تنبیه : فیه تقاریب اُخر لمساوقة الشکّ فی الحجّیة مع القطع بعدمها
هذا تقریبنا لمساوقة الشکّ فی الحجّیة مع القطع بعدمها. ویظهر من العلاّمَتین: الخراسانیّ، والأصفهانیّ وجه آخر ولو لم یرتضِ به الثانی رحمه الله: وهو أنّ من انتفاء آثار الحجّیة، یستکشف حال الموضوع؛ وهو الحجّیة، واللاحجّیة، فیقطع بعدم الحجّیة بالبرهان الإنّی.
أقول: انتفاء آثار الحجّیة عن مشکوک الحجّة واضح؛ لأنّ الکبریات تحتاج إلی الصغریات حتّیٰ یترتّب علیها آثارها بالضرورة، وهذا من القضایا التی قیاساتها معها، وأمّا الملازمة بین انتفاء الآثار وعدم الحجّیة الواقعیّة، فیحتاج إلیٰ بیان جدید.
مثلاً: انتفاء آثار العلم عن مشکوک العلم قطعیّ؛ بمعنیٰ عدم تنجّزها، ولکنّ ذلک لاینافی کونه عالماً بحسب الواقع. ولو قلنا بعدم ثبوتها له واقعاً، فأیضاً لایلزم انتفاء کونه عالماً، کما هو الواضح.
نعم، إذا ضمّ إلیه المقدّمة الأخیرة: وهی أنّ انتفاء الآثار عن مثل الحجّیة التی لا واقعیّة لها بعد الفحص وعدم الظفر بها، یلازم انتفاء الحجّیة، یتمّ المطلوب. ومن هنا یظهر ما فی حاشیة العلاّمة المحشّی قدس سره.
وإن شئت قلت: إنتفاء الآثار والأحکام، لایستلزم انتفاء المؤثّر فی مسألتنا؛ لعدم السببیّة والمسببیّة فی البین، فما هو المهمّ هو أنّ الحجّیة لیست إلاّ التنجیز والتعذیر، فإذا کانا منتفیین عند الشکّ فلا حجّة قطعاً.
فتبیّن: أنّ التنجیز والتعذیر لیسا حکمین، ولا أثرین، بل هما نفس عنوان «الحجّیة» فی مقام الإجمال و «الحجّیة» تفسّر بهما فی مقام التفصیل، فاغتنم.
[[page 284]]وربّما یمکن توجیه تقریب الشیخ قدس سره «بأنّه أیضاً ناظر إلیٰ أنّ من آثار اللاحجّة، یستکشف عدم الحجّیة؛ فإنّ حرمة الإسناد والاستناد إذا ثبتت حال الشکّ فی الحجّیة، فلازمها عدم الحجّیة.
والمناقشة فی هذا: بأنّ الظنّ حال الانسداد حجّة، وهکذا الاحتمال قبل الفحص فی الشبهات الحکمیّة، ومطلقاً فی الشبهات المهتمّ بها، وفی موارد العلم الإجمالیّ، قابلة للدفع؛ ضرورة أنّ المقصود هی الملازمة بین ما یکون حجّة علمیّة وطریقاً عرفیّاً واقعاً أو ادعاءً، وبین هذه الآثار، فإذا انتفت انتفت الحجّیة، أو إذا ترتّب ضدّ الأثر ـ وهی حرمة الإسناد والاستناد ـ یستکشف عدم الحجّیة شرعاً. وعلیٰ هذا یکون محمول کلام الشیخ رحمه الله أیضاً مناسباً للمسألة الاُصولیّة.
وسیأتی فی ذیل البحث دفع بدیع لهذه النقوض إن شاء الله تعالیٰ، فإنّ حجّیة الاحتمال قبل الفحص، وفی الشبهات المهتمّ بها، وفی موارد العلم الإجمالیّ، ممنوعة مطلقاً، بل العبد لابدّ من أن یحرز امتناع عقابه تعالیٰ، وفی هذه الصور لامحرز عقلاً، ولا یحرز العذر القطعیّ فی قبال التخلّف الاحتمالیّ، أو القطعیّ، فاغتنم.
فمن هنا یظهر الفرق بین ما فی «الرسائل» و«الکفایة» فإنّ فی «الرسائل» استکشف عدم الحجّیة؛ لأجل ترتّب آثار ضدّ الحجّة، فیکون مشکوک الحجّة غیر حجّة شرعاً، ویصحّ إسناده إلی الشرع أیضاً، وفی «الکفایة» استکشف عدم الحجّیة من انتفاء آثار الحجّیة، مع الغضّ عن حجّیة مثل الظنّ والاحتمال أحیاناً؛ لما عرفت
[[page 285]]ما فیه سابقاً وآنفاً .
مع أنّ إطلاق «الحجّة» علی الظنّ غلط قطعاً، أو صحیح ویترتّب علیه آثارها، کما هو الأقرب عندنا، خلافاً لما یستظهر من الوالد المحقّق ـ مدّظلّه فالنقض به فی غیر محلّه ، فلاتخلط.
فتحصّل : أنّ هناک وجوهاً لتقریب المساوقة بین الشکّ فی الحجّیة، والقطع بعدمها.
إن قلت : إذا کان الشکّ فیها مساوقاً للقطع، فکما لا معنیٰ للاستصحاب کما مرّ، لاوجه لصدور الأخبار الناهیة عن مثل القیاس أیضاً؛ لأنّ فی موردها یکون الشکّ معتبراً، وإلاّ تلزم اللغویّة؛ لاستناد المردوعیّة إلی القطع، لا الروایة.
قلت : لایتقوّم اعتبار الخبر بالشکّ فی المورد، ولذلک ربّما تصدر الأخبار فی موارد الضروریّات، کالصلوات الخمس، ورکعاتها.
وأمّا حدیث اللغویّة، فهو لتوهّم: أنّ الأمارة فی طول القطع ، وأنّ العمل یستند إلیه، لا إلیها، وأنّها اُقیمت مقام القطع فی الطریقیّة، ولکنه باطل عاطل، کما تحرّر، فإذا کان العمل بالنسبة إلیٰ کلّ واحد قابلاً للاستناد، لاتلزم اللغویّة، فالأخبار الرادعة عن حجّیة القیاس، تؤکّد القطع بعدم حجّیتها، وبالعکس؛ لعرضیّة أماریّة الکلّ فی محیط العقل والعرف. وما أشبه ذلک بالأخبار الکثیرة الواردة فی موضوع واحد، فافهم واغتنم.
[[page 286]]