بقی شیء : حول تعارض السنة المفتیٰ بها مع الصحاح المعرض عنها
مقتضیٰ مقبولة عمر بن حنظلة حجّیة الروایة المشهورة؛ وذلک إمّا لأنّ موردها الخبر المشهور، أو لعموم الدلیل والتعلیل، وهکذا قضیّة إطلاق مرفوعة زرارة السابقة.
فهناک تعبّد خاصّ خارج عن نطاق البناءات العقلائیّة، ولازمه وجوب الأخذ بتلک الصحاح، فتقع المعارضة بین الصحاح المعرض عنها، والسنّة المفتیٰ بها، وکلاهما مشهوران، فیرجع إلیٰ سائر المرجحات.
أقول: أمّا مورد الخبر، فلا شبهة فی أنّه الخبر المعمول به والشهرة العملیّة؛ ضرورة أنّه بیّن الرشد، وأنّه لا ریب فیه.
وأمّا عموم التعلیل فلا ینفع؛ لأنّ الخبر المعرض عنه لا یکون ممّا لا ریب فیه، بل فیه کلّ الریب، ولا یکون إلاّ بیّن الغیّ، فإنّ نقل الأصحاب روایة فی کتبهم، وإعلانهم خلافها بالإفتاء علیٰ ضدّها، یورث کونها بیّنة الغیّ فی محیط العرف، والشرع لیس مؤسّساً فی هذه الساحة، ولا یرید من هذه الجمل ومن خبر التثلیث، إلاّ ما یفهمه العقلاء، فإذا نظرنا إلیها، نجد أنّ المرفوعة والمقبولة، لیستا إلاّ فی موقف یقفه العقلاء.
[[page 397]]وتوهّم: أنّ قوله علیه السلام: «لا ریب فیه» لیس إخباراً، بل هو تعبّد بعدم الریب، غیر تامّ؛ لما لا معنیٰ للتعبّد بما فیه الریب الکلّی بأنّه «لا ریب فیه» فهو تعبّد بالنسبة إلیٰ مواقف قصور البناءات العقلائیّة، لا بالنسبة إلیٰ وجود البناءات علیٰ ضده ونقیضه.
مثلاً: إذا ورد فی الشرع: «من استولیٰ علیٰ شیء منه فهو له» فإنّه إمضاء للبناء العرفی، ولا تعبّد فی مورد قصور بناء العقلاء، کما فی الید المشبوهة.
وأمّا توهّم کونه تعبّداً فی مورد ید الغاصب المستولی؛ بتوهّم أنّ إطلاق الحدیث یشمل یده، فهو واضح الفساد.
وفیما نحن فیه أیضاً یکون الأمر کما تحرّر، فاستفادة حجّیة الأخبار المعرض عنها من الخبرین المذکورین، ممنوعة جدّاً، فالخبر المشهور وإن لم یکن شاذّاً بحسب السماع، ولکنّه فیه الریب، وبیّن الغیّ، وتکون شهرته مضرّة بحاله.
وأمّا الفتوی المشهورة بلا وجود الخبر، فهی أیضاً لیست مورد الخبرین، فما هو مورد الخبرین هی الروایة المفتیٰ بها، فإنّها مشهورة طبعاً، ولیست شاذّة، ولیس فیها الریب، وهی بیّنة الرشد، ولا غیّ فیها.
ولا حاجة إلیٰ دعویٰ دلالة الخبرین علیٰ عدم حجّیة الصحاح المعرض عنها التی تکون مشهورة؛ بدعویٰ أنّها بیّنة الغیّ، وفیها الریب؛ لمعارضتها بأنّها مشهورة، ولیست شاذّة، وغیر مسموعة، ولا مذکورة.
ودعویٰ: أنّ المراد من «الشاذّ» هو الشذوذ فی الفتویٰ، أوّل البحث وإن
[[page 398]]اختاره الوالد المحقّق ـ مدّظلّه ولکنّه ممّا لا وجه له، فالصحاح المعرض عنها لیست حجّة؛ لما سلف. نعم لو کانت غیر مشهورة روایة، تکون مندرجة فی الخبرین.
وغیر خفیّ: أنّ مرفوعة زرارة وإن کانت قابلة فی ذاتها للدلالة علی الشهرة الروائیّة، إلاّ أنّها غیر نقیّة سنداً، وبملاحظة المقبولة تکون دالّة علیٰ حدود ما تدلّ علیها المقبولة، فلاحظ وتدبّر جیّداً.
ذنابة
ممّا ذکرنا یتبیّن حال المسألة الثالثة؛ وهی الصحاح الموجودة فی قبال الشهرة الفتوائیّة أیضاً، فإنّه یکون وهنها هنا أظهر وأولیٰ؛ ضرورة أنّ الشهرة الفتوائیّة الکاشفة عن اشتهار الحکم، تستلزم المناقشة إمّا فی صدورها، أو جهة صدورها، فلا تـتمّ شرائط حجّیتها حتّیٰ تقابل بالسنّة، أو الحکم المستکشف بها.
ولذلک تریٰ: أنّ فی مواقف الإجماع الکاشف عن السنّة، لا یتعامل مع السنّة معاملة سائر السنن بالتخصیص والتقیید، بل یؤخذ بإطلاق معقد الإجماع، ولیس ذلک إلاّ لأنّ المکشوف به هو تمام المراد، والأخبار المتعارضة معه ـ ولو کانت بالإطلاق والتقیید ـ غیر صالحة للعمل بها رأساً، وهذا معناه عدم حجّیتها ذاتاً.
وحیث قد مرّ: أنّ الإجماع لیست حجّیته إلاّ لأجل اشتهار الحکم فی مورده، ولا یکون الاتفاق الکلّی شرطاً، فالشهرة فی الحقیقة تکون حجّة کاشفة عن اشتهار الحکم، أو وجود السنّة، وموجبة لوهن الأخبار المختلفة معها فی المضمون.
[[page 399]]