الصورة الاُولیٰ : تعلّق الحکم بعنوان بما هو هو
أی ما یکون غیر مشتمل علیٰ عنوان القطع وما یساوقه، ویکون خالیاً منه، وهو الأکثر القریب من الاتّفاق، فیکون الحکم فیها متعلّقاً بالعنوان المأخوذ فیها، سواء کان من العناوین الکلّیة، أو من قبیل العناوین الشخصیّة، کـ «البیت، وعرفات، ومنی، والمشعر» وغیر ذلک، ولایکون للقطع دخل فی هذه الصورة ثبوتاً.
نعم، یکون القطع علی القول بمنجّزیته ومعذّریته، حجّة عقلیّة وعرفیّة، وکاشفاً طبعاً عن الحکم والموضوع. ولا تأتی هنا الأقسام الکثیرة المتصوّرة له؛ فإنّها مخصوصة بالقطع المأخوذ فی تلک القوانین الموجودة فیما بین أیدینا. ومن هنا یظهر حسن طریقنا فی کیفیّة الورود فی هذه المسألة.
وأمّا توهّم : أنّ البحث المزبور غیر جیّد، فهو فی محلّه، إلاّ أنّه توطئة للبحث عن مسألة قیام الطرق والأمارات مقام القطع، فإنّه من أقسامه تظهر موارد القیام وعدمه، ووجه القیام وعدمه، کما لایخفیٰ.
[[page 95]]
وهـم
یتوجّه إلی القائلین بانحلال الخطاب إلی الخطابات الشخصیّة الجزئیّة، امتناع کون القانون محفوظَ الإطلاق بالنسبة إلیٰ صورة القطع وعدمه؛ ضرورة أنّ الجاهل کیف یشترک مع العالم فی الحکم، مع أنّ توجیه الخطاب إلی الجاهل ـ فی الامتناع ـ فی حدّ توجیهه إلی العاجز والغافل؟!
فالإطلاق ممتنع فی ذات الأدلّة، وإذا امتنع الإطلاق امتنع التقیید، فیلزم مشکلة غیر قابلة للحلّ؛ لأنّ الحکم وإن لم یکن بحسب المصالح والمفاسد متقیّداً، ولکن لمکان امتناع توجیه الخطاب إلی الجاهل، یعجز المولیٰ عن إیصال مرامه؛ وهو تکلیف الجاهل، وتوجیه الخطاب الجدّی إلیه، وعندئذٍ إذا امتنع إطلاق القانون بالنسبة إلی الجاهل، امتنع التقیید بالقیاس إلی العالم؛ لما سیأتی تفصیله فی الصورة الثالثة من الصور، وهو أنّ التقیید یستلزم الدور.
وبالجملة : ما تخیّله المتأخّرون کلّهم: من أنّه فی هذه الصورة لایکون إشکال؛ لأنّ القطع یعدّ کاشفاً وطریقاً، ویکون الحکم متعلّقاً بموضوعه علیٰ إطلاقه؛ لعدم أخذ العلم قیداً لا للحکم، ولا فی الموضوع، إنّما هو فی غیر محلّه؛ لأنّ عدم أخذ المولیٰ قیداً، یدلّ ـ حسب الظاهر ـ علیٰ سعة محبوبیّة المادّة، واشتراک العالم والجاهل، ولکن تدخّل العقل فی المسألة لشبهة، یوجب أن تکون جمیع القوانین مبتلیة بمشکلة ذات شعبتین، وتصیر النتیجة عدم إمکان وصول المولیٰ إلیٰ مرامه؛ لا إلیٰ تکلیف الجاهل، ولا إلیٰ تکلیف العالم.
[[page 96]]
وهذه الشبهة ذکرناها فی مباحث الترتّب، وهی أقویٰ من شبهة اختصاص الخطابات بالقادرین؛ ضرورة أنّه من إطلاق الخطاب بالنسبة إلی العاجز، یلزم محذور توجیه العاجز وتکلیفه ، وهو محال، بخلاف التقیید، فإنّه لیس بمحال؛ إذ لا محذور ـ کالدور وشبهه ـ فی اختصاص الخطابات بالقادرین.
أقول : قد تصدّی القوم فی الصورة الثالثة ـ وهی أنّه کیف یمکن للمولیٰ اختصاص حکمه بالعالم به؟ ـ للجواب، ولکن تلک الأجوبة لاتنفع للمقام؛ وهو اشتراک الجاهل والعالم.
نعم، فی کلام العلاّمة النائینیّ قدس سره التمسّک هناک بمتمّم الجعل ونتیجة الإطلاق لسرایة الحکم إلی الجاهل، مع أنّ البحث فی ذلک المقام، مخصوص بصورة اختصاص الحکم بالعالم.
وکان ینبغی أن یلتفتوا إلیٰ هذه المشکلة فی هذه الصورة؛ حتّیٰ تنحلّ به معضلة الاختصاص من ناحیة أنّ مرام المولیٰ أعمّ، لا من ناحیة أنّ إفادة الاختصاص تستلزم المحذور العقلیّ؛ وهو الدور، فلاینبغی الخلط فیما هو المهمّ بالمقصود فی هذه المسألة، کما خلطوا.
فبالجملة : إذا کان المولیٰ مرامه إفادة الاشتراک، یستلزم ذلک توجیه الجاهل بالخطاب الخاصّ به، وهو محال، وهذا هو مشکلة هذه الصورة.
وأمّا مشکلة الصورة الثالثة؛ وهی أنّ مرام المولیٰ إذا کان إفادة اختصاص الحکم بالعالم به، فیلزم منه الدور، فلابدّ من حلّها هناک، کما لابدّ من حلّ المشکلة
[[page 97]]
الاُولیٰ هنا، فاغتنم.
وحیث قد فرغنا من حلّها فی تلک المسألة بما لا مزید علیه، وذکرنا هناک هذه المشکلة أیضاً، فلا وجه لإعادته.
وإجماله : أنّ الخطابات القانونیّة، متصدّیة لإفادة الأحکام الفعلیّة بالنسبة إلیٰ کافّة الأنام علیٰ حدّ سواء، من غیر لزوم إشکال عقلیّ.
ثمّ اعلم : أنّ قیام الدلیل علیٰ اشتراک العالم والجاهل فی الحکم، لایستلزم رفع المحذور؛ لأنّ المحذور من ناحیة کیفیّة إمکان جعل الحکم.
نعم، یمکن استفادة مطلوبیّة المادّة ومبغوضیّتها فی الواجبات والمحرّمات بدلیل، ولکنّه یمکن المناقشة فی الدلیل، ودعوی الضرورة مدفوعة: بأنّها ناشئة من إطلاق الأدلّة، ولو استقرّت الشبهة العقلیّة تنتفی الضرورة.
[[page 98]]