المقصد الثامن فی الظنّ

الشبهة الرابعة : فی منع الأخباریـین لحجیة ظواهر الکتاب

کد : 164022 | تاریخ : 13/08/1385

الشبهة الرابعة : فی منع الأخباریـین لحجیة ظواهر الکتاب

‏ ‏

‏حکی عن جمع من الأخباریّـین منع حجّیة ظواهر الکتاب خاصّة‏‎[1]‎‏. وقد‏‎ ‎‏مرّ أنّ نفی حجّیة الظواهر، یرجع إلیٰ إنکار تمامیّة المبادئ الدخیلة فی إنعقاد‏‎ ‎‏الظهور‏‎[2]‎‏.‏

‏فما قد یریٰ: من أنّ الوجوه المتمسّک بها، بین ما یرجع إلیٰ إنکار الظهور ذاتاً،‏‎ ‎‏أو عرضاً، أو إلیٰ إنکار الحجّیة؛ بتخیّل أنّ مثل العلم الإجمالیّ بالتحریف وأمثاله من‏‎ ‎‏الأوّل، والأخبار الناهیة من الثانی، غیر سدید جّداً؛ ضرورة أنّ العلم الإجمالیّ یمنع‏‎ ‎‏من جریان أصالة الجدّ، ولا یخلّ بالاستعمال شیئاً.‏

‏وهکذا النهی عن الرجوع إلی الکتاب، یضرّ بالأصل المزبور، وإلاّ فمع‏‎ ‎‏جریانه لا سبیل لمنع الحجّیة، إلاّ إذا کانت الحجّیة محتاجة إلی الإمضاء، ولم‏‎ ‎‏یحصل الإمضاء؛ لعدم إنکشاف ردع الشرع عنها، وأمّا لو انکشف الردع عن الظواهر‏‎ ‎‏الخاصّة ـ کظواهر الکتاب ـ فیکون ذلک کالقرینة اللفظیّة علیٰ عدم تطابق الجدّ‏‎ ‎‏والاستعمال؛ فیما یتفاهم منه بدواً، ولغة وترکیباً.‏

فبالجملة:‏ ذهب جمع من الإمامیّة إلیٰ هذه المقالة، وقد تعرّض لها أساطین‏‎ ‎‏الفنّ، وذکروا الوجوه المستدلّ بها بأجوبتها بما لا مزید علیها، إلاّ أنّا نشیر إلیها؛‏‎ ‎‏رعایة للأدب، وإفادة لتلخیص البحث:‏

فنقول:‏ قضیّة العلوم الإجمالیّة الثلاثة ـ العلم الإجمالیّ بالتحریف، والعلم‏‎ ‎‏الإجمالیّ بوجود المتشابه، والعلم الإجمالیّ بوجود المخصّصات والمقیّدات‏
‎[[page 321]]‎‏والقرائن المنفصلة ـ عدم جریان الأصل العقلائیّ اللازم لتشخیص الظاهر، سواء‏‎ ‎‏قلنا: بأنّ العلم الإجمالیّ حجّة ومنجّز، أم لم نقل. فلا یقاس المقام بمسألة المنع عن‏‎ ‎‏جریان الاُصول العملیّة فی أطراف العلم الإجمالیّ، کما فی کلام العلاّمة النائینیّ‏‎ ‎‏وبعض آخر‏‎[3]‎‏؛ ضرورة أنّ وجود القرائن الکثیرة والتحریف والتشابه، یضرّ بأصالة‏‎ ‎‏الجدّ والتطابق، ولا أقلّ من الشّک فی بناء العقلاء الکافی لعدم تمامیّة الظهور الحجّة.‏

‏ومقتضی الطائفتین من الأخبار ـ الطائفة الناظرة إلیٰ اختصاص فهم القرآن‏‎ ‎‏بمن خوطب به، الرادعة لمثل أبی حنیفة وقتادة عن الإفتاء به‏‎[4]‎‏، وإلیٰ أنّ القرآن فیه‏‎ ‎‏ما لا یصل إلیٰ أوکاره أفکار الأوحدیّـین، فضلاً عن الخواصّ أو العوامّ، والطائفة‏‎ ‎‏الناظرة إلی المنع عن تفسیر القرآن، البالغة علیٰ ما قیل فی «الوسائل» إلیٰ مائتین‏‎ ‎‏وخمسین روایة‏‎[5]‎‏، وبالجملة: مقتضیٰ هاتین الطائفتین ـ المنع عن الرجوع إلی‏‎ ‎‏الکتاب واتباع ظواهره، فلابدّ من الجابر لها، وهی الأحادیث الصادرة عن أهل بیت‏‎ ‎‏العصمة والطهارة، علیهم أفضل الصلوات والتحیّات، ولولا ذلک لکانت الاُمّة‏‎ ‎‏الإمامیّة ملتحقة بطائفة تقول: «حسبنا کتاب الله » کما لا یخفیٰ.‏

‏وأمّا المناقشة فی العلم الإجمالیّ الأوّل: بأنّا لا نصدّق التحریف أوّلاً، وعلیٰ‏‎ ‎‏تقدیره فلا نصدّقه فی آیات الأحکام.‏

‏فتندفع: بورود الأخبار الکثیرة البالغة حدّ التواتر، مع ذهاب جمع من‏‎ ‎‏الإمامیّة إلیها، وفیها: «إنّ الکتاب المنزّل هو القرآن الذی جمعه الأمیر ‏‏علیه السلام‏‏ المشتمل‏‎ ‎‏علیٰ جمیع ما اُنزل بترتیب ما نزل»‏‎[6]‎‏.‏

‏فیلزم الإخلال بالظهور تارة: من باب التحریف بالنقیصة، واُخریٰ: من باب‏‎ ‎‏التحریف بالتقدیم والتأخیر، الموجب لاختلاف الظهور قطعاً، ولا وجه لما اشتهر:‏‎ ‎


‎[[page 322]]‎‏«من أنّ التحریف لو کان، فهو فی غیر آیات الأحکام»‏‎[7]‎‏.‏

‏نعم إنکار أصل التحریف ممکن، ولکنّه ممنوع لوجود تلک الأخبار.‏

‏إلاّ أنّها معارضة بما یدلّ علیٰ أنّ الأئمّة ‏‏علیهم السلام‏‏ بصدد إرجاع الاُمّة إلی الکتاب‏‎ ‎‏فی موارد کثیرة، کما فی مسألة عرض الأخبار علیه‏‎[8]‎‏، وتحریم الشرط المخالف‏‎ ‎‏للکتاب‏‎[9]‎‏، والإیماء إلیٰ أنّ الإمساس بالمرارة یفهم من کتاب الله ‏‎[10]‎‏، والمسحَ ببعض‏‎ ‎‏الرأس یفهم؛ لمکان «الباء»‏‎[11]‎‏ فإنّ هذه الاُمور فی عصر الصادقین ‏‏علیهماالسلام‏‏ وتکون‏‎ ‎‏منصرفة إلی الکتاب الموجد بین أیدی المؤمنین.‏

‏اللهمّ إلاّ أن یقال: إنّ بیان أحکام الله لازم علیهم، وأمّا تعیین الصغریٰ؛ وأنّ ما‏‎ ‎‏بین أیدینا هو الکتاب النازل، ولا زائد، ولا ناقص، فهو أمر آخر تنفیه أخبار‏‎ ‎‏التحریف، فما فی کتب أصحابنا الاُصولیّـین: من التمسّک بهذه الطوائف وبهذه‏‎ ‎‏الموارد طرّاً وکلاًّ، غیر موافق للصواب.‏

فبالجملة:‏ ینحصر إبطال مقالة الأخباریـین بإبطال التحریف، وأمّا لو تنزّلنا‏‎ ‎‏عنه فلا وجه لاختصاص التحریف بغیر آیات الأحکام؛ لأنّ دلیل التحریف أعمّ،‏‎ ‎‏وأنّ الاختصاص المذکور مجرّد تخیّل بلا وجه.‏

‏کما لا وجه لتخیّل المعارضة بین ما یدلّ علی التحریف، وما یدلّ علی‏‎ ‎‏الإرجاع إلیٰ کتاب الله ؛ لعدم التعارض بینهما؛ ضرورة أنّ الأخبار الاُولیٰ شارحة‏‎ ‎‏للثانیة، وأنّ الأخبار الثانیة متعرّضة للحکم الواقعیّ؛ وهو عرض الأخبار علی‏‎ ‎


‎[[page 323]]‎‏الکتاب مثلاً، وأمّاً أنّ الکتاب ماذا؛ وأنّه هو الذی بین أیدینا، أم هو الموجود عندهم‏‎ ‎‏علیٰ زعم الأخباریّـین؟ فتلک الأخبار ساکتة عنه.‏

‏نعم، ربّما هی منصرفة إلیٰ أنّ ما هو الحاضر هو الکتاب، ولکنّه انصراف یمنع‏‎ ‎‏بتلک الأخبار الشارحة.‏

‏ومن هنا یظهر ضعف التمسّک بالأخبار الدالّة علیٰ قراءة السورة التامّة فی‏‎ ‎‏الفرائض‏‎[12]‎‏، والأخبار الناطقة بالتبعیض إلیٰ خمس فی صلاة الآیات‏‎[13]‎‏.‏

‏بل یمکن أن یقال: إنّ هذه الأخبار تکون ـ مضافاً إلیٰ بیان حکم الله الواقعیّ،‏‎ ‎‏من غیر النظر إلیٰ ما هو الکتاب صغریٰ ومصداقاً ـ مشتملةً علیٰ جهة التقیّة من‏‎ ‎‏العامّة المنکرین للتحریف، کما لا یخفیٰ.‏

‏ومن هنا أیضاً یظهر وجه المناقشة فی الأخبار الآمرة بقراءة السور المعیّنة‏‎ ‎‏فی الصلوات المندوبة؛ فإنّ الأمر بقراءة سورة الجمعة فی صلاة الجمعة، لا یدلّ علیٰ‏‎ ‎‏أنّ ما هو سورة الجمعة هی التی بین أیدینا، فتأمّل جیّداً.‏

وغیر خفیّ:‏ أنّ هذه الطوائف من الأخبار کثیرة جدّاً، فینحصر إبطال طریقتهم‏‎ ‎‏فی باب التحریف فی إنکارها رأساً. ومن المشکل إقناع الأخباریّـین؛ لأنهم یرون‏‎ ‎‏حجّیة الأخبار الدالّة علی التحریف، من غیر أن یلاحظوا جانب السند والصدور،‏‎ ‎‏ومن غیر أن یعتنوا بالإعراض والإجماع.‏

‏ ‏

‎ ‎

‎[[page 324]]‎

  • )) الفوائد المدنیّة : 128 / السطر19 ، الدرر النجفیّة : 174 / السطر16 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 311 ـ 313 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3 : 136، نهایة الأفکار 3 : 91 ـ 93.
  • )) وسائل الشیعة 27: 47 و48، کتاب القضاء، أبواب صفات القاضی، الباب6، الحدیث30 و31.
  • )) وسائل الشیعة 27 : 185 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 13 و 14 .
  • )) بحار الأنوار 89 : 40 / 7 .
  • )) کفایة الاُصول : 328 ، نهایة الأفکار 3 : 91 و92 ، نهایة الاُصول : 481 و 482.
  • )) وسائل الشیعة 27 : 106 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 9 .
  • )) وسائل الشیعة 18 : 16 و17 ، کتاب التجارة ، أبواب الخیار، الباب 6 .
  • )) الکافی 3 : 33 / 4 ، تهذیب الأحکام 1 : 363 / 27، وسائل الشیعة 1 : 464 ، کتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 39 ، الحدیث 4 .
  • )) الفقیه 1 : 56 / 212 ، وسائل الشیعة 1 : 413 ، کتاب الطهارة ، أبواب الوضوء، الباب23، و 3 : 364 ، أبواب التیمم ، الباب 13 ، الحدیث 1 .
  • )) وسائل الشیعة 6 : 43 و 44 ، کتاب الصلاة ، أبواب القراءة فی الصلاة ، الباب 4 .
  • )) وسائل الشیعة 7 : 492 ، کتاب الصلاة ، أبواب صلاة الکسوف والآیات ، الباب 7 .

انتهای پیام /*