حکم الآثار بالنسبة إلی الأمارة مشکوکة الاعتبار
إذا تحصّلت هذه المسألة، فلتکن علیٰ ذکر بالنسبة إلیٰ ماهو المقصود: وهو أنّ هذه الآثار هل هی منتفیة عن الأمارة المشکوک اعتبارها، أم لا، أو الأمارة المقطوع عدم اعتبارها؛ بناءً علی القول: بأنّ الشکّ فیها یرجع إلی القطع بعدمها؟
فنقول : أمّا الآثار العقلائیّة کالتعذیر والتنجیز، فواضح انتفاؤها. وأمّا الإفتاء والإخبار والإسناد، فغیر واضح؛ وذلک لأنّه یرجع إلی الشبهة الموضوعیّة، الجاریة فیها اُصول الحلّ والبراءة، ضرورة أنّ احتمال کون الإفتاء المزبور، مطابقاً للواقع، واحتمالَ کون الإخبار صادقاً موجود.
وأمّا حرمة التعبّد عملاً بمؤدّاها؛ علیٰ وجه لایکون من الإتیان الرجائیّ والاحتیاط، فهی أیضاً واضحة؛ لأنّه من التشریع والابتداع، ضرورة أنّ ماهو المقصود من «التشریع» لیس عقد القلب علیٰ ما لایعتقد، أو علیٰ ما یعتقد خلافه، فإنّه غیر معقول بالضرورة؛ فإنّ مع الشکّ القلبیّ الوجدانیّ، أو مع العلم بعدم کونه من الشرع، لایتمکّن من عقد القلب والاعتقاد بأنّه من الشرع.
نعم، یتمکّن من إبراز العمل علیٰ وجه یعتقد الآخرون أنّه یتدیّن به، ویرید بذلک العمل إفادة أنّه متدیّن به، وهذا هو المحرّم من التشریع العملیّ.
ومن هنا یظهر وجه إمکان تحریم الإفتاء فی مورد الحجّة المشکوک فیها؛ لأنّه من التشریع بهذا المعنیٰ، وهو من التقوّل بغیر علم، المستدلّ علیه بالکتاب، والسنّة، والعقل ، والإجماع.
وأمّا الإسناد إلیه تعالیٰ، أو إلیٰ أحد المعصومین علیهم السلام فی غیر الاُمور
[[page 271]]التشریعیّة والأخبار، فتحریمهما مشکل جدّاً، وتفصیله فی کتاب الصوم، وفی المکاسب المحرّمة.
وإجمال المناقشة: أنّ الصدق والکذب مطابقة الکلام للواقع وعدمها، وفی صورة الشکّ تجری البراءة، کسائر الشبهات الموضوعیّة. والقول بغیر علم ولو کان حراماً، ولکنّه ـ کما عرفت ـ لیس إلاّ التشریع والابتداع، دون الاُمور العادیّة، فما فی «تهذیب الاُصول» من إیهام العموم، غیر تامّ، والله العالم.
إن قلت : الإسناد والإخبار، یلازم الإفتاء فیما هو المهمّ بالبحث فی المقام، فلو حرم الإفتاء لأجل أنّه من القول بغیر العلم، یحرم العنوانان الآخران.
قلت : یکفی لعدم تمامیّة ما عندهم التفکیک بین الآثار فی غیر ما هو المهمّ بالبحث. هذا مع أنّ فی المسائل الشرعیّة، یتصوّر الإخبار والإسناد من غیر أن یکونا إفتاءً؛ فإنّ العامّی ربّما یسند إلیٰ الله تعالیٰ، ولایعدّ ذلک إفتاءً، ویخبر عن حرمة شرب التبغ بمجرّد السماع من العامّی الآخر، من غیر کونه أیضاً إفتاءً، فالإفتاء إمّا إنشاء، أو إخبار خاصّ، کما لایخفیٰ.
[[page 272]]