الفرض الثانی: أن یکون العلم بالحکم موضوعاً لحکم مضادّ یتعلّق بنفس ذلک الموضوع
کما لو ورد وجوب التصدّق علیٰ تقدیر العلم بحرمته، فالمعروف بینهم امتناعه علی الإطلاق، کما هو الواضح.
ویمکن أن یقال: إنّ العلم المأخوذ إن کان هو العلم القطعیّ غیر المجامع لاحتمال الخلاف، فالأمر کما قیل؛ وذلک لأنّ العلم المزبور فی صورة الإصابة، یستلزم کون الواقع مجمع الحکمین غیر القابلین للجمع. وحدیث اجتماع المتضادّین، قد مرّ فساده فی مسألة الاجتماع والامتناع بما لا مزید علیه، کما علیه المحقّقون.
وفی صورة الخطأ، لایعقل أن تکون الإرادة الباعثة أو الزاجرة مترشّحة؛ لأنّ العلم المأخوذ فی موضوعها، دائماً یکون علیٰ خلافها؛ ضرورة أنّه إذا علم بوجوب صلاة الجمعة، فلاتکون حرمتها زاجرة، ولو فرض إمکان زاجریّته فهو فی صورة انتفاء موضوعه؛ بأن لایکون عالماً، وإذا لم یکن عالماً فلا زاجریّة حینئذٍ للنهی أیضاً.
ویمکن دعویٰ : أنّ التضادّ بین الحکمین لو کان مانعاً ومحذوراً عقلیّاً فی
[[page 109]]المسألة، لما لزم هنا اجتماعهما فی محلّ واحد؛ وذلک لاختلاف موضوع الوجوب والحرمة، ضرورة أنّ الوجوب متعلّق بطبیعة التصدّق، والحرمة متعلّقة بالتصدّق المعلوم، فإن کان الموضوع أعمّ من صورة الإصابة واللاإصابة، تکون النسبة بین الدلیلین عموم من وجه؛ وذلک لأنّ وجوب التصدّق ربّما یکون معلوماً، وربّما لایکون معلوماً، وعلی التقدیر الأوّل تارة: یکون مطابقاً للواقع، واُخریٰ مخالفاً، وإذا کان مخالفاً للواقع تثبت الحرمة، دون الوجوب، وصورة الإصابة تکون مورد تصادقهما.
ومن هنا یظهر: أنّ حدیث اجتماع الإرادة والکراهة والمصلحة والمفسدة، غیر صحیح.
فتحصّل: أنّ ما هو سبب الامتناع ـ من غیر فرق بین کون العلم جزء الموضوع وتمامه ـ أنّه فی نظر القاطع لایمکن، أن یکون التحریم زاجراً، فإذن یمتنع أن یصیر محرّماً، فما فی «تهذیب الاُصول» من التفصیل بین کون العلم جزء الموضوع، وکونه تمام الموضوع، لایرجع إلیٰ مهذّب فیه؛ لأنّ النسبة علیٰ تقدیر تمامیّة الموضوع ولو کانت من وجه کما عرفت، ولکنّ الإشکال هنا من ناحیة اُخریٰ: وهی امتناع ترشّح الإرادة الجدّیة الزاجرة فی المثال المزبور امتناعاً بالغیر؛ لما یری المولیٰ من أنّ هذا الحکم لایمکن امتثاله دائماً.
وما فی «تهذیب الاُصول» : «من أنّ الامتناع الناشئ من مقام الامتثال لا یضرّ بالجعل، کما فی المتزاحمین» فی محلّه، إلاّ أنّه هنا غیر تامّ؛ لما اُشیر إلیه، والله الهادی.
[[page 110]]فتحصّل لحد الآن : أنّ الامتناع الذاتیّ الذی فی «الکفایة» والإمکان الذاتیّ الذی فی «التهذیب» غیر تامّین، والقول الفصل هو الامتناع بالغیر.
وغیر خفیّ : أنّ الامتناع المزبور مستقرّ؛ ولو کان الوجوب للتصدّق فی المثال المزبور وجوباً إنشائیّاً.
بقی فرض آخر، وهو الشقّ الثانی: بأن یکون العلم المأخوذ أعمّ من العلم القطعیّ والطرق العقلائیّة، کما إذا فرض أنّ العلم مأخوذ علی الطریقیّة، فتقوم مقامه الطرق والأمارات مثلاً، فإذا قامت الأمارة العقلائیّة المعتبرة علیٰ وجوب التصدّق، یکون هو المحرّم، فإنّه حینئذٍ لایلزم المحذور العقلیّ المزبور؛ لأنّ الطریق القائم معتبر نوعاً، وإن لم یکن معتبراً عند من علم بهذه القضیّة؛ وبهذا الحکم المترتّب علی العلم بالحکم المضادّ معه.
وعلیٰ هذا، یتمکّن المولیٰ من ترشیح الإرادة الزاجرة؛ إذا کان المفروض هو العلم النظامیّ، وأنّه فی صورة قیام الطریق العقلائیّ النوعیّ علیٰ وجوب صلاة الجمعة، تحرم صلاة الجمعة، وعندئذٍ یکون حدیث العموم من وجه بین الحرمة والوجوب ـ بحسب الموضوع ـ مفیداً، فلو فرضنا صدور روایة قطعیّة: «بأنّه إذا علم بوجوب صلاة الجمعة تحرم» فیمکن حملها علی الفرض المزبور، فاغتنم وتأمّل.
وأیضاً یمکن دعویٰ: أنّ القضیّة الشرطیّة، محمولة علیٰ أنّ العلم بوجوب الصلاة حدوثاً وآناً ما، علّة وواسطة لثبوت الحرمة وإن لم یکن حین تعلّق الحرمة علم فعلیّ، فإنّه عندئذٍ أیضاً لایلزم محذور عقلیّ.
وغیر خفیّ : أنّ المراد من «الموضوع» هنا أعمّ من کونه موضوعاً علیٰ نحو القضیّة البتّیة؛ بأن تکون صلاة الجمعة المعلومة الحرمة واجبة، أو علیٰ نحو القضیّة
[[page 111]]الشرطیّة؛ بأن یکون العلم بوجوب صلاة الجمعة شرطاً لحرمتها.
[[page 112]]