المقصد السابع فی القطع وأحکامه

الفرض الثانی: أن یکون العلم بالحکم موضوعاً لحکم مضادّ یتعلّق بنفس ذلک الموضوع

کد : 163925 | تاریخ : 19/11/1385

الفرض الثانی: أن یکون العلم بالحکم موضوعاً لحکم مضادّ یتعلّق بنفس ذلک الموضوع

‏ ‏

‏کما لو ورد وجوب التصدّق علیٰ تقدیر العلم بحرمته، فالمعروف بینهم‏‎ ‎‏امتناعه علی الإطلاق‏‎[1]‎‏، کما هو الواضح.‏

‏ویمکن أن یقال: إنّ العلم المأخوذ إن کان هو العلم القطعیّ غیر المجامع‏‎ ‎‏لاحتمال الخلاف، فالأمر کما قیل؛ وذلک لأنّ العلم المزبور فی صورة الإصابة،‏‎ ‎‏یستلزم کون الواقع مجمع الحکمین غیر القابلین للجمع. وحدیث اجتماع‏‎ ‎‏المتضادّین‏‎[2]‎‏، قد مرّ فساده فی مسألة الاجتماع والامتناع بما لا مزید علیه‏‎[3]‎‏، کما‏‎ ‎‏علیه المحقّقون‏‎[4]‎‏.‏

‏وفی صورة الخطأ، لایعقل أن تکون الإرادة الباعثة أو الزاجرة مترشّحة؛‏‎ ‎‏لأنّ العلم المأخوذ فی موضوعها، دائماً یکون علیٰ خلافها؛ ضرورة أنّه إذا علم‏‎ ‎‏بوجوب صلاة الجمعة، فلاتکون حرمتها زاجرة، ولو فرض إمکان زاجریّته فهو فی‏‎ ‎‏صورة انتفاء موضوعه؛ بأن لایکون عالماً، وإذا لم یکن عالماً فلا زاجریّة حینئذٍ‏‎ ‎‏للنهی أیضاً.‏

ویمکن دعویٰ :‏ أنّ التضادّ بین الحکمین لو کان مانعاً ومحذوراً عقلیّاً فی‏‎ ‎


‎[[page 109]]‎‏المسألة، لما لزم هنا اجتماعهما فی محلّ واحد؛ وذلک لاختلاف موضوع الوجوب‏‎ ‎‏والحرمة‏‎[5]‎‏، ضرورة أنّ الوجوب متعلّق بطبیعة التصدّق، والحرمة متعلّقة بالتصدّق‏‎ ‎‏المعلوم، فإن کان الموضوع أعمّ من صورة الإصابة واللاإصابة، تکون النسبة بین‏‎ ‎‏الدلیلین عموم من وجه؛ وذلک لأنّ وجوب التصدّق ربّما یکون معلوماً، وربّما‏‎ ‎‏لایکون معلوماً، وعلی التقدیر الأوّل تارة: یکون مطابقاً للواقع، واُخریٰ مخالفاً، وإذا‏‎ ‎‏کان مخالفاً للواقع تثبت الحرمة، دون الوجوب، وصورة الإصابة تکون مورد‏‎ ‎‏تصادقهما.‏

ومن هنا یظهر:‏ أنّ حدیث اجتماع الإرادة والکراهة والمصلحة والمفسدة،‏‎ ‎‏غیر صحیح.‏

فتحصّل:‏ أنّ ما هو سبب الامتناع ـ من غیر فرق بین کون العلم جزء‏‎ ‎‏الموضوع وتمامه ـ أنّه فی نظر القاطع لایمکن، أن یکون التحریم زاجراً، فإذن یمتنع‏‎ ‎‏أن یصیر محرّماً، فما فی «تهذیب الاُصول» من التفصیل بین کون العلم جزء‏‎ ‎‏الموضوع، وکونه تمام الموضوع‏‎[6]‎‏، لایرجع إلیٰ مهذّب فیه؛ لأنّ النسبة علیٰ تقدیر‏‎ ‎‏تمامیّة الموضوع ولو کانت من وجه کما عرفت، ولکنّ الإشکال هنا من ناحیة‏‎ ‎‏اُخریٰ: وهی امتناع ترشّح الإرادة الجدّیة الزاجرة فی المثال المزبور امتناعاً بالغیر؛‏‎ ‎‏لما یری المولیٰ من أنّ هذا الحکم لایمکن امتثاله دائماً.‏

‏وما فی «تهذیب الاُصول» : «من أنّ الامتناع الناشئ من مقام الامتثال‏‎ ‎‏لا یضرّ بالجعل، کما فی المتزاحمین»‏‎[7]‎‏ فی محلّه، إلاّ أنّه هنا غیر تامّ؛ لما اُشیر إلیه،‏‎ ‎‏والله الهادی.‏


‎[[page 110]]‎فتحصّل لحد الآن :‏ أنّ الامتناع الذاتیّ الذی فی «الکفایة»‏‎[8]‎‏ والإمکان الذاتیّ‏‎ ‎‏الذی فی «التهذیب»‏‎[9]‎‏ غیر تامّین، والقول الفصل هو الامتناع بالغیر.‏

وغیر خفیّ :‏ أنّ الامتناع المزبور مستقرّ؛ ولو کان الوجوب للتصدّق فی المثال‏‎ ‎‏المزبور وجوباً إنشائیّاً.‏

‏بقی فرض آخر، وهو الشقّ الثانی: بأن یکون العلم المأخوذ أعمّ من العلم‏‎ ‎‏القطعیّ والطرق العقلائیّة، کما إذا فرض أنّ العلم مأخوذ علی الطریقیّة، فتقوم مقامه‏‎ ‎‏الطرق والأمارات مثلاً، فإذا قامت الأمارة العقلائیّة المعتبرة علیٰ وجوب التصدّق،‏‎ ‎‏یکون هو المحرّم، فإنّه حینئذٍ لایلزم المحذور العقلیّ المزبور؛ لأنّ الطریق القائم‏‎ ‎‏معتبر نوعاً، وإن لم یکن معتبراً عند من علم بهذه القضیّة؛ وبهذا الحکم المترتّب علی‏‎ ‎‏العلم بالحکم المضادّ معه.‏

‏وعلیٰ هذا، یتمکّن المولیٰ من ترشیح الإرادة الزاجرة؛ إذا کان المفروض هو‏‎ ‎‏العلم النظامیّ، وأنّه فی صورة قیام الطریق العقلائیّ النوعیّ علیٰ وجوب صلاة‏‎ ‎‏الجمعة، تحرم صلاة الجمعة، وعندئذٍ یکون حدیث العموم من وجه بین الحرمة‏‎ ‎‏والوجوب ـ بحسب الموضوع ـ مفیداً، فلو فرضنا صدور روایة قطعیّة: «بأنّه إذا علم‏‎ ‎‏بوجوب صلاة الجمعة تحرم» فیمکن حملها علی الفرض المزبور، فاغتنم وتأمّل.‏

‏وأیضاً یمکن دعویٰ: أنّ القضیّة الشرطیّة، محمولة علیٰ أنّ العلم بوجوب‏‎ ‎‏الصلاة حدوثاً وآناً ما، علّة وواسطة لثبوت الحرمة وإن لم یکن حین تعلّق الحرمة‏‎ ‎‏علم فعلیّ، فإنّه عندئذٍ أیضاً لایلزم محذور عقلیّ.‏

وغیر خفیّ :‏ أنّ المراد من «الموضوع» هنا أعمّ من کونه موضوعاً علیٰ نحو‏‎ ‎‏القضیّة البتّیة؛ بأن تکون صلاة الجمعة المعلومة الحرمة واجبة، أو علیٰ نحو القضیّة‏‎ ‎


‎[[page 111]]‎‏الشرطیّة؛ بأن یکون العلم بوجوب صلاة الجمعة شرطاً لحرمتها.‏

‏ ‏

‎ ‎

‎[[page 112]]‎

  • )) کفایة الاُصول: 307، أجودالتقریرات 2: 17، وقایة الأذهان: 471، حقائق الاُصول 2 : 35.
  • )) کفایة الاُصول: 307، نهایة الأفکار 3: 13، حقائق الاُصول 2: 35، مصباح الاُصول 2: 45 .
  • )) تقدّم فی الجزء الرابع : 211 .
  • )) نهایة الدرایة 2 : 308 وما بعدها ، نهایة الاُصول : 256 ـ 257 ، أنوار الهدایة 1 : 126 ومابعدها.
  • )) نهایة النهایة 2 : 24 .
  • )) تهذیب الاُصول 2 : 22 .
  • )) نفس المصدر .
  • )) کفایة الاُصول : 307 .
  • )) تهذیب الاُصول 2 : 22 ـ 23 .

انتهای پیام /*