المقصد الثانی : فیما إذا کانت لأحد الخبرین مزیّة

الأمر الرابع : فی إمکان کون کلّ من المرجّحین مرجّحاً للصدور أو لجهته

کد : 92043 | تاریخ : 19/07/1395

الأمر الرابع فی إمکان کون کلّ من المرجّحین مرجّحاً للصدور أو لجهته

‏ ‏

قد اتّضح:‏ أنّ المرجّح المنصوص منحصر فی موافقة الکتاب ومخالفة‏‎ ‎‏العامّة، فکلّ واحد منهما یمکن أن یکون ثبوتاً مرجّحاً لأصل الصدور، أو لجهته،‏‎ ‎‏ویمکن أن یکون کلّ لجهة؛ لأنّ الأخبار المخالفة للکتاب والسنّة، یمکن أن تکون‏‎ ‎‏غیر صادرة منهم نوعاً، فجعلت المخالفة أمارة علی عدم الصدور، أو صادرة لا‏‎ ‎‏لبیان الحکم الواقعیّ، بل للاحتشام عن ولاة الجور وتقیّة منهم.‏

‏وکذا الأخبار الموافقة للعامّة، یمکن أن لا تکون صادرة منهم، وإنّما دسّها‏‎ ‎‏الدسّاسون فی أخبارهم، ویمکن أن تکون صادرة منهم لأجل التقیّة، فلا یتمحّض‏‎ ‎‏شیء منهما بحسب الثبوت فی ترجیح الصدور أو جهته، بل یمکن إرجاع الترجیح‏‎ ‎‏بالأعدلیّة وما یتلوها وکذا الاشتهار، إلیٰ جهة الصدور بوجه.‏


‎[[page 215]]‎وأمّا‏ بحسب مقام الإثبات، فالأخبار الواردة فی الترجیح بموافقة الکتاب‏‎ ‎‏مختلفة:‏

فمنها:‏ ما یظهر منها أنّها مرجّحة لأصل الصدور، کروایة ابن الجهم حیث‏‎ ‎‏قال فی الجواب عن ورود الأحادیث المختلفة: ‏«إنّ ما یشبه کتاب الله وأحادیثنا‎ ‎فهو منّا، وما لا یشبههما فلیس منّا»‎[1]‎‏.‏

‏والظاهر من قوله: ‏«لیس منّا»‏ أی لم یصدر منّا، لا أنّه صدر للتقیّة، وکذا‏‎ ‎‏روایته الاُخریٰ عن العبد الصالح‏‎[2]‎‏.‏

ومنها:‏ ما یظهر منها أنّها مرجّحة لجهة الصدور، کقوله فی روایة المیثمیّ:‏‎ ‎«لأ نّا لا نرخّص فیما لم یرخّص فیه رسول الله ، ولا نأمر بخلاف ما أمر به رسول‎ ‎الله إلاّ لعلّة خوف ضرورة...»‎[3]‎‏، فإنّ الظاهر منه أنّ ما خالف رسول الله قد یصدر‏‎ ‎‏منهم تقیّة وخوفاً، فأمر فی أخبار العلاج بردّ ما خالف السنّة من المتعارضین‏‎ ‎‏لأجله أو للأعمّ منه.‏

‏وأمّا الأخبار الواردة فی الترجیح بمخالفة العامّة، فلا یظهر منها أنّها‏‎ ‎‏للترجیح الصدوریّ أو الجهتیّ.‏


‎[[page 216]]‎‏نعم، ربّما یرجح من بعض الأخبار الاُخر کونها من مرجّح أصل الصدور،‏‎ ‎‏کأخبار الدسّ‏‎[4]‎‏ کما أنّ کثرة صدور الأخبار تقیّة ممّا یرجّح کونها مرجّحة‏‎ ‎‏لجهة الصدور.‏

والإنصاف:‏ أنّ کلاًّ من الاحتمالین ممکن، والجزم بأحدهما لا یخلو‏‎ ‎‏من جزاف.‏

ثمّ إنّک قد عرفت‎[5]‎‏: أنّ مقتضیٰ مصحّحة عبد الرحمان بن أبی عبدالله ‏‎[6]‎‏،‏‎ ‎‏أنّ الترجیح بموافقة الکتاب مقدّم علی الترجیح بمخالفة العامّة؛ ولا وجه لرفع‏‎ ‎‏الید عنهما.‏

وما قیل:‏ من أنّ المرجّحات الصدوریّة مقدّمة علی المرجّحات الجهتیّة،‏‎ ‎‏وهی علی المرجّحات المضمونیّة؛ لتقدّم التعبّد بأصل الصدور علی التعبّد بجهته،‏‎ ‎‏وهی علی التعبّد بالمضمون‏‎[7]‎‏.‏

ففیه ما لا یخفیٰ:

‏أمّا أوّلاً: فلأنّ تقدّم التعبّد بالصدور علیٰ جهته، وهو علیٰ مضمونه، ممّا لا‏‎ ‎‏أصل له ولا دلیل علیه؛ لأنّ بناء العقلاء علی العمل بخبر الثقة بعد تمامیّة أصل‏
‎[[page 217]]‎‏الصدور، وجهته، وظهوره، وسائر الاُصول العقلائیّة، ومع عدم جریان واحد منها‏‎ ‎‏لا یعملون به، ولا معنیٰ للتعبّد بالصدور إلاّ العمل به، وما لا عمل له بوجه لا یکون‏‎ ‎‏مورداً للاُصول العقلائیّة، ولا للأدلّة الشرعیّة علیٰ فرضها.‏

فما یقال:‏ من أنّ التعبّد بالصدور مقدّم علی التعبّد بجهته، إن کان مراده هو‏‎ ‎‏التعبّد العملیّ شرعاً، أو البناء العملیّ لدی العقلاء، فلا معنیٰ له، وهو واضح، وإن‏‎ ‎‏کان غیر ذلک فلا محصّل له.‏

وأمّا ثانیاً:‏ فلأ نّه لو سلّم، فإنّما هو فی غیر باب التعارض؛ ضرورة أنّ کافّة‏‎ ‎‏الاُصول اللّفظیة والعقلیّة تسقط بالمعارضة، وتکون الروایتان ساقطتین رأساً،‏‎ ‎‏فلا بدّ فی العمل بواحدة منهما تعییناً أو تخییراً، من التماس دلیل، ولیس إلاّ أخبار‏‎ ‎‏العلاج، وهی تدلّ علیٰ تقدّم الترجیح بموافقة الکتاب.‏

وأمّا ثالثاً:‏ لو سلّم کلّ ذلک، فلا یقاوم بناءُ العقلاء المصحّحةَ المصرّحة بتقدّم‏‎ ‎‏الترجیح بموافقة الکتاب علی الترجیح بمخالفة العامّة؛ لأنّ الأدلّة الشرعیّة ـ علیٰ‏‎ ‎‏فرضها ـ والاُصولَ العقلائیّة، کلّها قابلة للتخصیص والردع فلا تغفل، هذا کلّه فی‏‎ ‎‏المرجّح المنصوص.‏

‏وأمّا غیره، فبناءً علیٰ أنّ الترجیح بمطلقه إنّما هو لأجل دوران الأمر بین‏‎ ‎‏التعیین والتخییر، فلا ترجیح لمرجّح علیٰ مرجّح إلاّ ما هو أتمّ ملاکاً وأقرب‏‎ ‎‏إلی الواقع.‏


‎[[page 218]]‎‎ ‎

‎ ‎

‏ ‏

‏ ‏

‏ ‏

‏ ‏

هذا تمام الکلام فی مهمّات باب التعادل والتراجیح،‎ ‎والحمد لله أوّلاً وآخراً، وظاهراً وباطناً. وقد وقع الفراغ‎ ‎من تألیفه لیلة الجمعة، تاسع شهر جمادی الأُولیٰ سنة‎ ‎1370، فی بلدة «قم» حرم أهل البیت ‏علیهم السلام‏‏ ومن‏‎ ‎‏إخراجه إلی المبیضّة یوم الثالث والعشرین من شهر‏‎ ‎‏رمضان المبارک، سنة ألف وثلاثمائة وسبعین هجریّة‏‎ ‎‏قمریّة، علیٰ هاجرها الصلاة والسلام فی «محلاّت».‏‎ ‎


[[page 219]]

‎ ‎

‎[[page 220]]‎

  • )) الاحتجاج: 357، وسائل الشیعة 18: 87، کتاب القضاء، أبواب صفات القاضی، الباب9، الحدیث40.
  • )) وسائل الشیعة 18: 85، کتاب القضاء، أبواب صفات القاضی، الباب9، الحدیث31.
  • )) عیون أخبار الرضا علیه السلام 2: 19 ـ 20 / 45، وسائل الشیعة 18: 81، کتاب القضاء، أبواب صفات القاضی، الباب9، الحدیث21.
  • )) علل الشرائع : 531 / 1، عیون أخبار الرضا علیه السلام 1: 275 / 10، وسائل الشیعة 18: 82 و83، کتاب القضاء، أبواب صفات القاضی، الباب9، الحدیثین23 و 24.
  • )) تقدّم فی الصفحة 198.
  • )) وسائل الشیعة 18: 84، کتاب القضاء، أبواب صفات القاضی، الباب9، الحدیث29.
  • )) فوائد الاُصول 4 : 780 ـ 781.

انتهای پیام /*