المقصد الأوّل موضوع الاُصول وتعریفه مع نبذة من مباحث الألفاظ

الأمر الثانی : فیما یمکن أن یجعل عنواناً للبحث

کد : 164315 | تاریخ : 25/07/1395

الأمر الثانی : فیما یمکن أن یجعل عنواناً للبحث

‏ ‏

‏وقد جعل الأصحاب عنوانه هکذا: «فی أنّ ألفاظ العبادات والمعاملات أسامٍ‏‎ ‎‏للصحیح منها، أو للأعمّ»‏‎[1]‎‏.‏

‏وفی کتاب «الدرر» : «فی أنّ ألفاظ العبادات هل هی موضوعة بإزاء‏‎ ‎‏خصوص الصحیحة، أو الأعمّ»‏‎[2]‎‏.‏

‏وقال الوالد المحقّق ـ مدّظلّه : «الأولیٰ أن یعنون البحث هکذا: إنّ الأصل فی‏‎ ‎‏استعمالات الشارع لألفاظ العبادات والمعاملات ماذا؟»‏‎[3]‎‏ انتهیٰ.‏

‏وقد یشکل الأمر ‏تارة:‏ لأجل ما ذکرناه کما عرفت.‏

واُخریٰ :‏ لأجل أنّ الوضع التعیّنی لیس بوضع، فلایشمل عنوان‏‎ ‎‏«الموضوعة» مثله.‏

‏ولوشمل قولهم «الأسامی» للوضع التعیّنی، فلایشمل الاستعمالات المجازیّة؛‏
‎[[page 219]]‎‏فإنّ تلک الألفاظ لیست أسامی للمرادات منها، فیأتی النزاع المذکور فی المجازات‏‎ ‎‏مع قصور عنوان البحث عن شموله.‏

‏فعلیه یلزم شمول البحث لتلک الألفاظ؛ بناءً علی القول بالحقیقة الشرعیّة‏‎ ‎‏بالوضع التعیینیّ، دون التعیّنی والمجاز.‏

‏ویمکن حلّه بدعویٰ: أنّ الوضع التعیّنی والتعیینیّ، کلیهما لیسا بوضع علیٰ ما‏‎ ‎‏تقرّر‏‎[4]‎‏؛ فإنّ ما هو المقصود فی مباحث الوضع، أمر آخر غیرهما، أو هما کلاهما‏‎ ‎‏وضع؛ نظراً إلی الأسباب المورثة لتلک العلقة والربط.‏

‏وأمّا المجازات، فربّما هی خارجة عن الجهة المبحوث عنها فی جمیع‏‎ ‎‏الاستعمالات؛ شرعیّة کانت، أو غیر شرعیّة؛ ضرورة أنّ «الأسد» موضوع للحیوان‏‎ ‎‏المفترس، ولکنّه لا مدخلیّة للشجاعة فی موضوعه، ولذلک یصدق علی الجبان منه،‏‎ ‎‏والمیّت منه، والصغیر منه، فعلیه یأتی فیه البحث، ولکنّه إذا اُرید منه الرجل الشجاع،‏‎ ‎‏فلا معنیٰ لصدقه علیٰ من لا شجاعة فیه، فعلیه یتعیّن المجازات فی صورة وجود‏‎ ‎‏العلقة والسبب الادعائیّ.‏

‏فإذا کانت ‏(الصَّلاة)‏ المستعملة فی الکتاب والسنّة، مجازاً فی المرکّب‏‎ ‎‏المقصود بالأصالة والمراد الجدّی، فلابدّ من لحاظ اشتمالها علی الدعاء، أو المیل‏‎ ‎‏والعطف، فلایمکن حفظ هذا الاستعمال علی الوجه الصحیح إلاّ مع وجودها، فیتعیّن‏‎ ‎‏فی المجازات القول بالأخصّ.‏

‏اللهمّ إلاّ أن یقال : بأنّ سبب الادعاء هی هذه الاُمور، ولا منافاة بین بطلانها‏‎ ‎‏وفسادها من ناحیة اُخریٰ، فهی صلاة؛ لاشتمالها علی الدعاء، ولکنّها فاسدة؛‏‎ ‎‏لفقدانها الجزء أو الشرط الکذائیّ.‏

‏نعم، هذا یرجع إلی النزاع الآخر؛ وهو کیفیّة ادعاء الشرع، ولحاظه العلق‏
‎[[page 220]]‎‏والأسباب المورثة لصحّة الاستعمال المجازیّ، فإن تمّ البحث هناک ترتفع الشبهة‏‎ ‎‏فیما نحن فیه، وعندئذٍ لا مانع من خروجها من الجهة المبحوث عنها فی المقام،‏‎ ‎‏کمالایخفیٰ.‏

وبالجملة :‏ ظاهر العنوانین خروج المجازات من حریم النزاع، واختصاصه‏‎ ‎‏بالوضع، سواء کان من قبیل الحقیقة الشرعیّة ، أو کان من قبیل الحقیقة اللغویّة.‏

‏وتوهّم لغویّة النزاع حینئذٍ؛ لعدم صحّة «الحقیقة الشرعیّة» فی غیر محلّه؛‏‎ ‎‏وذلک لأنّ المراد من «الحقیقة الشرعیّة» أعمّ من الحاصلة بالوضع التعیینیّ والتعیّنی،‏‎ ‎‏والثانی ممّا لایکاد ینکر بالنسبة إلیٰ طائفة من الألفاظ، کما مضیٰ‏‎[5]‎‏. ولأنّ کثیراً من‏‎ ‎‏المخترعات الشرعیّة، کانت سابقة بهیئاتها وموادّها علی الإسلام، کالصلاة والحجّ‏‎ ‎‏وأمثالهما، فهی من الحقائق اللغویّة، والتصرّفات الیسیرة لاتورث الاستعمال‏‎ ‎‏المجازیّ حتّیٰ یفتتح باب الحقیقة الشرعیّة.‏

‏ولعلّ إلیٰ ذلک ترجع مقالة أبی بکر الباقلاّنی: «من أنّ الإطلاقات کانت‏‎ ‎‏لغویّة»‏‎[6]‎‏ وإلاّ فهی المقالة السابقة الراجعة إلی الاستعمال المجازیّ بالمعنی الذی‏‎ ‎‏ذکرناه: وهو الانتقال من المعنی المستعمل فیه إلی المراد الجدّی بنصب القرینة؛ فإنّ‏‎ ‎‏حقیقة المجاز ـ وهی المعبر ـ هذه، کما مضیٰ‏‎[7]‎‏.‏

فتحصّل :‏ أنّنا أصبحنا وقد استغنت الشریعة عن المجاز، والاستعمال‏‎ ‎‏بالمصحّح، والأسباب المصحّحة؛ لحصول الحقیقة الشرعیّة بکثرة الاستعمال، أو‏‎ ‎‏لکون الحقیقة من أوّل الأمر لغویّة، فلا حاجة إلیٰ إدراج المجازات فی عنوان‏
‎[[page 221]]‎‏المسألة، لو فرضنا إمکان إدراجها فیه.‏

إن قلت :‏ الحقیقة الشرعیّة خارجة عن عنوان البحث؛ لأنّ الظاهر منه حصول‏‎ ‎‏الوضع بوجه لایحتاج إلی القرینة الخاصّة والعامّة، والقرینة المقالیّة والحالیّة، وقد‏‎ ‎‏مضیٰ أنّها تحتاج إلی الحالیّة العامّة؛ وهو محیط التقنین والتشریع، ومنطقة‏‎ ‎‏الاستعمالات من أرباب الشرع والمتشرّعة‏‎[8]‎‏، فلا وضع، ولا اسم، فلابدّ من دعوی‏‎ ‎‏الحقیقة اللغویّة رأساً.‏

قلت أوّلاً :‏ لا وجه للالتزام بالعنوان المذکور.‏

وثانیاً :‏ إنّ من الممکن دعویٰ أنّ القرینة اللاّزمة هی المعیّنة، فتأمّل.‏

وثالثاً :‏ لا مانع من الإلحاق بعد شمول الغرض والمقصود.‏

‏ثمّ إنّه یتوجّه أیضاً إلی العنوان الذی اتخذه الوالد ـ مدّظلّه : ـ مضافاً إلیٰ ما‏‎ ‎‏سلف‏‎[9]‎‏ـ أنّ الجهة المبحوث عنها فی الصحیح والأعمّ حول الموضوع له، من غیر‏‎ ‎‏النظر إلی الاستعمال وعدمه، وان کان المقصود لا یحصل إلاّ بالاستعمال، ولکنّه‏‎ ‎‏لایورث قصر النزاع فیه، کما مضیٰ فی بحث علائم الحقیقة والمجاز‏‎[10]‎‏ فلیراجع،‏‎ ‎‏والبحث فی المجازات یرجع إلیٰ حدود العلاقة المنظور إلیها فی نظر الشرع؛ وأنّها‏‎ ‎‏العلاقة المورثة لصحّة الاستعمال بالنسبة إلی المصادیق الصحیحة، أو هی الأعمّ،‏‎ ‎‏وهذا لایرجع إلیٰ ذاک، ولا وجه لإرجاعه إلیه، کما هو الواضح.‏

‏هذا مع أنّ حیثیّة البحث، مغفول عنها فی العنوان المذکور، مع أنّه لابدّ من‏‎ ‎‏معلومیّتها فیه؛ ضرورة أنّ من الممکن أن یقال بعد العنوان المزبور جواباً عنه: بأنّ‏‎ ‎‏الأصل فی استعمالات الشرع هو الحقیقة، ثمّ بعد ذلک یقع البحث فی أنّ الموضوع‏
‎[[page 222]]‎‏له خاصّ أو أعمّ، فالعنوان المأخوذ فی کلامه غیر وافٍ بتمام المقصود، کما هو‏‎ ‎‏الظاهر، فتدبّر.‏

‏ثمّ إنّه یتوجّه ثالثاً إلی العنوان الذی ذکره القوم : أنّ الصحیحیّ لایرید إثبات‏‎ ‎‏کون الموضوع له هی الماهیّة الموصوفة بـ : «الصحّة» حتّیٰ یقال: بأنّه إن أراد من‏‎ ‎‏«الصحّة» مفهومها بالحمل الأوّلی، یلزم کونه حقیقة ومجازاً بالنسبة إلی المصداق‏‎ ‎‏المعیّن؛ حسب اختلاف حالات المکلّفین، وإن أراد منها الصحّة بالحمل الشائع،‏‎ ‎‏یلزم کون الموضوع له خاصّاً‏‎[11]‎‏.‏

‏والسرّ فی ذلک ما سیأتی تفصیله : من أنّ الصحّة والفساد، أمران یعتبران‏‎ ‎‏حسب إضافة الماهیّة إلی الخارج؛ وتحقّقها فیه، فإن کانت متحقّقة فیه وجامعة‏‎ ‎‏لجمیع ما یترقّب منها، ینتزع منها الصحّة، وإلاّ فالمنتزع منه هو مفهوم «الفاسد» ولا‏‎ ‎‏معنی لاتصاف مفهوم وعنوان بالصحّة والفساد‏‎[12]‎‏، وهذا أمر واضح علیٰ جمیع‏‎ ‎‏المبانی فی حقیقة الصحّة والفساد، فعلیٰ هذا یتعیّن العدول عن العنوان المزبور.‏

‏وتوهّم عدم لزومه إذا فسّرا بالتمامیّة والنقصان‏‎[13]‎‏، فی غیر محلّه؛ لما یلزم‏‎ ‎‏الإشکالُ الأوّل، لأنّ معنی «التمام» حسب حالات الأفراد مختلف، فیلزم کونه‏‎ ‎‏حقیقة فی شیء واحد، ومجازاً فیه أیضاً، وهذا ضروریّ البطلان فی باب تحدید‏‎ ‎‏معانی اللغات، وتفسیر حدود الموضوعات. مع أنّ المعانی والماهیّات فی عالمها،‏‎ ‎‏لاتوصف بالتمامیّة والنقصان.‏

فتحصّل من ذلک :‏ أنّ الصحیحیّ یرید دعویٰ: أنّ الموضوع له ما لا ینطبق إلاّ‏‎ ‎‏علی المصداق الذی ینتزع منه مفهوم «الصحّة» والأعمّی یقول بالأعمّ، وقد أخذ‏
‎[[page 223]]‎‏عنوان «الصحّة» مشیراً إلیٰ ذلک، ولایکون داخلاً فی المسمّیٰ أصلاً، ولکنّه خلاف‏‎ ‎‏المتفاهم من العنوان، فلابدّ من العدول عنه إلی العنوان الآخر.‏

وإن شئت قلت :‏ لایوصف الشیء بشیء إلاّ باعتبار أمر زائد علیٰ ذاته واقعاً،‏‎ ‎‏أو اعتباراً، فکما أنّ الجسم لایوصف بالبیاض والسواد والحرکة والسکون، إلاّ‏‎ ‎‏بلحاظ وجوده الخارجیّ، ولا یوصف بالإمکان والشیئیّة إلاّ باعتبار أمر زائد علیه،‏‎ ‎‏أو لحاظ أمر وراء أصل حقیقته، کاتصافه تعالیٰ بالعلم، فإنّه بلحاظ انکشاف الأشیاء‏‎ ‎‏لدیه، کذلک الطبائع والمعانی الکلیّة لاتوصف بهذه الاُمور ـ من الصحّة والفساد،‏‎ ‎‏والسلامة والعیب، والتمام والنقص ـ إلاّ بعد تحقّقها فی الخارج، فإذن لا معنیٰ لتوهّم‏‎ ‎‏کون الألفاظ موضوعة لها.‏

‏ ‏

‎ ‎

‎[[page 224]]‎

  • )) کفایة الاُصول : 38، بدائع الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) الآملی 1: 109، محاضرات فی اُصول الفقه 1 : 134 .
  • )) درر الفوائد، المحقّق الحائری : 47 .
  • )) تهذیب الاُصول 1 : 67 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 60 ـ 64 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 185 ـ 187 .
  • )) شرح العضدی 1 : 51 ـ 52، الفصول الغرویّة: 49 / السطر 16 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 142 ـ 144 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 191 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 197 ـ 198 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 165 .
  • )) تهذیب الاُصول 1 : 67 .
  • )) یأتی فی الصفحة 204 .
  • )) تهذیب الاُصول 1 : 69 .

انتهای پیام /*