أحدها : التمسّک بمناسبة الحکم والموضوع
أنّ مقتضیٰ مناسبة الحکم والموضوع، کون التبیّن معلول الفسق، فیجب إیضاح خبر الفاسق، وإذا کان الخبر من العادل، فلا یجب إیضاحه. واحتمال کونه غیر جائز العمل ولو کان واضح الصدق، غیر صحیح، فیعلم منه جواز العمل.
وإن شئت قلت: إنّ مقتضی المناسبة بین الحکم والموضوع، کون الوجوب غیر نفسیّ، ولیس الوجوب شرطیّاً؛ بمعنیٰ أنّ جواز العمل بخبر الواحد، مشروط بالعلم بالصدق؛ ضرورة أنّه مع العلم بالصدق، لا یکون المستند خبر الفاسق.
وتوهّم: أنّ المراد من «التبیّن» هو الوثوق، کما فی تقریرات العلاّمة الأراکیّ قدس سرهحذراً من الإشکال المذکور، غیر صحیح؛ لأنّ الوثوق والاطمئنان ـ کالعلم ـ حجّة بعنوانه؛ حسب خبر مَسْعدة بن صدقة، فإنّ قوله: «فإنّ الأشیاء کلّها علیٰ ذلک حتّیٰ تستبین» ظاهر فی حجّیة الاستبانة التی هی أعمّ من العلم، فالوجوب شرطیّ لجواز العمل بمضمون الخبر، لا بخبر الفاسق، بحیث یکون خبر الفاسق مستنداً، حتّیٰ یقال ما یقال.
فما فی کلام الشیخ أیضاً غیر تامّ: «وهو أنّ وجوب التبیّن، شرط لجواز العمل بخبر الفاسق» إلاّ إذا رجع إلیٰ ما ذکرناه: وهو إلغاء إضافة الخبر إلی الفاسق، ولا یکون المقصود حجّیة خبر الفاسق بالشرط، فعلیٰ هذا تکون المناسبة مقتضیة لکون الإیجاب، معلولَ احتمال تعمّد الکذب، لا الکذب والخطأ؛ لأنّ
[[page 470]]احتمال الخطأ لا یناسب الفسق. مع أنّ أصالة عدم الخطأ العقلائیّة، معتبرة فی الفاسق وغیره، فالوجوب مترشّح عن جهة الفسق، ویرتفع قهراً بارتفاعه.
اللهمّ إلاّ أن یقال: بأنّ إیجاب إیضاح صدق خبر الفاسق ممکن؛ لما لا حرمة للفاسق، وأمّا العادل فإیجاب إیضاح خبره، خلاف کونه عادلاً متحرّزاً من الکذب، وخلاف حرمته. وهذا لا ینافی وجوب الإیضاح من جهة عدم الأمن من التخلّف عن الواقع.
وأمّا أخذ الفسق؛ فهو لأجل أنّ عدم الأمن فیه أکثر، لعدم تحرزه من الکذب، فکأنّه اُخذ الفسق للإشارة إلیٰ فسق المخبر فی المورد، وإلیٰ عدم الحرمة للفاسق بإیجاب إیضاح خبره. مضافاً إلیٰ أنّ عدم الأمن معلول الفسق غالباً.
ویمکن أن یقال: إنّ أخذ الفسق طرح لدخالة عدم الأمن المشترک، وإشارة إلیٰ أنّه ولو کان دخیلاً ثبوتاً ومناسبة، إلاّ أنّه عندنا غیر دخیل فی الإیجاب. وکون «الفاسق» نکرة فی القضیّة الشرطیّة مفیداً للعموم ـ حسب تصریح أهل الأدب، کما فی «التفسیر الکبیر» ـ یشعر بأنّ النظر لیس إلیٰ إراءة فسق المخبر فقط، وإلاّ کان المناسب إتیانه معرّفاً، ویصیر «الألف واللام» حینئذٍ ظاهراً فی العهد الحضوریّ.
وبالجملة: العمل بمضمون خبر الفاسق منوط بالعلم بالصدق، أو الوثوق والاطمئنان، وأمّا العمل بمضمون خبرالعادل، فلایحتاج إلی الإیضاح والعلم المزبور.
نعم، یتمّ بهذا التقریب مدّعانا، لو لم یکن الغالب فی موارد قیام خبر العدل، حصول الوثوق والاطمئنان بالصدق، فإنّه لأجل ذلک لا یتمّ التقریب المزبور. وممّا ذکرنا تظهر مواضع الضعف فی کلمات القوم هنا.
کما ظهر: أنّه لیس من الاتکال علیٰ مفهوم الوصف، بل هواتکال علیٰ فهم
[[page 471]]العقلاء فی خصوص المسألة، وإلاّ فالبیان المزبور لا یجری فی قولک: «أکرم العالم» لأنّ النظر فی التقریب المذکور الظاهر من الشیخ قدس سره إلیٰ بیان نکتة الاتکال علیٰ ذکر الفسق، وما هو النکتة علیٰ ما احتملناه: هی أنّ خبر الفاسق بما هو خبر فاسق، لا یستـتبع الوثوق والاطمئنان مطلقاً، وخبرَ العادل ربّما یستـتبع الاطمئنان فی السبعین من المائة، فیکون ذکر الفسق لأجل تلک الغلبة، وهذا لا ینافی وجوب التبیّن فی الثلاثین من المائة فی خبر العادل، فاغتنم.
[[page 472]]