ذنابة : فی حلّ المشکلة من ناحیة قواعد الحلّ والطهارة والبراءة
فی موارد قاعدتی الحـلّ والطهارة، لایمکن الفرار من المعرکة إلاّ إذا قلنا: بأنّ النسبة بینها وبین الأحکام الواقعیّة عموم من وجه، وهکذا فی مورد حدیث الرفـع، فإنّ الجمـع بینها وبیـن الواقعیّـات مع المحافظة علیها،والالتزام بأنّها فعلیّـات بالنسبة إلی الکـلّ علیٰ نهج واحد؛ سواء صارت منجّزة ، أم لم تصر منجّزة، فکما أنّ المقصّر محکوم بها ویعاقب، کذلک الجاهل المرکّب محکوم بها، ولایعاقب للعذر.
وبالجملة: الجمع بینها وبین القواعد الثلاث، غیر ممکن إلاّ علی الوجه المشار إلیه.
ویظهر من «الدرر» لجدّ أولادی وشیخ مشایخنا قدس سره الارتضاء بهذا الوجه، ویظهر منه أنّه یتمّ فی باب الطرق والأمارات، وهو خالٍ من التحصیل؛ ضرورة أنّه فی باب الطرق والأمارات، لیس الشکّ موضوعاً لحکم؛ حتّیٰ یلزم منه العموم من وجه المفید فی المقام.
نعم، فی مثل قاعدة الحلّ والطهارة وحدیث البراءة، یمکن ذلک، ولکنّه خلاف الظاهر من أدلّتها، ولاسیّما حدیث الرفع فإنّه ظاهر فی أنّ ما لا یعلمون هو المرفوع، وهو الحکم إذا کان مجهولاً، فیلزم عدم اشتراک العالم والجاهل فی الحکم
[[page 255]]إلاّ الجاهل المقصّر؛ فإنّ حدیث الرفع لایشمله إجماعاً.
فعلیٰ هذا، یدور حلّ الغائلة بین القول: بأنّ النسبة عموم من وجه، فإنّه حینئذٍ تنحفظ الواقعیّات، علیٰ إشکال فیه محرّر منّا فی أواخر مباحث القطع، وبین الالتزام بتجاوز الشرع عن واقعیّاته فیموارد جعل الحلّیة والطهارة وحدیث الرفع؛ لأجل اقتضاء الأدلّة ذلک حسب الظاهر، فإن تمّ إجماع أو تواتر الأخبار علی الاشتراک فی هذه المرحلة ، فالأوّل متعیّن، وإلاّ فالأخذ بالثانی أقرب إلیٰ ذوق العرف وفهم العقلاء، فافهم واغتنم.
وأمّا التفصیل بین الأحکام الإنشائیّة والشأنیّة ، والفعلیّة المنجّزة، کما یظهر من «الکفایة» والالتزام بأنّ المشترک هو الثانی، فلایرجع إلیٰ محصّل؛ لما تحرّر منّا فی محلّه من معنی الشأنیّة والفعلیّة، ولما مضی: من أنّ ماهو المشترک والمدّعیٰ علیه الإجماع وتواتر الأخبار، هو الحکم الموجب لعقاب الجاهل المقصّر، فیکون فعلیّاً بمعنیٰ واقع کلمة «الفعلیّة» وهذا الحکم أیضاً فعلیّ بالقیاس إلی الجاهل المرکّب القائم عنده الطریق، ولکنّه معذور.
ولأنّه لو فرضنا ثبوتاً تصویر المراتب الثلاث للحکم بعد خروج الاقتضاء والتنجز عنه، فلا دلیل علیه إثباتاً، ولا مشابه له بین الأحکام القانونیّة العرفیّة، ولا الأحکام الشخصیّة بین الموالی والعبید، کما تریٰ.
فبالجملة تحصّل : أنّ الترخیص المستفاد من هذه الأدلّة الظاهریّة، إن کان مورده متعلّق الأحکام الواقعیّة، فلا یعقل حلّ المعضلة بوجه من الوجوه حتّیٰ بالخطابات القانونیّة؛ لما عرفت: من أنّ سرّ حلّ المشکلة بها، تحت کون مورد
[[page 256]]الإمضاء فیها، معنیٰ لایلازم المتعلّقات للأحکام الواقعیّة، بل هو أعمّ، فإنّ مورد الأمر الطریقیّ أعمّ من الإصابة واللا إصابة، ومورد الأمر النفسیّ أیضاً أعمّ من إقامة الطریق علیه، وعدمها، وأعمّ من کون الطریق عقلائیّاً، أو عقلیّاً، وهذا هو مرادنا من «العموم من وجه» فی کلامنا السالف، فافهم، ولاتخلط.
وفی المقام إن أمکن ذلک ـ فیکون المعنی المرخّص فیه أیضاً أعمّ من العناوین الواقعیّة ـ فهو، وإلاّ فلاینحلّ الإشکال بالخطابات القانونیّة، ولا بالجعل القانونیّ، کجعل الحلیّة والطهارة والمرفوعیّة، والله هو الموفّق المؤیّد.
[[page 257]]