصّ السلطان، بل ونفسه.‏

فبالجملة :‏ الحکم العامّ الکذائیّ مترشّح من مفسدة الخمر، وبحکم العقل‏‎ ‎‏مخصوص بالحصّة المقدورة، ولأجل المصالح الاُخر یؤخذ بإطلاقه لصورة تخلّف‏‎ ‎‏العلم عن الواقع، والجمع بین ذلک؛ أی کون العلم جزء الموضوع فی دلیل واحد،‏‎ ‎‏وذاک ـ أی کون العلم تمام الموضوع فی نفس ذاک الدلیل ـ ممکن.‏

إن قلت :‏ هذا لیس بعلم، بل هو جهل مرکّب یسمّیٰ «علماً»‏‎[2]‎‏.‏

قلت :‏ ماهو موضوع الحکم هو ما یسمّیٰ «علماً» أعمّ من کونه علماً وکاشفاً‏‎ ‎‏ومطابقاً، أو لم یکن کذلک؛ لأنّ «العلم» معناه اللغویّ أعمّ من الجهل المرکّب.‏

‏ولو کان صدق «العلم» علیه مجازاً، ولکنّه من المجاز المشهور الذی یصحّ‏‎ ‎‏للمتکلّم الاتکال علیه فی نشر قانونه وبسط حکمه؛ بالقیاس إلی الجاهل المرکّب،‏‎ ‎‏ولذلک یکون فی صورة کونه تمام الموضوع تکلیفه منجّزاً، ولو تخلّف یعدّ عاصیاً.‏‎ ‎‏ومن الضرورة أنّ فی الفقه مایکون موضوعه العلم علیٰ نعت التمامیّة، مع أنّه لیس‏‎ ‎‏بعلم واقعاً.‏

وإن شئت قلت :‏ العلم المأخوذ فی الدلیل فی صورة الإصابة، یعتبر طریقاً،‏‎ ‎‏وفی صورة عدم الإصابة یکون مأخوذاً علیٰ وجه الصفتیّة، فیکون هو علماً علی‏‎ ‎‏الصفتیّة واقعاً، لا مجازاً.‏

‏وتوهّم امتناع کون العلم فی الدلیل الواحد، مأخوذاً طریقاً وصفةً، ناشئ من‏‎ ‎‏الخلط بین العلم العنوانیّ، وبین العلم بالحمل الشائع؛ فإنّ العلم المأخوذ فی القانون‏
‎[[page 85]]‎‏لیس طریقاً وصفة، بل هو عنوان العلم ومفهومه، وما هو الطریق والصفة هو العلم‏‎ ‎‏الموجود فی أنفس المکلّفین، فإن أصاب الواقع یکون جزء الموضوع؛ إمّا علی‏‎ ‎‏الطریقیّة، أو الصفتیّة، وفی صورة الخطأ یکون تمام الموضوع علیٰ وجه الصفتیّة.‏

‏وکلّ ذلک لخصوصیّة المورد، دون القانون؛ فإنّه العامّ الخالی من هذه‏‎ ‎‏الخصوصیّات، وتلحق هذه الاُمور باعتبار المصادیق حسب الفهم العرفیّ، وسیظهر‏‎ ‎‏توضیحه وتحقیق هذه الجهة فی المباحث الآتیة إن شاء الله تعالیٰ‏‎[3]‎‏.‏

فتحصّل إلیٰ هنا :‏ أنّ شمول الأدلّة الأوّلیة لتحریم المتجرّیٰ به، أو إیجابه، ممّا‏‎ ‎‏لا بأس به ثبوتاً وإثباتاً. وعلی التحریر المزبور فی کلامنا، تظهر مواضع الضعف فی‏‎ ‎‏کلمات العلاّمة النائینیّ وغیره فی المقام‏‎[4]‎‏.‏

‏بقی شیء یتوجّه إلی التقریب المزبور مضافاً إلیٰ ما تحرّر منّا: من أنّ الأدلّة‏‎ ‎‏الأوّلیة تشمل إیجاب الطبیعة وتحریمها علیٰ إطلاقها، من غیر أن تحصّص بحصّتها‏‎ ‎‏المقدورة المعلومة؛ لعدم شرطیّة القدرة فی إیجابها وتحریمها المطلقین، ویمکن أن‏‎ ‎‏یکون الحکم فعلیّاً عامّاً بالقیاس إلیٰ کافّة حالات المکلّفین ؛ من النسیان، والغفلة،‏‎ ‎‏والسهو، والجهل، والعجز، وغیرها، فلایتمّ ما تخیّل.‏

‏ولایتمّ أیضاً دعوی الانصراف؛ لأنّ منشأه ربّما کان الوجه العقلیّ، ولکنّه غیر‏‎ ‎‏وجیه. ولو کان لدعوی الانصراف وجه، لما کان لحدیث الرفع محلّ تأسیسیّ.‏

وبالجملة :‏ إطلاق الأدلّة الواقعیّة قطعیّ؛ ولو فرضنا صحّة اختصاص الحصّة‏‎ ‎‏المقدورة بالتکلیف، ولکنّه لایلازم کون الأدلّة معنونة بعنوان «المعلوم» و«المقدور»‏‎ ‎‏حتّیٰ یستنبط منه ویستظهر منه معانیها الخاصّة، وحدود دلالتها وانصرافها ؛ فإنّ کلّ‏‎ ‎‏ذلک خروج من الطریقة الصحیحة فی استنباط الأحکام الإلهیّة، کما هو الواضح.‏


‎[[page 86]]‎وبالجملة :‏ یتوجّه إلی التقریب المزبور ـ مضافاً إلیٰ ما مرّ ـ : أنّ العلم‏‎ ‎‏المأخوذ فی موضوع تلک الأدلّة، لایستلزم المحذور الذی لایمکن حلّه کما عرفت،‏‎ ‎‏وأمّا العلم المأخوذ فی متعلّق الأحکام ـ حتّیٰ تکون الصلاة المعلوم وجوبها واجبة،‏‎ ‎‏وشرب الخمر المعلوم حرمته محرّماً، والصوم المعلوم حرمته حراماً ـ فإنّه فی هذه‏‎ ‎‏الصورة والفرض، یلزم إشکال لایندفع بما اندفع به فی الفرض الأوّل؛ وذلک أنّ‏‎ ‎‏العلم المأخوذ یستلزم الدور، کما یأتی، ویمکن دفعه بما سیمرّ علیک‏‎[5]‎‏.‏

‏ولکن یلزم منه أن یکون الحکم الواقعیّ والجدّی تابع العلم؛ وهذه الصفة‏‎ ‎‏العرضیّة، وهذا خلاف المفروغ منه عند الإمامیّة، وخلاف الظاهر ممّا نسب‏‎ ‎‏إلیه ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ : ‏«مامن شیء یقرّبکم إلی الجنّة إلاّ وقد أمرتکم به...»‎[6]‎‏.‏

وبالجملة :‏ لایلزم من أخذ العلم فی المتعلّق محذور عقلیّ؛ لإمکان کون‏‎ ‎‏العلم بالحکم الإنشائیّ، موضوعَ الحکم الجدّی والفعلیّ؛ فإن کان جزء الموضوع،‏‎ ‎‏فیکون الجزء الآخر هو الحکم الإنشائیّ، ویصحّ أخذه حینئذٍ طریقاً أو صفةً؛ علی‏‎ ‎‏الوجه الذی عرفته آنفاً، ولاینبغی الخلط‏‎[7]‎‏.‏

‏وإن کان تمام الموضوع، یکون الحکم الإنشائیّ متعلَّقاً، والعلم موضوعاً‏‎ ‎‏للحکم الجدّی الفعلیّ.‏

‏نعم مع الأسف، إنّ هذا لایتمّ فی التجرّی؛ لما لایکون هناک حکم إنشائیّ‏‎ ‎‏تعلّق به علم المتجرّی، فإنّ المتجرّی یعلم بالصوم وحرمته، ولایکون الصوم‏‎ ‎‏المعلومة حرمته مشروعاً فی الشریعة؛ لا فعلیّاً، ولا إنشائیّاً.‏


‎[[page 87]]‎وبالجملة :‏ الفعل المتجرّیٰ به فی الفرض الأخیر، هی صلاة الجمعة إذا اعتقد‏‎ ‎‏حرمتها، ثمّ ارتکبها، أو صوم عاشوراء إذا اعتقد حرمته، ثمّ أتیٰ به مثلاً، فإنّه یعدّ من‏‎ ‎‏الفعل المتجرّیٰ به لو کان الصوم فعلاً.‏

‏وهذا الفعل المتجرّیٰ به لایمکن تحریمه بالإطلاقات؛ لما لایکون هناک‏‎ ‎‏إطلاق یشمل الواقع والتخیّل، بخلاف الفعل المتجرّیٰ به فی الفرض الأوّل؛ فإنّ‏‎ ‎‏إطلاق أدلّة الواقع یمکن أن یشمل الخمر الواقعیّ والتخیّلی، فلایتمّ التقریب المزبور‏‎ ‎‏فی أمثال هذه الفروض. بل فی الفرض الأخیر مطلقاً، کما لایخفیٰ.‏

الوجه الثانی :‏ مبتنٍ علیٰ ما تقدّم بطلانه: وهو أنّ الفعل المتجرّیٰ به قبیح، أو‏‎ ‎‏ذو مفسدة ملزمة، وکلّ قبیح یستلزم العقوبة، فیکون ـ بحکم الملازمة ـ حراماً‏‎ ‎‏شرعاً.‏

‏أو کلّ ذی مفسدة ملزمة ممنوع عقلاً، وبحکم الملازمة ممنوع شرعاً.‏

‏وقد مرّ فساد جمیع هذه المقدّمات بما لامزید علیه، حتّیٰ توهّم: أنّ المتجرّیٰ‏‎ ‎‏به قبیح بعنوان «المتجرّیٰ به» وبهذه الحیثیّة؛ لأنّ قبحه یرجع إلیٰ کونه ظلماً، ولا‏‎ ‎‏معنیٰ لکونه ظلماً، کما عرفت توضیحه‏‎[8]‎‏.‏

‎ ‎

‎[[page 88]]‎

  • )) لاحظ فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3 : 38.
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینیّ) الکاظمی 3 : 48 .
  • )) یأتی فی الصفحة 103 ـ 106 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینیّ) الکاظمی 3 : 39 ـ 41، منتهی الاُصول 2: 33.
  • )) یأتی فی الصفحة 118 ـ 119 .
  • )) الکافی 2 : 74 / 2 ، وسائل الشیعة 17 : 45 ، کتاب التجارة، أبواب مقدّمات التجارة، الباب12، الحدیث2.
  • )) لاحظ درر الفوائد، المحقّق الخراسانی : 36 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 78 ـ 79 .

انتهای پیام /*