المقصد الثامن فی الظنّ

توهمّ : عدم إمکان جعل الحجیة مع الالتفات إلیٰ خطأ الطریق

کد : 163985 | تاریخ : 20/09/1385

توهمّ : عدم إمکان جعل الحجیة مع الالتفات إلیٰ خطأ الطریق

‏ ‏

‏لایمکن الالتزام بالحکم الوضعیّ المتوقّف علی الرضا والإمضاء؛ فی موارد‏‎ ‎‏الإرادة الإلزامیّة القائمة علیٰ خلافه.‏

مثلاً:‏ التزموا بصحّة البیع وقت النداء، مع أنّه من المحرمّات، أو التزموا فی‏‎ ‎‏کثیر من المسائل بحرمة تکلیفیّة، أو کراهة شرعیّة، مع الصحّة الوضعیّة، وکیف یعقل‏‎ ‎‏ذلک مع أنّ الرضا بالإمضاء، یناقض إرادة إعدام الشیء وترکه والزجر عنه‏‎ ‎‏وتحریمه؟!‏

‏ودفع بما لاتنحلّ به المشکلة، ولذلک ذکرنا فی هذه الموارد فی المکاسب‏‎ ‎‏المحرمّة‏‎[1]‎‏، هذه الغائلة.‏

‏ولکن هنا وجه تخلّص: وهو أنّ ما هو المحرّم هو المعنی الحدثیّ، کما فی‏‎ ‎‏تصویر المجسّمة، وما هو الممضیٰ هو المعنی الحاصل منه اعتباراً، الباقی عرفاً،‏‎ ‎‏الممضیٰ شرعاً؛ وهو البیع، ولذلک التزموا بحرمة الإحداث فی التصویر، وإباحة‏‎ ‎‏الاقتناء وصحّة بیعه‏‎[2]‎‏.‏


‎[[page 246]]‎‏وأمّا فیما نحن فیه، فاعتبار الحجّیة لیس متوجّهاً إلیٰ معنیٰ یباین ما هو مورد‏‎ ‎‏الإرادة التحریمیّة والإیجابیّة بالمرّة؛ ضرورة أنّ إمضاء الطریق الخاطئ من الملتفت،‏‎ ‎‏ترخیص وارتضاء بترک المراد بتلک الإرادة قطعاً وجدّاً.‏

وإن شئت قلت: ‏فی تلک الموارد وما هو الممضیٰ هو غیر مبغوض؛ لإنّه قد‏‎ ‎‏وجد، وما هو المبغوض غیر ممضیٰ؛ لأنّه بعدُ غیر موجود، والإمضاء للمعدوم غیر‏‎ ‎‏معقول، کما لا یخفیٰ وأمّا فیما نحن فیه فما هو الممضیٰ هو اتباع الطرق والأمارات،‏‎ ‎‏وجعل الحجّیة ، وعدم الردع، وأمثال ذلک من العبارات المختلفة المرشدة إلیٰ معنیٰ‏‎ ‎‏وحدانیّ؛ ومقصود واحد، وهذا فی صورة الخطأ إمضاء فی عَرْض إمضاء الطرق،‏‎ ‎‏فإمضاء التخلّف عن الإرادة الواقعیّة، غیر معقول إلاّ عند عدم انحفاظ تلک الإرادة.‏

‏ومن تأمّل فی امتناع ذلک فقد غفل عن نکتة، تنحلّ بها تلک الشبهة بمراجعة‏‎ ‎‏وجدانه فی اُموره ومرضاته، وبمراجعة القوانین العرفیّة، والمحاکم العقلائیّة.‏

وبالجملة :‏ الطرق حجّة علیٰ کلّ تقدیر، والحجّیة منوطة بالإمضاء‏‎ ‎‏والارتضاء، ولایعقل الارتضاء بالطریق المخطئ من الملتفت إلاّ بالقضاء علیٰ إرادته‏‎ ‎‏الواقعیّة الإلزامیّة التحریمیّة، لا الإیجابیّة، فیکون الحکم الواقعیّ فی موارد الخطأ،‏‎ ‎‏غیر محفوظ علیٰ واقعه، وإن کان الحکم الواقعیّ غیر مقیّد بالأمارة الواصلة؛ لجواز‏‎ ‎‏عقاب الجاهل المقصّر والمرکّب غیر الفاحص بالمقدار اللاّزم عن الأدلّة.‏

إن قلت : ‏لا حاجة فی حجّیة الطرق والأمارات ـ ولا فی اعتبار جمیع‏‎ ‎‏المعتبرات العقلائیّة فی المعاملات وغیرها ـ إلی الإمضاء وعدم الردع الکاشف عن‏‎ ‎‏الرضا، بل الردع مانع، ولذلک فی المعاملات الحادثة نقول بالصحّة ولو لم یکن‏‎ ‎‏إطلاق لفظیّ، کـ ‏‏«‏أوْفُوا بِالْعُقُودِ‏»‏‏ ونحوه‏‎[3]‎‏، وعلیٰ هذا لاتهافت بین الأحکام‏‎ ‎


‎[[page 247]]‎‏الواقعیّة وحجّیة الطرق والأمارات. ولقد احتملنا ذلک فی المجلّد الأوّل‏‎[4]‎‏، وقرّبه‏‎ ‎‏الوالد المحقّق ـ مدّظلّه فی درسه، وهو مختار بعض المعاصرین.‏

قلت أوّلاً :‏ إنّه لو سلّمنا تمامیّة هذا التقریب فی الطرق، فلا نسلّم ذلک فی‏‎ ‎‏الاُصول التأسیسیّة التی تکون علیٰ ضوء الطرق فی التعذیر والتنجیز،‏‎ ‎‏کالاستصحاب، بل وقاعدة الفراغ والتجاوز، کما هو الواضح بالضرورة، فلاتنحلّ‏‎ ‎‏بذلک المعضلة علی النحو العامّ.‏

وثانیاً :‏ لایعقل الالتزام بالأحکام الواقعیّة علیٰ جمیع التقادیر إلاّ مع الردع‏‎ ‎‏عن الطرق الممکنة الردع، فإنّه إذا کان المقنّن والشارع الأقدس، یریٰ تبعیّة العقلاء‏‎ ‎‏لما ینتهی إلیٰ خلاف مرامه، وکان ملتزماً بمرامه علیٰ کلّ تقدیر، فعلیه إعلان الردع‏‎ ‎‏وإعلامهم بذلک، فإذا لم یردع عنه یکشف عن عدم الالتزام المساوق لعدم الاشتراک،‏‎ ‎‏وهو خلاف الفرض؛ ضرورة أنّ الکلام بعد مفروغیّة اشتراک الکلّ فی التکالیف‏‎ ‎‏الفعلیّة والإنشائیّة علیٰ نهج واحد؛ من غیر اختلاف بینهم فی ذلک، فما کان حکماً‏‎ ‎‏فعلیّاً فهو بالنسبة إلی الکلّ فعلیّ، وما کان إنشائیّاً وشأنیّاً فهو کذلک.‏

وثالثاً:‏ قد تحرّر منّا فساد المبنیٰ فی المجلّد الأوّل‏‎[5]‎‏ وفی کتاب البیع‏‎[6]‎‏ بما‏‎ ‎‏لامزید علیه.‏

ومنها :‏ ما ذهب إلیه صاحب «الکفایة» فی «الحاشیة علی الرسائل» وإجماله‏‎ ‎‏أنّ للحکم مراتب أربعاً أو خمساً، وما هو المشترک هو الحکم الإنشائیّ، وماهو‏‎ ‎‏المختصّ بالعالم والجاهل المقصّر مثلاً؛ هو البالغ مرتبة الفعلیّة والتنجیز، وأمّا فی‏‎ ‎


‎[[page 248]]‎‏موارد الخطأ فلا إرادة إلزامیّة‏‎[7]‎‏.‏

‏وأمّا تفصیل مرامه، والمناقشات المتوجّهة إلیه، فتطلب من محالّ اُخر‏‎[8]‎‏.‏

‏وربّما یظهر من الوالد المحقّق ـ مدّظلّه فی حلّ المشکلة: أنّه بلغ بعد ذاک‏‎ ‎‏وذاک إلیٰ إنکار الأحکام الفعلیّة علی التفسیر الذی ذکره للفعلیّة والإنشائیّة هنا‏‎[9]‎‏،‏‎ ‎‏وقد مرّ منّا حوله البحث فی المجلّد الأوّل فی مباحث الضدّ‏‎[10]‎‏، وفی مبحث اجتماع‏‎ ‎‏الأمر والنهی‏‎[11]‎‏، فراجع.‏

‏والذی یتوجّه إلیه: أنّ التواتر المدّعیٰ فی الأخبار الدالّة علی الاشتراک‏‎[12]‎‏،‏‎ ‎‏لابدّ وأن یکون فیما یستحقّ الجاهل المقصّر العقاب علیه؛ وأنّ الجاهل المقصّر‏‎ ‎‏والقاصر والمرکّب والبسیط واحد، وعلیٰ نهج فارد، والإنشائیّة المشترکة لایستحقّ‏‎ ‎‏علیها الجاهل المقصّر عقاباً، ولا عتاباً، ومثلها الشأنیّة. والقول بالتفصیل بین الجاهل‏‎ ‎‏المقصّر والمرکّب القاصر، من الرجم بالغیب .‏

فتحصّل :‏ أنّه علیٰ تقدیر صحّة تفسیره للإنشائیّة والفعلیّة، مع أنّ من الأحکام‏‎ ‎‏قضایا مشروطة، والشروط عنده ترجع إلی الهیئة‏‎[13]‎‏، فتکون عنده تلک الأحکام‏‎ ‎‏فعلیّة، مع أنّها لیست فعلیّة حسب الاصطلاح، إلاّ علی القول برجوع الشرط إلی‏‎ ‎‏الموضوع أو المادّة‏‎[14]‎‏، أو یقال: بأنّ هناک ثلاثة أقسام من الأحکام ، والأمر إلیٰ‏‎ ‎


‎[[page 249]]‎‏محلّه‏‎[15]‎‏.‏

وبالجملة :‏ علیٰ فرض صحّة تفسیره، لایرجع مرامه إلاّ إلیٰ إنکار الإرادة‏‎ ‎‏الإلزامیّة، کما صرّح بذلک‏‎[16]‎‏، وهو ـ مدّظلّه ممّن بلغ الغایة القصویٰ من مرحلة‏‎ ‎‏الغائلة الموجودة بین إمضاء الطرق وفعلیّة الأحکام الواقعیّة، ولکنّه لم یتمکّن من‏‎ ‎‏حلّها کما تریٰ.‏

‏ ‏

‎ ‎

‎[[page 250]]‎

  • )) المکاسب المحرّمة للمؤلّف قدس سره مفقود .
  • )) لاحظ المکاسب المحرّمة ، الشیخ الأنصاری : 23 ـ 24، تحریر الوسیلة 1 : 496، المسألة12.
  • )) البقرة (2) : 275 ، المائدة (5) : 1 .
  • )) لاحظ ما تقدّم فی الجزء الثانی : 311 .
  • )) تقدّم فی الجزء الثالث : 338 و فی الجزء الرابع : 138 .
  • )) لم نعثر علیه فیما بأیدینا من مباحث کتاب البیع .
  • )) کفایة الاُصول : 113 ، درر الفوائد ، المحقّق الخراسانی : 70 ـ 71 .
  • )) لاحظ ما تقدّم فی الجزء الثالث : 429 ـ 435 .
  • )) تهذیب الاُصول 2 : 68 .
  • )) تقدّم فی الجزء الثالث : 429 ـ 435 .
  • )) لاحظ ما تقدّم فی الجزء الرابع : 180 وما بعدها .
  • )) العناوین : 25 ـ 27 .
  • )) تهذیب الاُصول 1 : 220 .
  • )) مطارح الأنظار : 45 ـ 46 .
  • )) تقدّم فی الجزء الثالث 431 ـ 432 .
  • )) أنوار الهدایة 1 : 201 ، تهذیب الاُصول 2 : 68 .

انتهای پیام /*