المقصد الثامن فی الظنّ

المحتملات فی الطرق

کد : 164009 | تاریخ : 26/08/1385

المحتملات فی الطرق

‏ ‏

أقول:‏ إنّ الاحتمالات فی مسألة الأمارات والطرق العقلائیّة ثلاثة:‏

الأول:‏ ما ذهب إلیه المشهور، واشتهر بین المحقّقین: وهو أنّ الطرق‏‎ ‎‏والأمارات ـ کالظهور وخبر الثقة ـ حجّة بعنوانیهما الذاتیّـین، وتکون الکاشفیّة عن‏
‎[[page 297]]‎‏الواقع نکتة وحِکمة الحجّیة، ولیست الحجّیة دائرة مدارها‏‎[1]‎‏؛ ولأجل ذلک اختاروا‏‎ ‎‏حجّیتها حتّیٰ فی صورة الظنّ الشخصیّ المخالف، وسیأتی دلیلها ووجهها عند‏‎ ‎‏التعرّض لذات المسألة‏‎[2]‎‏.‏

الثانی:‏ ما قوّیناه فی الأزمنة الاُولیٰ، وقد ذکرناه هنا؛ وأنّ الحجّیة مخصوصة‏‎ ‎‏بالوثوق والاطمئنان الحاصل من تلک الأسباب، ولو لم یحصل عقیب قیام الظهور‏‎ ‎‏والخبر الموثوق به، وثوق وعلم عادیّ، فلابدّ له من منشأ، فإن کان منشأه الأمر‏‎ ‎‏العقلائیّ فهو لیس بحجّة. وإن کان منشأه غیر عقلائیّ، فلا یعتنیٰ به، ویلحق‏‎ ‎‏بالآخرین بحکم العقلاء.‏

‏فلو قام ظهور علیٰ أمر، مع اقترانه بما یصلح للقرینیّة عند العقلاء، فلا حجّیة،‏‎ ‎‏وفی غیر هذه الصورة تکون الصورة العلمیّة الحاصلة من هذه الأسباب حجّة، وهی‏‎ ‎‏تحصل عادة کحصول القطع وراء الإبصار والاستماع وغیر ذلک، وقلیلاً ما لا یحصل‏‎ ‎‏القطع للإنسان؛ باحتمال الخطأ فی الباصرة والسامعة.‏

‏نعم، للشرع جعل الحجّیة لذات الظهور ولخبر الثقة علی الإطلاق، فإن ثبت‏‎ ‎‏ذلک فهو المتّبع، کما له الردع عن حجّیة الوثوق الحاصل من السبب الخاصّ، کظهور‏‎ ‎‏الکتاب وغیره.‏

الثالث:‏ أنّ حجّیة الأمارات العقلائیّة والظنون الخاصّة، لیست دائرة مدار‏‎ ‎‏الوثوق، ولا مرهونة بالکاشفیّة الغالبیّة والإصابة الأکثریّة، الموجبة للوثوق النوعیّ‏‎ ‎‏والاطمئنان الأکثریّ، بل هی عبارة عن بناءات عقلائیّة محضة؛ والتزامات عرفیّة‏‎ ‎‏فقط، فلو کان فی أوّل حدوث هذه البناءات وجه للحجّیة، أو کانت الحجّیة لأجل‏‎ ‎‏الملازمة الکلّیة بین حصول الوثوق الشخصیّ وبین هذه الأمارات، ولکن فی عصرنا‏
‎[[page 298]]‎‏لیس إلاّ مجرّد الالتزام العقلائیّ والبناء العملیّ من غیر مراعاة الاُمور الاُخر وراء‏‎ ‎‏ذلک، إلاّ إذا حصل الوثوق ـ أو ما یقرب منه ـ علیٰ خلاف تلک البناءات المتعارفة.‏

مثلاً:‏ إنّا إذا رجعنا فی عصرنا الوسائط النقلیّة المتعارفة التی تؤدّی کثیراً إلی‏‎ ‎‏الأخطار المهلکة، نجد أنّه لا وثوق شخصیّ ولا علم ولا اطمئنان بالوصول إلی‏‎ ‎‏المقصود، ولکن بناء الناس علیٰ ذلک، وما هذا إلاّ لأجل الاعتیاد من غیر اشتراط‏‎ ‎‏العمل بالوثوق، مع أنّ العلقة کبیرة جدّاً بالنسبة إلی النفوس والأرواح، التی تکبّدت‏‎ ‎‏خسائر کثیرة فی الاصطدامات الخارجیّة من ناحیة هذه الوسائط.‏

‏وهکذا بناؤهم علی العمل بالظواهر وأخبار الثقات من غیر النظر إلی الکشف‏‎ ‎‏النوعیّ والغالبیّ والإصابة الأکثریّة.‏

‏ولعلّ وجه ذلک: أنّ النظام فی العالم الاجتماعیّ والمعیشة الاجتماعیّة، لا‏‎ ‎‏یرتبط ولا یقوم إلاّ بذلک، وإلیه اُشیر فی بعض روایاتنا فی مقام التعلیل: وأنّه ‏«لو لم‎ ‎یجز هذا لم یقم للمسلمین سوق»‎[3]‎‏ فهذه الأسرار الاُخر ألجأتهم إلی الالتزامات‏‎ ‎‏المذکورة؛ والبناءات العملیّة، ولو فرضنا أنّه لو لم یحصل الوثوق النوعیّ والاطمئنان‏‎ ‎‏الغالبیّ من تلک الأمارات، للزم ترکهم العمل بها، وللزم الاختلال والهرج والمرج فی‏‎ ‎‏معاشهم ومعادهم، وهم مع ذلک ملتزمون بذلک، فهو غیر صحیح قطعاً.‏

فیعلم منه:‏ أنّ هذا لیس إلاّ مجرّد البناء والالتزام، ولابدّ من الفحص عن‏‎ ‎‏حدود تدخّل الشرع فی ذلک إمضاءً وردعاً؛ لإمکانه فی الجملة، کما مضیٰ وجه‏‎ ‎‏إمتناعه فی ذیل حدیث إمکان التعبّد بالظنّ‏‎[4]‎‏، فراجع.‏

‏والذی هو الأقرب من اُفق التحقیق: أنّ الوجه الأوّل غیر سدید؛ ضرورة أنّه‏‎ ‎‏کثیراً ما لا یحصل الوثوق الشخصیّ لأجل وجود القرائن الجزئیّة، أو لأجل عدم‏
‎[[page 299]]‎‏الاطلاع علیٰ حال المتکلّم؛ من أنّه یتکلّم وسیکون کلامه مردّداً بین الهزل والجدّ،‏‎ ‎‏أو هو جدّ ولا هزل فیه، أو بالعکس، فإذا لم یکن العبد واقفاً علیه، لا یحصل منه‏‎ ‎‏الوثوق، ولا یجوز له القعود فی قبال أمره ونهیه، وهکذا فی الأشباه والنظائر، فربّما‏‎ ‎‏لا یحصل الوثوق الشخصیّ من الظاهر؛ لأجل القرینة الخاصّة الجزئیّة، وهو أمر‏‎ ‎‏کثیر الدور حسب اختلاف النفوس.‏

وأمّا ما مـرّ:‏ من أنّ الحجّیة صفة العلم‏‎[5]‎‏، فهو غیر تامّ؛ لإمکان جعل‏‎ ‎‏الاحتمال حجّة.‏

‏نعم، الکاشفیّة والطریقیّة والأماریّة، صفة العلم، وإتصاف الکلام بالأماریة‏‎ ‎‏فیه نوع من المجازیّة؛ لأنّ الأماریّة لیست بالوضع والجعالة، فتأمّل. ولزوم‏‎ ‎‏الملازمة بین ما هو الحجّة العقلائیّة، وما هو الکاشف والطریق الطبیعیّ العقلائیّ،‏‎ ‎‏ممنوع کما لا یخفیٰ.‏

‏وأمّا الوجه الثانی فهو وإن کان متیناً، إلاّ أنّه مخصوص بعصر حدوث هذه‏‎ ‎‏الطرق والأمارات، وفی العصر الأوّل البسیط فیه معاش الناس، وسیاستهم المنزلیّة،‏‎ ‎‏والدولیّة، والدینیّة، وأمّا فی عصرنا فالوجه الثالث یکون أقرب إلی التحقیق.‏

‏ولا بأس بالالتزام بدخالة الکاشفیّة النوعیّة الموجودة فی الجملة أیضاً؛‏‎ ‎‏لأجل أنّه إذا بلغ الأمارة والطریق إلیٰ حدّ السقوط عن الکشف، لا یعتنیٰ بها،‏‎ ‎‏إلاّ أنّه فی ناحیة الاعتماد علیها، لا یلاحظ فیها نسبة الکشف والإصابة إلی‏‎ ‎‏الخطأ بالضرورة.‏

وعلیٰ کلّ تقدیر:‏ لابدّ من مراجعة الأدلّة إثباتاً؛ وأنّ الشرع هل أمضیٰ هذه‏‎ ‎‏الأمارات الخاصّة المستثناة من الأصل المزبور، أم لا، وهل ردع منها شیئاً، أو اعتبر‏‎ ‎‏فیها قیداً، أم اعتبر التوسعة فیها؟ فلاحظ وتدبر.‏

‎ ‎

‎[[page 300]]‎

  • )) تقدّم فی الصفحة 296 ، الهامش 1 .
  • )) یأتی فی الصفحة 315 .
  • )) وسائل الشیعة 27 : 293 و294، کتاب القضاء، أبواب کیفیّة الحکم، الباب25، الحدیث2.
  • )) تقدّم فی الصفحة 260 ـ 262 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 20 .

انتهای پیام /*