الفصل الثانی فیما یتعلَّق بصیغة الأمر
وفیه مباحث:
المبحث الأوّل صیغة الأمر موضوعة للبعث والإغراء
قد ذکرنا معانی هیئات الفعل الماضی والمضارع والمشتقّات الاسمیّة سابقاً، وبقی بیان هیئة الأمر: وهی ـ علی ما یتبادر منها ـ موضوعة للبعث والإغراء، وتستعمل استعمالاً إیجادیّاً لاحکائیّاً، بخلاف هیئة الماضی والمضارع، فإنّها موضوعة للحکایة.
فهیئة الأمر کالإشارة البعثیّة والإغرائیّة، وکإغراء جوارح الطیر والکلاب المعلَّمة، والفرق: أ نّها موضوعة لإفادة ذلک وإفهامه، فهی مع
[[page 243]]
إیجاد معناها مفهمة له وضعاً، وأیضاً إنّ انبعاث الحیوانات یکون بکیفیّة الصوت والحرکات والإشارات المورثة لتشجیعها أو تحریکها نحو المقصود، لکن انبعاث الإنسان ـ بعد فهم بعث المولی من أمره، وتحقّق موضوع الإطاعة ـ لأجل مبادٍ موجودة فی نفسه کالخوف والرجاء.
وما قیل ـ من عدم تصوّر کون اللفظ موجِداً ـ وجیه لو کان ما یوجد به تکوینیّاً، لا مثل مفاد الهیئات والحروف الموجِدة، فکما أنّ حروف القسم والنداء موجِدات بنحوٍ من الإیجاد لمعانیها کما تقدّم، وألفاظ العقود والإیقاعات کذلک عند العقلاء، کذلک هیئات الأوامر وضعت لإیجاد الإغراء والبعث، بل نری أنّ بعض الألفاظ المهملة مستعمل لإغراء بعض الحیوانات کالکلاب وغیرها، فهی موجدة للإغراء والبعث بنحوٍ لا بالوضع.
فما أفاده المحقّق الخراسانیّ ـ من کونها موضوعة لإنشاء الطلب، الظاهر منه أ نّه غیر البعث والإغراء ـ إن کان مراده الطلب الحقیقیّ المتّحد مع الإرادة علی مذهبه کما ذهب إلیه بعض آخر؛ حتّی یکون معنی «اضرب» اُرید منک الضرب، فهو ممنوع، والسند التبادر.
وإن کان المراد الطلب الإیقاعیّ، فلا نتصوّر غیر البعث والإغراء شیئاً آخر
[[page 244]]
نسمّیه الطلب حتّی یُنشئه المتکلّم بداعی البعث، ومع فرضه مخالفٌ للتبادر والتفاهم العرفیّ فی کلّ لغة.
المبحث الثانی فی معانی الهیئة
الظاهر أنّ المعانی الکثیرة التی عُدّت للأمر ـ کالترجّی والتمنّی والتهدید إلی غیر ذلک ـ لیست معانیه، ولم توضع الهیئة لها، ولا تستعمل فیها فی عرض استعمالها فی البعث والإغراء، بل مستعملة فیها علی حذو سائر الاستعمالات المجازیّة، علی ما سبق من استعمال اللفظ فیما وضع له؛ لیتجاوز منه إلی المعنی المراد جدّاً لعلاقة.
فهیئة الأمر تستعمل: تارةً فی البعث لیحقّ ذهن السامع علیه ویفهم منها ذلک، فینبعث إلی المطلوب فیکون حقیقة.
واُخری تستعمل فیه، لکن لیتجاوز ذهنه منه إلی المعنی المراد جدّاً بعلاقة ونصب قرینة.
ففیقوله ـ تعالی ـ: «أمْ یَقُولُونَ افتراهُ قلْ فَاتوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْترَیاتٍ» استعملت هیئة الأمر فی البعث، لکن لا لغرض البعث، بل للانتقال منه إلی
[[page 245]]
خطائهم فی التقوّل علی رسول اللّٰه ـ صلّی اللّٰه علیه وآله ـ أو لتعجیزهم عن الإتیان.
وقولِ الشاعر:
ألا أیّها اللّیلُ الطویلُ ألا انْجلِ .......................
استعملت الهیئة فی البعث ـ أیضاً ـ للانتقال منه إلی تمنّیه للانجلاء، أو تحسّره وتأثّره من عدمه.
فاتّضح أ نّه قد تستعمل الهیئة للانتقال إلی معنیً إنشائیّ إیقاعیّ، فینشأ تبعاً لصیغة الأمر کالتمنّی والترجّی، وقد تستعمل للانتقال إلی معنی محقّق فی الواقع کما احتملنا فی الآیة الشریفة.
وبما ذکرنا یوجّه الاستفهام والتمنّی والترجّی وأمثالها الواردة فی کلام اللّٰه تعالی، فإنّ صدورَها من المبادئ التی تکون مستلزمة للنقص والجهل والانفعال ممتنعٌ علیه ـ تعالی ـ دون غیرها، فیفرّق بین الجدّ والاستعمال، وإن کان للکلام فی کیفیّة صدور القرآن الکریم وسائر الکتب المنزلة علی الأنبیاء طور آخر لایساعد [علیه] هذا المقام، وقد أشرنا إلیها إجمالاً فی رسالة «الطلب والإرادة».
[[page 246]]
المبحث الثالث فی أنّ الهیئة تدلّ علی الوجوب أم لا؟
بعد ما عرفت أنّ الهیئة وضعت للبعث والإغراء، یقع الکلام فی أ نّها هل وضعت للبعث الوجوبیّ، أو الاستحبابیّ، أو القدر المشترک بینهما، أو لهما علی سبیل الاشتراک اللفظیّ؟ فلا بدّ فی تحقیق ذلک من مقدّمات:
الاُولی: أ نّه تختلف إرادة الفاعل فیما صدر منه قوّة وضعفاً حسب اختلاف أهمیّة المصالح المدرکة عنده، فالإرادة المحرّکة لعضلاته لنجاة نفسه عن الهلکة أقوی من الإرادة المحرّکة لها للقاء صدیقه، وهی أقوی من المحرّکة لها للتفرّج والتفریح، فمراتب الإرادات قوّة وضعفاً تابعة لإدراک أهمیّة المصالح أو اختلاف الاشتیاقات، واختلاف حرکة العضلات سرعة وقوّة تابعٌ لاختلاف الإرادات کما هو ظاهر.
فما فی تقریرات بعض أعاظم العصر رحمه اللّٰه ـ من أنّ تحریک النفس للعضلات فی جمیع الموارد علی حدّ سواء ـ کما فی تقریرات بعض المحقّقین رحمه اللّٰه ـ من أنّ الإرادة التکوینیّة لایتصوّر فیها الشدّة والضعف ـ مخالفٌ للوجدان والبرهان:
[[page 247]]
أمّا الأوّل فظاهر؛ ضرورة أقوائیّة إرادة الغریق لخلاص نفسه من إرادة الفاعل لکنس البیت وشراء الزیت.
وأمّا الثانی: فلأنّ اختلاف الآثار یدلّ علی اختلاف المؤثّرات، واختلاف حرکة العضلات المشاهد کاشف عن اختلاف الإرادات المؤثّرة فیها، کما أنّ اختلاف الدواعی موجب لاختلاف الإرادات، فالداعی لإنجاء المحبوب من الهلکة موجب للإرادة الحتمیّة القویّة، بخلاف الداعی إلی شراء اللحم، وهذا لا ینافی کون الإرادة بفعّالیّة النفس کما هو التحقیق.
وأمّا التفصیل بین الإرادة التکوینیّة والتشریعیّة، فلا یرجع إلی محصّل.
الثانیة: أنّ الإرادة لمّا کانت من الحقائق البسیطة کالعلم والوجود، یکون التشکیک الواقع فیها خاصیاً ـ ما به الافتراق بین مراتبها عین ما به الاشتراک ـ ولا یکون الاختلاف بینها بتمام الذات المستعمل فی باب الماهیّات، أو بعضها، أو خارجها؛ ضرورة عدم التباین الذاتی بین الإرادة القویّة والضعیفة، ولا یکون اختلافهما ببعض الذات لبساطتها، ولا بأمر خارج؛ حتّی تکونا فی مرتبة واحدة والشدّة والضعف لاحقان بها، فالإرادة کسائر الحقائق البسیطة یکون افتراق مراتبها کاشتراکها بتمام الذات، وتکون ذات عرض عریض ومراتب شتّی.
الثالثة: أنّ صدور الأمر من الآمر ـ بما أ نّه فعل إرادیّ له کسائر أفعاله الإرادیّة ـ مسبوق بمقدّمات من التصوّر إلی الإرادة وتحریک العضلات، غایة
[[page 248]]
الأمر أنّ العضلات فیه عضلات اللسان، وتکون الإرادة فیه ـ قوّة وضعفاً ـ تابعة لإدراک أهمیّه الفعل المبعوث إلیه؛ ضرورة أنّ الإرادة الباعثة إلی إنجاء الولد من الغرق أقوی من الباعثة إلی شراء اللحم.
ثمّ إنّه قد یظهر آثار الشدّة فی المقال، بل فی کیفیّة تأدیة الکلام شدّة، أو فی الصوت علوّاً وارتفاعاً، وقد [یَقرن] أمره بأداة التأکید والوعد والوعید، کما أ نّه قد [یَقرِنه] بالترخیص فی الترک، أو بما یفهم منه الوجوب أو الاستحباب.
وبالجملة: أنّ الأمر بما هو فعل اختیاریّ إرادیّ صادر من الفاعل المختار، کسائر أفعاله من حیث المبادئ وجهات الاختلاف، فقد یحرّک الفاعل عضلات یده أو رجله لتحصیل مطلوبه مباشرة، وقد یُحرّک عضلات لسانه لتحصیل مطلوبه بمباشرة الغیر، لا لأنّ الأمر الذی مفاده البعث هو الباعث بذاته؛ فإنّه غیر معقول، بل لأدائه بمقدّمات اُخر ـ علی فرض تحقُّقها ـ إلی انبعاث المأمور، فإذا أمر المولی بشیء ووصل إلی العبد وتصوّر أمره، فإن وُجدت فی نفسه مبادٍ اُخر کالحبّ والمعرفة والطمع والخوف وأمثالها تصیر هذه المبادئ داعیة للفاعل، فالأمر محقِّق موضوع الطاعة، لا المحرّک بالذات.
الرابعة: قد ظهر ممّا مرّ أنّ الأمر بما هو فعل إرادیّ للفاعل تابع
[[page 249]]
لإرادته، فهو کاشف عنها نحو کشف المعلول عن علّته، فإنّ العقل یحکم بأنّ کلّ فعل إرادیّ لا یتحقّق من الفاعل المختار إلاّ بإرادته، وبما أ نّه بعث نحو المبعوث إلیه کاشف عن مطلوبیّته، نظیر کشف المعلول عن علّته بوجه، فإنّ الداعی إلی الأمر مطلوبیّة فعل المأمور به.
فدلالة الأمر علی الإرادة المتعلّقة بصدوره وعلی مطلوبیّة الفعل المأمور به لیست دلالة لفظیّة وضعیّة، بل دلالة عقلیّة کدلالة کلّ ذی مبدأ علی تحقّق مبادئه.
إذا عرفت ما ذکر یقع البحث فی أنّ هیئات الأوامر هل تدلّ علی الوجوب أم لا؟
وعلی الأوّل: هل تکون الدلالة وضعیّة، أو بسبب الانصراف، أولا هذا ولا ذاک، بل بمقدّمات الحکمة تکون ظاهرة فیه، أولا تحتاج إلیها ـ أیضاً ـ فیه، أو أ نّها کاشفة عن الإرادة الحتمیّة الوجوبیّة کشفاً عقلائیّاً ککاشفیّة الأمارات العقلائیّة؟
وعلی فرض عدم وضعها للوجوب وعدم دلالتها علیه، فهل تکون حجّة علی الوجوب بحکم العقل والعقلاء أولا؟ وجوه:
أمّا الدلالة الوضعیّة: فإن یُرَدْ منها أ نّها وُضعت للبعث المتقیّد بالإرادة الحتمیّة، فهو ظاهر البطلان إن اُرید التقیّد بهذا المفهوم؛ ضرورة عدم إمکان تقیُّد البعث بالحمل الشائع بمفهوم أصلاً، وقد عرفت أنّ الهیئة وضعت له.
[[page 250]]
وإن اُریدَ التقیّد بواقعها فلا یمکن؛ لأنّ البعث متأخّر عن الإرادة بمراتب، فلا یعقل تقیّده بها، والمعلول لا یمکن أن یتقیّد بعلّته، فضلاً عن علّة علّته، أو کعلّة علّته فی التقدّم؛ للزوم کون المتأخّر متقدّماً أو بالعکس.
نعم، یمکن أن یقال: إنّ الإرادة الحتمیّة لمّا کانت مَنْشأ للبعث بآلیّة الهیئة، فللبعث المنْشَأ بها تحصُّل غیر تحصّل البعث المنشَأ بالإرادة الغیر الحتمیّة بحسب نفس الأمر، والواضع یمکن أن یتصوّر جامعاً عرضیّاً انتزاعیّاً بین أفراد البعث الناشئة من الإرادة الحتمیّة، فیضع الهیئة بإزاء مصادیقه، فتکون هیئة الأمر مستعملة استعمالاً إیجادیّاً، ویکون وضعها عامّاً والموضوع له خاصّاً، وهو إیجاد البعث الخاصّ الناشئ من الإرادة الحتمیّة من غیر تقیُّد بها.
وهذا التصویر وإن یدفع الاستحالة لکن التبادر والتفاهم العرفیّ یضادّه؛ ضرورة أنّ المتفاهم [به] من الهیئة لیس إلاّ البعث والإغراء، کإشارة المشیر لإغراء غیره، وکإغراء الجوارح من الطیور وغیرها، فکأنّ لفظ الهیئة قائم مقام تلک الإشارة وذلک الإغراء.
وأمّا دعوی الانصراف إلی البعث الناشئ من الإرادة الحتمیّة، فلا مجال لها؛ لأنّ ملاکَ الانصراف الحاصل من اُنس الذهن بکثرة الاستعمال مفقودٌ، وغیره لیس منشأ له.
[[page 251]]
ومن ذلک یعلم ما فی دعوی الکشف العقلائیّ، فإنّ الأمر وإن کان کاشفاً عن إرادة الآمر فی الجملة، لکن کشفه عن الإرادة الحتمیّة من غیر ملاک غیر معقول، ولیس ملاک معقول فی المقام إلاّ کثرة الاستعمال؛ بحیث صار غیره من النادر الذی لا یعتنی به العقلاء، وهو مفقود.
وأمّا دعوی ظهوره فی الوجوب بمقدّمات الحکمة، فقد قرّرها بعض محقّقی العصر ـ رحمه اللّٰه ـ بوجهین:
أحدهما: أنّ الطلب الوجوبیّ هو الطلب التامّ الذی لاحدّ له من جهة النقص والضعف، بخلاف الاستحبابیّ، فإنّه مرتبة محدودة بحدّ النقص والضعف، ولاریب فی أنّ الوجود الغیر المحدود لا یفتقر فی بیانه إلی أکثر ممّا یدلّ علیه، بخلاف المحدود، فإنّه یفتقر إلی بیان حدوده وأصله، وعلیه یلزم حمل الکلام الذی یدلّ علی الطلب بلا ذکر حدٍّ له علی المرتبة التامّة، وهو الوجوب، کما هو الشأن فی کلّ مطلق. هذا ملخّص ما ذکر فی مادّة الأمر.
وقرّره فی المقام: بأنّ مقدّمات الحکمة کما تجری فی مفهوم الکلام لتشخیصه من حیث سعته وضیقه، کذلک یمکن أن تجری فی تشخیص الفرد الخاصّ فیما اُرید بالکلام فرداً مشخّصاً، کما لو کان لمفهوم الکلام فردان فی
[[page 252]]
الخارج، وکان أحدهما یستدعی مُؤْنة فی البیان أکثر من الآخر، کالإرادة الوجوبیّة والندبیّة، فإنّ الاُولی تفترق عن الثانیة بالشدّة، فیکون ما به الامتیاز فیها عین ما به الاشتراک، وأمّا الثانیة فتفترق عن الاُولی بالضعف، فما به الامتیاز فیها غیر ما به الاشتراک، فالإرادة الندبیّة تحتاج إلی دالّین بخلاف الوجوبیّة. انتهی ملخّصاً.
وفیه مَحالُّ أنظار:
منها: أنّ مقدّمات الحکمة فی المطلق لوجرت فیما نحن فیه، فنتیجتها إثبات نفس الطلب الذی هو القدر المشترک بین الوجوبیّ والاستحبابیّ باعترافه، فإنّ المادّة إذا وضعت للقدر الجامع لایمکن أن تفید مقدّمات الحکمة دلالتها علی غیره ممّا هو خارج عن الموضوع له.
ودعوی عدم الفرق بین القدر الجامع والطلب الوجوبیّ، واضحة الفساد؛ ضرورة لزوم افتراق الفرد عن الجامع بخصوصیّة زائدة.
نعم هاهنا کلام، وهو أنّ نفس الطلب الجامع لیس له وجود إلاّ بوجود أفراده، فلا یمکن أن تنتج مقدّمات الحکمة ظهور الأمر فی نفس الجامع؛ للقطع بحصوله مع أحد الفردین، لکن هذا یهدم جریان المقدّمات، ولا یوجب إنتاجها ظهور الأمر فی أحد القسمین مع کونه متساوی النسبة إلیهما.
ومنها: أنّ کون ما به الاشتراک فی الحقائق الوجودیّة عین ما به الامتیاز، لا یوجب عدم الاحتیاج ـ فی صَرف الجامع إلی أحد القسمین ـ إلی بیان زائد
[[page 253]]
عن بیان نفس الطبیعة؛ ضرورة أنّ الأقسام تمتاز عن المقسم بقید زائد فی المفهوم ولو فرض عدم الزیادة فی الوجود.
فالوجود المشترک مفهوماً بین مراتب الوجودات لایمکن أن یکون معرِّفاً لمرتبة منها، بل لابدّ فی بیانها من قید زائد ولو من باب زیادة الحدّ علی المحدود، فنفس مفهوم الوجود لا یکون حاکیاً إلاّ عن نفس الحقیقة الجامعة بینها، ولابدّ لبیان وجود الواجب من زیادة قید؛ کالتامّ، والمطلق، والواجب بالذات، ونحوها، فالإرادة القویّة کالضعیفة تحتاج إلی بیان زائد، وکذا نظائرها.
ومنها: أنّ ما ذُکرـ من أنّ ما به الاشتراک فی طرف الناقص غیر ما به الامتیاز ـ لیس علی ما ینبغی؛ لأنّ الإرادة الضعیفة لیست مرکّبة من إرادة وضعف، کالإرادة القویّة التی لیست مرکّبة منها ومن قوّة، فما به الاشتراک فی الحقائق البسیطة عین ما به الامتیاز فی جمیع المراتب؛ قضاءً لحقّ البساطة وکون الحقیقة ذات مراتب.
فالوجود الضعیف والإرادة الضعیفة وأمثالهما مرتبة من الحقیقة البسیطة تکون بنفس ذاتها ممتازة عن القویّة، ففی الوجود الخارجی تکون کلتا المرتبتین بسیطتین ـ ما به الاشتراک فیهما عین ما به الامتیازـ وتکون الحقیقة ذات عرض عریض، وفی مقام البیان والتعریف یحتاج کلاهما إلی معرِّف غیر نفس المفهوم المشترک.
وبالجملة: أنّ ما ذکره من عدم احتیاج الطلب التامّ والإرادة التامّة إلی بیان
[[page 254]]
زائد عن أصل الطلب والإرادة غیر وجیه.
الوجه الثانی: أنّ کلّ طالب إنّما یأمر لأجل التَوسّل إلی إیجاد المأمور به، فلا بدّ أن یکون طلبه غیر قاصر عن ذلک؛ وإلاّ فعلیه البیان، والطلب الإلزامیّ غیر قاصر عنه، دون الاستحبابیّ، فلابدّ أن یحمل علیه الطلب.
وفیه ما لایخفی من الوهن، فإنّ دعوی هذه الکلیّة: إن ترجع إلی أنّ کلّ آمر بصدد تحصیل المأمور به علی سبیل الحتم والإلزام، فهی مصادرة، مع کونها ممنوعة أیضاً، فإنّ الأوامر علی قسمین.
وإن ترجع إلی أنّ کلّ آمر بصدد إحداث الداعی وتحصیل المأمور به فی الجملة، فهی مسلّمة، لکن لا تفید، فإنّ بعثه أعمّ من الإلزامیّ وغیره.
وإن ترجع إلی أنّ الطلب الاستحبابیّ یحتاج إلی البیان الزائد دون الوجوبیّ، فقد مرّ ما فیه؛ لرجوع هذا الوجه إلی الوجه الأوّل.
وأمّا ما أفاده شیخنا العلاّمة ـ أعلی اللّٰه مقامه ـ: من أنّ الحمل علی الوجوب لعلّه لأجل أنّ الإرادة المتوجّهة إلی الفعل تقتضی وجوده لیس إلاّ، والندب إنّما یأتی من قِبَل الإذن فی الترک منضمّاً إلی الإرادة المذکورة، فاحتاج إلی قید زائد.
ففیه: أنّ الإرادة فی الوجوب والندب مختلفة مرتبة کما تقدّم، ولا یمکن
[[page 255]]
أن تکون الإرادة فیهما واحدة ویکون الاختلاف بأمر خارج، فحینئذٍ فللإرادة الحتمیّة نحوُ اقتضاءٍ غیُرهُ فی الغیر الحتمیّة.
وأمّا ما أفاد: من عدم احتیاج الحمل علی الوجوب إلی مقدّمات الحکمة، نظیر القضیّة المسوّرة بلفظة «کلّ»، فقیاسه مع الفارق؛ فإنّ الألفاظ الدالّة بالوضع علی الاستغراق إذا استعملت لامحالة یکون المتکلّم بها فی مقام بیان حکم الأفراد المدخولة لها، فإنّها بمنزلة تکرار الأفراد، فالقضیّة المُسوَّرة بها متعرِّضة لکلّ فرد فرد بنحو الجمع فی التعبیر، فلا معنی لعدم البیان بالنسبة إلیها، نعم أحوال الأفراد لابدّ لها من مقدّمات الحکمة.
فالحقّ أنّ الهیئات لا تدلّ بالدلالة الوضعیّة إلاّ علی البعث والإغراء من غیر دلالة علی الوجوب والاستحباب، بل لا معنی للدلالة علیهما ولا لاستعمالها فیهما، فإنّ الوجوب والاستحباب إن کانا بلحاظ الإرادة الحتمیّة وغیرها أو المصلحة الملزمة وغیرها، فهما من مبادئ الاستعمال، ولا یعقل أن تکون مستعملةً فیهما، وحتمیّة الطاعة وعدمها منتزعتان بعد الاستعمال، فلا یعقل الاستعمال فیهما.
وبعد اللتیّا والتی: أنّ ما لاریبَ فیه ولا إشکال یعتریه هو حکم العقلاء کافّة بأنّ الأمر الصادر من المولی واجب الإطاعة ولیس للعبد الاعتذار باحتمال کونه ناشئاً من المصلحة الغیر الملزمة والإرادة الغیر الحتمیّة، ولا یکون ذلک لدلالة لفظیّة، أو انصراف، أو مقدّمات حکمة.
[[page 256]]
والدلیل علیه: أنّ الإغراء والبعث إذا صدر من المولی بأیّ دالٍّ کان، لَزِمَ عند العقلاء إطاعته، من غیر فرق بین اللفظ والإشارة مع عدم وضْع لها، ولا تجری فیها مقدّمات الحکمة، فنفس صدور البعث والإغراء موضوع حکمهم بلزوم الطاعة من غیر حکمهم بکشفه عن الإرادة الحتمیّة؛ لعدم الملاک فیه کما عرفت، فکون الأمر للوجوب لیس إلاّ لزوم إطاعته عند العقلاء حتّی یرد منه ترخیص. ولعلّ ذلک مغزی مرام شیخنا العلاّمة أعلی اللّٰه مقامه.
تتمیم: فی الجمل الخبریة المستعملة فی مقام الإنشاء:
لا إشکال فی أنّ الجمل الخبریّة المستعملة فی مقام البعث والإغراء کالهیئات فی حکم العقلاء بلزوم إطاعتها؛ لما عرفت من أنّ البعث ـ بأیّ دالّ صدر من المولی ـ کان تمام الموضوع للزوم الاتّباع، إنّما الکلام فی کیفیّة دلالتها علی البعث.
والذی یمکن أن یقال: إنّها مستعملة فی معانیها الخبریّة بدعوی تحقُّقها من المخاطب، مدّعیاً أنّ المُخبَر به أمرٌ یأتی به المخاطب من غیر احتیاج إلی الأمر؛ لوضوح لزوم إتیانه بحکم العقل، کما إذا قلت: «إنّ ولدی یصلّی» أو «إنّه یحفظ شأن أبیه» بداعی إغرائه بذلک، فإنّک تستعمل الجملة فی معناها بدعوی کون الأمر بمکان من الوضوح لایحتاج إلی الأمر، بل یأتی به بتمییزه وعقله.
وما ذکرنا موافق للذوق السلیم والمحاورات العرفیّة.
[[page 257]]
المبحث الرابع فی التعبّدی والتوصّلی
وأن الأصل ماذا یقتضی؟
ویتمّ البحث بتقدیم اُمور:
الأوّل: فی معنی التعبّدیة والتوصّلیّة:
إنّ الواجبات بل المستحبّات فی الشریعة علی أقسام:
أحدها: ما یحصل الغرض بها کیفما تحقّقت؛ أی یکون المطلوب فیها نفس التحقّق والوجود بأیّ نحوٍ حصل، کستر العورة، وإنقاذ الغریق، والنظافة.
ثانیها: ما لایحصل الغرض بها إلاّ مع قصد عناوینها من غیر احتیاج إلی قصد التقرّب والتعبّد، کردّ السلام وکالنکاح الواجب أو المستحبّ.
ثالثها: مالایحصل بها بصِرف قصد العناوین، بل لابدّ فی سقوط أمرها من الإتیان بها متقرّباً إلی اللّٰه تعالی. وهذا علی قسمین:
أحدهما: ما ینطبق علیه عنوان العبودیّة للّٰه ـ تعالی ـ المعبّر عنه فی لغة الفرس بـ «پرستش»، کالصلاة والحجّ والاعتکاف.
وثانیهما: ما لیس کذلک وإن کان قُربیّاً؛ أی یعتبر فیه قصد التقرّب والطاعة، کالزکاة والخمس بل والصوم، فإنّ إتیان الزکاة ـ مثلاً ـ وإن یعتبر
[[page 258]]
فیه قصد التقرّب، لکن لاتکون عبادة بالمعنی المساوق لـ «برستش»؛ ضرورة أنّ کلّ فعل قُربیّ لا ینطبق علیه عنوان العبودیّة، ألا تری أ نّه لو أطاع أحدٌ والدیه أو السلطان بقصد التقرّب إلیهم لا تکون إطاعته عبادة لهم، فستر العورة والاستبراء بقصد الأمر والتقرّب إلی اللّٰه لیسا عبودیّة له، بل إطاعة لأمره.
فالواجبات المعتبرة فیها القربة علی قسمین: تعبّدی وتقرّبی، فالأوّل ما یؤتی به لأجل عبودیّة اللّٰه ـ تعالی ـ والثناء علیه بالمعبودیّة کالصلاة التی [هی] أظهر مصادیقها، فإنّها فی الحقیقة ثناء علیه ـ تعالی ـ بعنوان العبودیّة، بخلاف الثانی، فإنّ إعطاء الزکاة إطاعة له ـ تعالی ـ لا ثناء علیه بالمعبودیّة، فلا یجوز إتیان عمل بعنوان التعبّد لغیره ـ تعالی ـ بخلاف الإتیان بعنوان التقرّب.
فحینئذٍ نقول: المراد بالواجب التعبّدی ـ فیما نحن فیه ـ هو الواجب التقرُّبی بالمعنی الأعمّ من التعبّدی بالمعنی المتقدّم، وهو مالایسقط الغرض بإتیانه إلاّ بوجه مرتبط إلی اللّٰه ـ تعالی ـ سواء قصد الامتثال له أو التقرّب إلیه ـ تعالی ـ والتوصّلی بخلافه، سواء سقط الغرض بإتیانه کیفما اتّفق أو احتاج إلی قصد العنوان.
واتّضح ممّا ذکرنا وجه الخلل فی تعریف التعبّدی: بأ نّه الذی شُرِّع لأجل التعبّد به لربّه المعبّر عنه بالفارسیّة بـ «پرستش»؛ فإنّ الواجبات التعبّدیة بالمعنی المبحوث عنه أعمّ ممّا ذکر.
[[page 259]]
الثانی: فی إمکان أخذ قصد الأمر فی متعلّق الأمر:
الدواعی القُربیّة علی أنحاء مشترکة فی ورود بعض إشکالات المقام علیها، ویختصّ بعضها بإشکالات زائدة، فإن کان التقرُّب المعتبر هو قصد امتثال الأمر وإطاعته، ففی جواز اعتباره فی متعلّق الأمر وجهان أقواهما الجواز، ویظهر وجهه بعد رفع الإشکالات المتوهّمة، وهی علی أنحاء:
منها: دعوی امتناع أخذه فی المتعلّق امتناعاً ذاتیّاً؛ أی التکلیف الکذائی محال.
ومنها: دعوی الامتناع بالغیر لکونه تکلیفاً بغیر المقدور.
ولکلّ منهما تقریبات.
فی أدلّة الامتناع الذاتی:
أمّا الأوّل: فقد یقرّر وجه الامتناع فیه بلزوم تقدّم الشیء علی نفسه، بأن یقال: إنّ الأحکام أعراض للمتعلّقات، وکلّ عرض متأخّر عن معروضه، وقصد الأمر والامتثال متأخّر عن الأمر برتبة، فأخذه فی المتعلّقات موجب لتقدّم الشیء علی نفسه برتبتین.
وقد یقال: إنّ الأمر یتوقّف علی الموضوع، والموضوع یتوقّف علی الأمر؛ لکون قصده متوقّفاً علیه، فیلزم الدور.
وقد یقال: إنّ ذلک موجب لتقدّم الشیء علی نفسه فی مرحلة الإنشاء
[[page 260]]
والفعلیّة والامتثال:
أمّا فی مرحلة الإنشاء؛ فلأنّ ما اُخذ فی متعلَّق التکلیف فی القضایا الحقیقیّة لابدّ وأن یکون مفروض الوجود، سواء کان تحت قدرة المکلّف أولا، فلو اُخذ قصد الامتثال قیداً للمأمور به فلا محالة یکون الأمر مفروض الوجود فی مقام الإنشاء، وهذا ما ذکرنا من لزوم تقدّم الشیء علی نفسه.
وأمّا الامتناع فی مقام الفعلیّة والامتثال فیرجع إلی المقام الثانی؛ أی الامتناع بالغیر.
وهذه الوجوه کلّها مخدوشة:
أمّا الوجه الأوّل: ـ فمضافاً إلی عدم کون الأحکام من قبیل أعراض المتعلّقات: أمّا فی النفس فلأنّ الإرادة قائمة بالنفس قیام المعلول بعلّته، ومضافة إلی المتعلّقات إضافة العلم إلی المعلوم بالذات، وأمّا فی الخارج فلأنّ الأحکام اُمور اعتباریّة لاخارج لها حتّی تکون قائمة بالموضوعات أو المتعلّقات ـ أ نّه لو فُرض کونها من قبیل الأعراض لم تکن من الأعراض الخارجیّة؛ ضرورة أنّ الخارج ظرف سقوطها لاثبوتها، ولا ضیر فی کونها أعراضاً ذهنیّة، سواء کانت من قبیل أعراض الوجود الذهنیّ أو الماهیّة، فإنّ المتعلّقات بقیودها ممکنة التعقُّل ولو کان تحقُّق القیود متأخِّراً عن الوجود الخارجیّ، فالأوامر متعلّقة بالمعقول الذهنیّ من غیر توجّه الآمر إلی ذلک، والمعقول بقیوده متقدّم علی الأمر فی الوجود الذهنیّ، ولو کان فی الوجود
[[page 261]]
الخارجیّ علی عکسه.
هذا مضافاً إلی أنّ کلیّة القیود الخارجة عن ماهیّة المأمور به تحتاج فی تقییدها بها إلی لحاظ مستأنف، فقوله: «صلّ مع الطهور» تقیید للصلاة بلحاظ آخر، فعلیه فلا إشکال فی إمکان تقییدها بقصد الأمر والطاعة بلحاظ ثانٍ مُستأنف، ولا فرق فی ذلک بین القیود مطلقاً.
ومن ذلک یُعلم ما فی الوجه الثانی: لأنّ توقُّف الموضوع فی الخارج علی الأمر صحیح، لکن الأمر یتوقّف علی الموضوع فی الذهن لا الخارج، فیُدفع الدور.
وأمّا الوجه الثالث: ـ فمضافاً إلی منع لزوم أخذ مطلق المتعلّقات ومتعلّقاتها مفروض الوجود ـ أ نّه لو فرض لزومه لم یلزم محذور؛ لأنّ أخذ الأمر مفروض الوجود فرضاً مطابقاً للواقع لا یلزم منه تقدّم الشیء علی نفسه، بل یلزم منه فرض وجود الشیء قبل تحقُّقه، وهذا أمر غیر مستحیل، بل واقع.
فقوله: «صلّ بقصد الأمر» یجوز أن یکون أمره مفروض الوجود فرضاً مطابقاً للواقع؛ لأنّ معنی مطابقته له أن یکون متحقّقاً فی محلّه، وهو کذلک، فکما أنّ قوله: «صلِّ فی الوقت» یکون معنی فرض وجوده أ نّه فرض تحقُّق الوقت فی محلّه، کذلک فیما نحن فیه ـ أیضاً ـ یمکن ذلک. مضافاً إلی ما سمعت من حال تقیید المأمور به بالقیود الخارجة عن تقوّم الماهیّة.
فتحصّل ممّا ذکرنا: أنّ المحذور إن کان فی عدم تعقّل تصوّر الشیء قبل
[[page 262]]
وجوده فهو بمکان من الفساد؛ ضرورة أنّ کلّ فعل اختیاریّ یکون تصوّره مقدَّماً علی وجوده. وإن کان فی إنشاء الأمر علی الوجود المتصوّر فهو ـ أیضاً ـ کذلک؛ لأنّ الصورة الذهنیّة بقیودها متقدّمة علی الأمر، فلا یلزم منه تقدّم الشیء علی نفسه. وإن کان فی فرض وجود الشیء قبل وجوده، فهوـ أیضاً ـ بمکان من الإمکان، فلا محذور من هذه الجهات.
وقد یقرّر وجه امتناعه الذاتیّ: بأنّ التکلیف بذلک المقیّد موجب للجمع بین اللحاظ الآلیّ والاستقلالیّ؛ لأنّ الموضوع بقیوده لابدّ وأن یلحظ استقلالاً، والأمر بما أ نّه طرف إضافة القید المأخوذ فی الموضوع لابدّ من لحاظه ـ أیضاً ـ استقلالاً، وبما أ نّه آلة البعث إلی المطلوب لا یلحظ إلاّ آلة إلیه، فیجمع فیه بین اللحاظین المتنافیین.
وفیه: أنّ الموضوع مع قید قصد امتثال الأمر ملحوظ قبل الإنشاء واستعمال الأمر آلة للبعث، فالاستعمال الآلیّ لایجتمع مع اللحاظ الاستقلالیّ الذی لابدّ منه قبل الإنشاء.
وأمّا فی مقام الإنشاء فتقیید الموضوع یکون فی الآن المتأخّر عن الاستعمال الإیجادیّ الآلیّ، فیلحظ ما هو آلة للبعث فی الآن المتأخّر بنحو الاستقلال، کما فی جمیع القیود الواردة علی المعانی الحرفیّة، بل الاسمیّة أیضاً، ففی قوله: «زید فی الدار یوم الجمعة» یکون یوم الجمعة ظرفاً للکون الرابط الذی هو معنیً حرفیّ، وهو ملحوظ فی الآن المتأخّر استقلالاً، مع أ نّک
[[page 263]]
قد عرفت فی باب المعانی الحرفیّة أنّ تقییدها والإخبار عنها وبها لا یمکن استقلالاً، إلاّ أ نّه یمکن تبعاً، فراجع.
وقد یُقرّر وجه الامتناع ذاتاً: بأ نّه یلزم منه التهافت فی اللحاظ والتناقض فی العلم؛ لأنّ موضوع الحکم متقدّم علیه فی اللحاظ، وقصد الأمر متأخّر عنه فی اللحاظ، کما أ نّه متأخّر عنه فی الوجود، فیکون متأخِّراً عن موضوع الأمر برتبتین، فإذا اُخذ جزءً من موضوع الأمر أو قیداً فیه، لزم أن یکون الشیء الواحد فی اللحاظ الواحد متقدّماً فی اللحاظ ومتأخّراً فیه، وهذا سنخ معنی فی نفسه غیر معقول وجداناً إمّا للخُلف أو لغیره.
ثمّ أطال القائل الکلام بإیراد [إشکالات] وأجوبتها، وحاصلها: أنّ هذا الإشکال غیر الدور والتناقض فی المعلوم والملحوظ، بل یرجع إلی لزوم التهافت والتناقض فی اللحاظ والعلم.
ولَعَمری إنّ ذلک لا یرجع إلی محصّل فضلاً عن کونه إشکالاً؛ ضرورة أنّ نفس اللحاظ بما هو لا حکم له حتّی یقال: إنّه بنفسه متهافت مع غیره، بل التهافت لو کان فلأجل الملحوظ، ولیس فی الملحوظ فیما نحن فیه حیثیّة توجب التهافت إلاّ تقیید الموضوع بما یأتی من قِبَل الأمر، فیرجع الکلام إلی أنّ لحاظَ الشیئین المترتّبین فی الوجود فی رتبةٍ موجبٌ للتهافت فی اللحاظ والتناقض فی العلم، وهذا بمکان من وضوح الفساد.
[[page 264]] هذا کلّه فی تقریر الامتناع الذاتی.
فی أدلّة الامتناع الغیری:
وأمّا الوجوه التی استدلّ بها للامتناع الغیریّ:
فمنها: أنّ فعلیّة الحکم الکذائی یلزم منها الدور؛ لأنّ فعلیّة الحکم تتوقّف علی فعلیّة موضوعه ـ أی متعلّقات متعلّق التکلیف ـ ضرورة أ نّه مالم تکن القبلة متحقّقة لا یمکن التکلیف الفعلیّ باستقبالها، وفعلیّة الموضوع فیما نحن فیه تتوقّف علی فعلیّة الحکم، فما لم یکن أمر فعلیّ لا یمکن قصده، فإذا کانت فعلیّة الحکم ممتنعة یصیر التکلیف ممتنعاً بالغیر؛ ضرورة أنّ التکلیف إنّما هو بلحاظ صیرورته فعلیّاً لیعمل به المکلّف.
وفیه: ـ بعد ما عرفت ـ أنّ إنشاء التکلیف علی الموضوع المقیّد لایتوقّف إلاّ علی تصوُّره، فإذا أنشأ التکلیف کذلک یصیر فی الآن المتأخّر فعلیّاً؛ لأنّ فعلیّته تتوقّف علی الأمر الحاصل بنفس الإنشاء.
وبعبارة اُخری: أنّ فعلیّة التکلیف متأخّرة عن الإنشاء رتبةً، وفی رتبة الإنشاء یتحقّق الموقوف علیه.
بل لنا أن نقول: إنّ فعلیّة التکلیف لا تتوقّف علی فعلیّة الموضوع توقُّفَ المعلول علی علّته، بل لابدّ فی حال فعلیّة الحکم من فعلیّة الموضوع، ولو صار فعلیّاً بنفس فعلیّة الحکم؛ لأنّ الممتنع هوالتکلیف الفعلیّ بشیء لم یکن
[[page 265]]
متحقِّقاً بالفعل، وأمّا التکلیف الفعلیّ بشیء یصیر فعلیّاً بنفس فعلیّة التکلیف، فلم یقم دلیل علی امتناعه.
وممّا ذکرنا یظهر الجواب عمّا قیل: إنّ الأمر یتوقّف علی قدرة المکلّف، وهی فی المقام تتوقّف علی الأمر؛ لأنّ الأمر یتوقّف علی قدرة العبد فی مقام الامتثال، وفی مقامه یکون الأمر متحقّقاً.
ومنها: أنّ امتثال الأمر الکذائی محال، فالتکلیف محال لأجله.
بیان الاستحالة: أنّ الأمر لایدعو إلاّ إلی متعلّقه، والمتعلّق هاهنا هو الشیء المقیّد بقصد الأمر، فنفس الصلاة ـ مثلاً ـ لا تکون مأموراً بها حتّی یقصد المأمور امتثال أمرها، والدعوة إلی امتثال المقیّد محال؛ للزوم کون الأمر داعیاً إلی داعویّة نفسه ومحرّکاً لمحرِّکیّة نفسه، وهو تقدّم الشیء علی نفسه برتبتین، وعلّیّة الشیء لعلّة نفسه.
وفیه: ـ بعد ما عرفت أنّ تصوّر هذا الموضوع المقیّد قبل تحقّقه بمکان من الإمکان، وإنشاء الأمر وإیقاعه علیه کذلک ممکن ـ أنّ الأوامر الصادرة من الموالی لیس لها شأن إلاّ إیقاعَ البعث وإنشاءَه، ولیس معنی محرِّکیّة الأمر وباعثیّته إلاّ المحرِّکیّة الإیقاعیّة والإنشائیّة، من غیر أن یکون له تأثیر فی بعث المکلّف تکویناً، فما یکون محرِّکاً له هو إرادته الناشئة عن إدراک لزوم إطاعة المولی، الناشئ من الخوف أو الطمع أو شکر نعمائه أو المعرفة بمقامه إلی
[[page 266]] غیر ذلک، فالأمر محقِّق موضوع الطاعة لا المحرّک تکویناً.
فحینئذٍ نقول: إن اُرید من کون الأمر محرّکاً إلی محرّکیّة نفسه: أنّ الإنشاء علی هذا الأمر المقیّد موجب لدلک، فهو ممنوع؛ ضرورة جواز الإیقاع علیه کما اعترف به المستشکل.
وإن اُرید منه: أ نّه یلزم أن یکون الأمر المحرّک للمکلّف تکویناً محرّکاً إلی محرّکیّة نفسه کذلک، فهو ممنوع أیضاً؛ لأنّ الأمر لا یکون محرِّکاً أصلاً، بل لیس له شأن إلاّ إنشاء البعث علی موضوع خاصّ، فإن کان العبد مطیعاً للمولی لحصول أحد المبادئ المتقدّمة فی نفسه، ورأی أنّ إطاعته لاتتحقّق إلاّ بإتیان الصلاة المتقیّدة، فلا محالة یأتی بها کذلک، وهو أمر ممکن.
وأمّا حدیث عدم أمر للصلاة حتّی یقصد امتثاله، فجوابه یظهر بعد العلم بکیفیّة دعوة الأمر إلی المتعلّقات المرکّبة أو المقیّدة، فنقول:
لا إشکال فی أنّ المرکّبات المتعلَّقة للأوامر کالصلاة ـ مثلاً ـ موضوعات وحدانیّة ولو فی الاعتبار، ولها أمر واحد من غیر أن ینحلّ إلی أوامر عدیدة، لا فی الموضوعات المرکّبة ولا فی المقیّدة، فلا فرق بینهما وبین الموضوعات البسیطة فی ناحیة الأمر.
فالأمر بعث وحدانیّ سواء تعلّق بالمرکّب أو البسیط، فلا ینحلّ الأمر إلی أوامر، ولا الإرادة إلی إرادات کثیرة، فالانحلال فی ناحیة الموضوع، لکن الموضوع المرکّب لما کان تحقّقه بإیجاد الأجزاء، یکون الإتیان بکلّ جزء جزء بعین الدعوة إلی الکلّ، والأجزاء مبعوث إلیها بعین البعث إلی المرکّب، فکلّ
[[page 267]]
جزء یأتی به المکلّف امتثال للأمر المتعلّق بالمرکّب.
فإذا قال المولی لعبده: «ابنِ مسجداً»، وشرع فی بنائه، لا یکون المأمور به إلاّ واحداً والامتثال کذلک، لکن کیفیّة امتثاله بإیجاد أجزائه، فلا تکون الأجزاء غیر مدعوّ إلیها رأساً، ولا مدعواً إلیها بدعوة خاصّة بها؛ بحیث تکون الدعوة منحلّة إلی الدعوات، بل ما یکون مطابقاً للبرهان والوجدان أ نّها مدعوّ إلیها بعین دعوة المرکّب، فالأمر واحد والمتعلّق واحد.
فحینئذٍ نقول: إنّ الصلاة المتقیّدة بقصد الامتثال متعلَّقة للأمر، فنفس الصلاة المأتیّ بها إنّما تکون مدعوّاً إلیها بعین دعوة الأمر المتعلِّق بالمقیَّد، لابأمر متعلّق بنفسها، وهذا کافٍ فی تحقّق الإطاعة، فإذا علم العبد أنّ الأمر متعلّق بالصلاة بداعی امتثال أمرها، ویری أنّ الإتیان بها بداعویّة ذلک الأمر موجب لتحقّق المأمور به بجمیع قیوده، فلا محالة یأتی بها کذلک، ویکون ممتثلاً لدی العقلاء.
بل لنا أن نقول ـ بعد المقدّمة المتقدّمة ـ: إنّ الأمر لو کان محرِّکاً وباعثاً وداعیاً بحسب الواقع والتکوین، لا یکون تعلّقه بالموضوع الکذائی ممتنعاً؛ لأنّ محرّکیّته إلی نفس الصلاة غیر ممتنعة، و إلی قیدها وإن کانت ممتنعة لکن لایحرّک إلیه، ولا یحتاج إلی التحریک إلیه؛ لأنّ التحریک إلی نفس الصلاة بداعی امتثال الأمر المتعلّق بالمرکّب یکفی فی تحقّق المتعلَّق، بل التحریک إلی القید لغو بعد ما یکون حاصلاً، بل تحصیل للحاصل.
وممّا ذکرنا یظهر النظر فی کلام بعض محقّقی العصر فی مقام الجواب؛
[[page 268]]
من دعوی انحلال الأمر إلی أوامر بعضها موضوع لبعض.
فی تصحیح أخذ قصد الأمر بأمرین:
بقی شیء: وهو أ نّه علی فرض امتناع تعلّق الأمر بموضوع کذائیّ، هل یمکن تصحیحه بأمرین: تعلّق أحدهما بنفس الطبیعة، والآخر بإتیانها بداعی الأمر بها؟
قد استشکل المحقّق الخراسانیّ رحمه اللّٰه: ـ مضافاً إلی القطع بأ نّه لیس فی العبادات إلاّ أمر واحد کغیرها ـ بأنّ الأمر الأوّل إن یسقط بمجرّد موافقته ولو لم یقصد الامتثال، فلا یبقی مجال لموافقة الثانی مع موافقة الأوّل، فلا یتوسّل الآمر إلی غرضه بهذه الوسیلة، وإن لم یسقط فلا یکون إلاّ لعدم حصول الغرض، ومعه لایحتاج إلی الثانی؛ لاستقلال العقل بوجوب الموافقة بما یحصل به الغرض.
وفیه أوّلاً: أنّ دعوی القطع بعدم الأمرین بهذا النحو ممنوعة، بل لولا محذور عقلیّ یکون مدّعی القطع بخلافه غیر مجازف؛ ضرورة أنّ ألفاظ العبادات موضوعة لمعنیً غیر مقیّد بشرائط آتیة من قِبَل الأمر، کما مرّ فی الصحیح والأعمّ، فحینئذٍ لاتکفی الأوامر المتعلّقة بنفس الطبائع
[[page 269]]
لإفادة مثل هذا القید ولو قلنا بجواز أخذه فی المتعلّق، فلابدّ للمولی لإفادته: إمّا من بیان متّصل لو جاز، والمفروض عدم الجواز، بل مع جوازه لیس منه فی الأوامر المتعلّقة بالطبائع عین ولا أثر.
[وإمّا من بیان منفصل، وقد] قام الإجماع بل الضرورة علی لزوم قصد التقرّب أو الأمر أو نحو ذلک فی العبادات، وهو یکشف عن أمر آخر لولا المحذور، ومعه لابدّ من التشبّث بشیء آخر.
وثانیاً: ـ بعد القطع بأنّ الأمر الأوّل لایسقط بمجرّد الإتیان؛ لقیام الإجماع والضرورة علی عدم صحّة العبادات بلا قصد أمرٍ أو تقرّب أو نحو ذلک، وصحّتها مع قصده ـ أنّ هذا الإجماع وتلک الضرورة کاشفان عن تقیُّد الطبائع بمثل هذا القید، ومع فرض عدم إمکان الأخذ فی موضوع الأمر المتعلّق بها یُعلم أنّ ذلک کان بأمر آخر وبیان مستقلّ، ولولا هذا الإجماع والضرورة لکنّا شاکّین فی اعتبار مثل قصد الامتثال، ومعه کان علی المولی بیان ما هو دخیل فی غرضه وموضوع حکمه.
إن قلت: إنّ العقل یستقلّ بالاشتغال، ومعه لامجال لأمرٍ مولویّ.
قلت: ـ مضافاً إلی جریان البراءة فی المورد کما سیأتی بیانه ـ إنّ حکم العقل بالاشتغال لم یکن ضروریّاً؛ وإلاّ لما اختلفت فیه الأنظار والآراء، ومعه یبقی للمولی مجال التعبّد والمولویّة ولو لردعِ القائلین بالبراءة.
وثالثاً: أنّ قوله: إنّ المولی لا یتوسّل لغرضه بهذه الوسیلة.
[[page 270]]
مدفوع: بأنّ ترک الأمر الثانی ولو برفع موضوعه موجب للعقوبة، فیحکم العقل بلزوم إطاعته، ولیس للمولی وسیلة للتوصّل إلی أغراضه إلاّ الأمر والإیعاد بالعقاب علی ترکه. هذا.
إشکال ودفع:
وفی المقام إشکال آخر:
وهو أ نّه ـ بعد فرض کون الطبیعة مع قید قصد الامتثال قامت بها المصلحة، وکان المقیّد بما هو مقیّد محصِّل الغرض ـ لا یمکن أن تتعلّق الإرادة بالمجرّد عن القید ثبوتاً ولا البعث الحقیقیّ إلیه، فلا یمکن أن یکون الأمر المتعلّق بنفس الطبیعة الخالیة عن القید صالحاً للباعثیّة، ومعه کیف یمکن الأمر بإتیانها بباعثیّة الأمر وداعویّته؟!
وبالجملة: مالا یمکن أن یکون باعثاً کیف یمکن الأمر بباعتیّته؟! والمفروض أنّ المجرّد عن القید لم تقم به المصلحة، ولا یسقط به الغرض، فلا تتعلّق به الإرادة، ولا یتعلّق به البعث الحقیقیّ، فلا یمکن أن یأمر المولی بإتیانه بداعی أمره.
هذا، مضافاً إلی أ نّه لو فرض جواز تعلُّق الأمر به، لم یکن قصد الأمر الصُّوریّ ـ الذی لا یترتّب علیه غرض، ولایکون متعلّقه ذا مصلحةٍ وحُسنٍ ـ مقرِّباً، فقصده مع عدمه سواء، فلا یصل المولی إلی مطلوبه بهذه الوسیلة.
[[page 271]]
والجواب عنه: أنّ الممتنع هو تعلُّق الإرادة والبعث بالمجرّد عن القید مع الاکتفاء به، وأمّا مع إرادة إفهام القید بدلیل آخر فلا، فکما یجوز للآمر الذی تعلّق غرضه بإتیان مرکّب أو مقیّد أن یأمر بهما، یجوز له أن یأمر بالأجزاء واحداً بعد واحد مع إفهام أنّ الغرض متعلّق بالمرکّب، وأن یأمر بالخالی عن القید ویأمر بالقید مستقلاً، وهذا ممّا لا محذور فیه لاسیّما فی المقام الذی لا یمکن غیر ذلک فرضاً.
وأمّا عدم مقرّبیّة قصد الأمر المتعلّق بالمجرّد عن القید، فهو ـ أیضاً ـ ممنوع فیما نحن فیه؛ ضرورة أنّ تمام المحصّل للغرض هو الصلاة مع قصد أمرها. نعم فی الأجزاء والقیود التی لم تکن بتلک المثابة، لا یمکن قصد أمرها فقط، ولا یکون قصده مقرِّباً، لا فی مثل المقام الذی یکون قصد الأمر قیداً متمِّماً للغرض.
تتمیم: فی الإتیان بالفعل بداعی المصلحة:
هذا کلّه لو قلنا بأنّ المعتبر فی العبادات هو قصد الأمر، وأمّا لو قلنا بأنّ المعتبر فیها هو إتیان الفعل بداعی المصلحة أو الحُسن أو المحبوبیّة، فقد ذهب المحقّق الخراسانی إلی أنّ أخذها بمکان من الإمکان، لکنّها غیر مأخوذة قطعاً؛ لکفایة الاقتصار علی قصد الامتثال.
مع أنّ فیه ـ أیضاً ـ نظیر بعض الإشکالات المتقدّمة؛ فإنّ داعویّة
[[page 272]]
المصلحة ـ مثلاً ـ لمّا کانت مأخوذة فی المأمور به، تصیر الداعویّة متوقّفة علی نفسها، وداعیة إلی داعویّة نفسها؛ لأنّ الفعل لایکون بنفسه ذا مصلحة حتّی یکون بنفسه داعیاً إلی الإتیان، بل بقید داعویّتها، فلا بدّ أن یکون الفعل مع هذا القید ـ القائم بهما المصلحة ـ داعیاً إلی الإتیان، وهذا عین الإشکال المتقدّم.
وأیضاً لمّا کانت المصلحة قائمة بالمقیّد یکون الفعل غیر ذی المصلحة، فلا یمکن قصدها إلاّ علی وجه دائر؛ لأنّ قصد المصلحة یتوقف علیها، وهی تتوقّف علی قصدها فرضاً.
وأیضاً أنّ الداعی مطلقاً فی سلسلة علل الإرادة التکوینیّة، فلو اُخذ فی العمل الذی فی سلسلة المعالیل لزم أن یکون الشیء علّة لعلّة نفسه، فإذا امتنع تعلّق الإرادة التکوینیّة امتنع تعلّق التشریعیّة؛ لأ نّها فرع إمکان الأولی.
ویمکن [دفع] الأوّل ببعض ما ذکرنا فی [دفع] الإشکال فی قصد الأمر.
مضافاً إلی أن یقال: إنّ للصلاة مصلحة بنحو الجزء الموضوعیّ، ولمّا رأی المکلّف أنّ قصدها متمّم للمصلحة فلا محالة یصیر داعیاً إلی إتیانها بداعی المصلحة، من غیر لزوم کون الداعی داعیاً.
وبهذا یُجاب عن الإشکال الثانی ویقطع الدور، فإنّ قصد المصلحة ـ التی
[[page 273]]
هی جزء الموضوع ـ یتوقّف علیها، وهی لاتتوقّف علی القصد، ولمّا رأی المکلّف أنّ هذا القصد موجب لتمامیّة الموضوع حصول الغرض، فلا محالة یدعوه ذلک إلی القصد إلی الفعل، نعم لا یمکن قصد تلک المصلحة مجرّدة ومنفکّة عن الجزء المُتمّ، وفیما نحن فیه لا یمکن التفکیک بینهما.
وأمّا الجواب عن الثالث: فبمثل ما سبق، من أنّ الداعی والمحرّک إلی إتیان المأمور به بعض المبادئ الموجودة فی نفس المکلّف، کالحبّ والخوف والطمع، وتصیر هذه المبادئ داعیة إلی إطاعة المولی بأیّ نحوٍ أمَرَ وشاء.
فإذا أمر باتیان الصلاة بداعی المصلحة تصیر تلک المبادئ المتقدّمة داعیة إلی إتیانها بداعی المصلحة من غیر لزوم تأثیر الشیء فی علّته، ألا تری أ نّک إذا أحببتَ شخصاً حبّاً شدیداً، فأمرک بإتیان شیء مبغوض أن تأتی به لأجله، صارت تلک المحبّة داعیة إلی إتیانه بداعی إطاعته وطلباً لمرضاته من غیر لزوم الد ور.
الثالث: فی مقتضی الأصل فی المقام:
بعد ما عرفت جواز أخذ جمیع القیود فی المأمور به، یُرفع الشکّ فیها بإطلاق الدلیل، ومقتضاه کون الأصل هو التوصّلیّة.
فإن قلت: لا یمکن التمسُّک بالإطلاق هاهنا؛ لأنّ دعوة الأمر إلی متعلّقه
[[page 274]]
من شؤونه ولوازمه التی لا تنفکّ عنه، وهو واضح، ولا عن متعلّقه؛ لأنّ الداعی إلی الأمر بالشیء هو جعل الداعی إلی الإتیان به، فمَتعلّق الأمر هو طبیعة الفعل التی جعل المولی داعیاً للعبد إلی الإتیان بها، لا مطلق طبیعته، ومعه کیف یتصوّر إمکان الإطلاق فی متعلّق الأمر لیتمسّک بإطلاق الخطاب فی مورد الشک؟!
قلت: لا شکّ فی أنّ دعوة الأمر لا تنفکّ عن الأمر ولا عن متعلَّقه، کان الأمر توصُّلیّاً أو تعبُّدیّاً، لکن الکلام فی أنّ هذه الدعوة هل تعلّقت بذات العمل، أو مع قید الدعوة؛ حتّی یکون القید مأخوذاً فی المتعلّق قبل تعلّق الدعوة، لا جائیاً من قبلها ومنتزعاً من المتعلّق بعد تعلّقها به؛ ضرورة أنّ ما جاء من قِبلها لا یکون مدعواً إلیه ولا العبد مأخوذاً بإتیانه.
وبالجملة: أنّ البعث تعلّق بنفس الطبیعة بلا قید، وهذا معنی الإطلاق المقابل للتقیید فی المتعلّق، وأمّا القید الجائی من قِبَل البعث فلا یکون مقابلاً للإطلاق فیه، وهذا واضح جدّاً.
فی کلام شیخنا العلاّمة أعلی اللّٰه مقامه:
ثمّ إنّ شیخنا العلاّمة ـ رحمه اللّٰه ـ قد رجع فی أواخر عمره الشریف إلی أصالة التعبّدیّة، قائلاً: إنّ العلل التشریعیّة کالعلل التکوینیّة طابق النعل
[[page 275]]
بالنعل، فکلّ ماهو من مقتَضَیات الاُولی یکون من مقتَضَیات الثانیة، کتکثّر المعلول بتکثّر العلّة، وکعدم انفکاک المعلول عنها، وغیر ذلک.
وإنّ من القیود اللُّبیّة ما یمکن أن یؤخذ فی المأمور به علی نحو القیدیّة اللِّحاظیّة کالإیمان والکفر فی الرقبة.
ومنها مالا یمکن کقید الإیصال فی المقدّمة علی تقدیر وجوبها، فإنّ المطلقة غیر واجبة والمقیّدة غیر ممکنة الوجوب، فالواجب مالیس بمطلق ولا مقیّد وإن لا ینطبق إلاّ علی المقیّد. وکالعلل التکوینیّة؛ فإنّ تأثیرها لیس فی الماهیّة المطلقة ولا المقیّدة بقید المتأ ثّرة من قِبلها، فإنّه ممتنع، بل یکون فی الماهیّة التی لاتنطبق إلاّ علی المقیّد بهذا القید، فالنار إنّما تؤثّر فی الطبیعة المحترقة من قِبلها واقعاً، لا المطلقة ولا المقیّدة.
وکذا العلل التشریعیّة، فإنّ الأوامر تحرِّک المکلَّف نحو الطبیعة التی لا تنطبق إلاّ علی المتقیّدة لُبّاً بتحریکها إیّاه نحوها، لا نحو المطلقة ولا المقیّدة بالتقیید اللحاظیّ. فإذا أتی المکلّف بالطبیعة من غیر داعویّة الأمر لا یکون آتیاً بالمأمور به؛ لأنّ المأمور به هو مالاینطبق إلاّ علی المقیّد بداعویّة الأمر وباعثیّته وإن کان آتیاً بالطبیعة؛ لأ نّها قابلة للتکثُّر، فعلیه یکون مقتضی الأصل اللفظیّ هو التعبّدیّة. انتهی ملخّص ما أفاد رحمه اللّٰه.
وفیه أوّلاً: أنّ قیاس علل التشریع بالتکوین مع الفارق؛ لأنّ المعلول فی العلل التکوینیّة لا شیئیّة له ولاتشخُّص قبل تأثیر علّته، فبعلّته یصیر موجوداً متشخّصاً، وأمّا المبعوث إلیه فی الأوامر فتکون رتبته مقدّمة علی
[[page 276]] الأمر، فلا بدّ للآمر من تصوّر المتعلّق بکلّیة قیوده حتّی یأمر به، فإذا أمر بنفس الطبیعة بلا قید تکون هی المأمور بها لا غیر، والقیود المنتزعة من تعلّق الأمر بها لا تکون مأموراً بها ومبعوثاً إلیها، إلاّ أن تؤخذ فی المتعلّق کسائر القیود.
وبالجملة: أنّ الأمر التعبّدیّ ـ بعد اشتراکه مع التوصّلیّ فی أنّ کلّ واحد منهما إذا تعلّق بشیء ینتزع منه بلحاظه عنوان المأمور به والمبعوث إلیه ـ یفترق عنه بأنّ المطلوب منه والمبعوث إلیه فیه لم یکن الطبیعة، بل هی مع قصد الأمر أو التقرّب أو نحوهما، فلابدّ أن یکون مثل تلک القیود مورداً للبعث والتحریک، ولا یکون کذلک إلاّ بأخذه فی المتعلّق، وإلاّ فصِرف الأمر بالطبیعة لا یمکن أن یکون محرِّکاً إلی غیرها.
وثانیاً: لقائل أن یقول: إنّه علی فرض تسلیم کون التشریع کالتکوین لایلزم منه ماذکره؛ لأنّ النار المُحرقة للقُطن ـ مثلاً ـ إنّما تُحرق نفس الطبیعة، لاما لاینطبق إلاّ علی المقیّد. نعم، بتعلّق الإحراق [بها] تصیر الطبیعة موصوفة بوصف لایمکن [لأجله] أن تنطبق إلاّ علی المقیّد، لکن هذا القید والوصف بعد الإحراق رتبةً وبعلّیته، ولایمکن أن یصیر موجباً لضیق الطبیعة المتعلَّقة للإحراق.
وبما ذکرنا من عدم صحّة قیاس علل التشریع بالتکوین، یظهر حال بقیّة استنتاجاته منه، کاستفادة الفوریّة من الأمر، و عدم تداخل الأسباب،
[[page 277]]
کما حقّقنا فی محلّه.
الرابع: فی تحریر الأصل العملیّ:
لا إشکال فی جریان البراءة فی المقام بناءً علی جریانها فی الأقلّ والأکثر مع جواز أخذ القیود فی المأمور به، وأمّا مع امتناعه فقد یُفرَّق بینهما بأنّ هناک رَجَع الشکّ إلی مقام الثبوت؛ للشکّ فی تعلّق الأمر بالأکثر، وفی المقام إلی مقام السقوط، للعلم بتعلّقه بالمجرّد عن القید، وإنّما الشکّ فی سقوطه مع الإتیان بلاقصد الأمر أو نحوه؛ لأنّ الشکّ فی الخروج عن عهدة التکلیف.
وإن شئت قلت: إنّ تحصیل الغرض مبدأ للأمر، فإذا عُلم أصل الغرض وشکّ فی حصول للشکّ فی کون المأتیّ به مُسقِطاً أو مع قید التعبدیّة، فلامحالة یجب القطع بتحصیل الغرض بإتیان جمیع ماله دخل ولو احتمالاً فی تحصیله.
وفیه: أ نّه ـ علی فرض تمامیّته ـ من أدلّة الاشتغال فی الأقلّ والأکثر، لا الفارق بینه وبین المقام؛ لأنّ القائل بالاشتغال هناک یدّعی أنّ الأمر بالأقلّ معلوم ونشکّ فی سقوطه لأجل ارتباطیّة الأجزاء، أو أنّ الغرض المستکشف من الأمر معلوم و نشکّ فی سقوطه باتیان الأقلّ، فیجب الإتیان
[[page 278]]
بکلّ ما احتُمل دَخلُه فی الغرض.
هذا، مع أنّ الدلیل غیر تامّ؛ فإنّا لانفهم من سقوط الأمر شیئاً إلاّ الإتیان بمفاده علی ماهو علیه.
وبعبارة اُخری: أنّ الأمر حجّة علی العبد فیما یبعثه إلیه، ولایعقل أن یکون حجّة علی الزائد علی المبعوث إلیه، فمع الإتیان بجمیع قیوده المأخوذة فیه لایُعقل بقاؤه علی صفة الحجّیة والدعوة، ویکون العقاب علی غیر المأمور به وما قام علیه الحجّة عقاباً بلا بیان وقبیحاً عند العقلاء، ومجرّد احتمال الغرض لایصیر حجّة علی الواقع الغیر المبعوث إلیه.
مع أنّ مجرّد عدم إمکان تقیید المأمور به لایوجب عدم إمکان البیان مستقلاً، فلو توقّف حصول غرض المولی علی أمرٍ وراء المأمور به فعلیه البیان. هذا حال البراءة العقلیّة.
وأمّا النقلیّة: فتارةً یفرض الکلام فیما إذا جاز تقیید المأمور به بالقیود الآتیة من قِبَل الأمر، واُخری فیما إذا جاز البیان بأمر آخر فقط، وثالثةً فیما لایجوز مطلقاً، وعلی أیّ حال: تارةً یفرض مع القول بجریان البراءة العقلیّة، واُخری مع القول بالاشتغال.
والحقّ جریانها فی جمیع الصور.
وقد یقال: بعدم الجریان مطلقاً بناءً علی القول بالاشتغال، وفیما
[[page 279]]
لایمکن أخذ القید فی المأمور به ولو بأمرآخر حتّی بناءً علی البراءة.
أمّا عدم الجریان علی الاشتغال حتّی فیما یمکن الأخذ فی المأمور به بأمر واحد؛ فلقصور أدلّة البراءة عن شمول مثل المورد، فإنّ ملاک البراءة النقلیّة هو کون الأمر المشکوک فیه إذا لم یُبیّنه المولی کان ناقضاً لغرضه، والمورد لیس کذلک؛ فإنّ القید المزبور ـ علی فرض دخالته ـ یجوز للمولی الاتّکال فیه علی حکم العقل بالاشتغال، ولایوجب عدم البیان نقض الغرض، وإذا کان کذلک لایکون مجریً للبراءة.
ولیس المدّعی أنّ حکم العقل بالاحتیاط بیان نافٍ لموضوع البراءة حتّی یستشکل بلزوم الدور، بل المدّعی قصور أدلّة البراءة عن مثل المورد.
وأمّا فیما یمکن البیان بأمر آخر فقط؛ فلأنّ جریان البراءة لایثبت أنّ متعلّق الأمر الأوّل تمام المأمور به إلاّ علی الأصل المثبت، بخلاف ما إذا قلنا بإمکان أخذ القید فی متعلّق الأمر الأوّل، فإنّ الشکّ یرجع إلی انبساط الأمر علی الجزء أو القید المشکوک فیه، فمع جریان البراءة یکون بنظر العرف باقی الأجزاء تمام المأمور به، فیکون من قبیل خفاء الواسطة.
وأمّا مع عدم إمکان الأخذ مطلقاًج فلأنّ جریان مثل دلیل الرفع موقوف علی کون المشکوک فیه قابلاً للوضع والرفع شرعاً، ومع عدم جواز الأخذ لایمکن الوضع فلایمکن الرفع، ودخالته فی الغرض واقعیّة تکوینیّة غیر قابلة للوضع والرفع التشریعیّین.
وأمّا الأجزاء والقیود القابلة للأخذ فیه، فهی وإن کانت دخالتها فی
[[page 280]]
تحصیل الغرض واقعیّة، لکنّها لمّا کانت قابلة لهما فبدلیل الرفع ـ ولو کان أصلاً ـ یُکشف عن أ نّه لیس هناک أمر فعلیّ متعلّق بالمشکوک فیه.
والجواب عن الأوّل: أنّ هذه الدعوی ترجع إلی انصراف الأدلّة عن موردٍ یکون العقل فیه حاکماً بالاشتغال، وهو ممنوع جدّاً، بل لو ادُّعی عکس ذلک فله وجه؛ لأنّ ظاهر الأدلّة هو المولویّة، ومع حکم العقل بالبراءة تصیر من قبیل الإرشاد إلی حکم العقل، فمورد حکم العقل بالاشتغال کأ نّه القدر المتیقّن لشممول الأدلة، فدعوی کون ملاک الأدلّة النقلیّة فی غیر مورده غریبة.
وعن الثانی: أوّلاً: أ نّه لامُلزم لإثبات کون البقیّة تمامَ المأمور به أو تمام المطلوب؛ حتّی یقال: إنّه لایثبت إلاّ بالأصل المثبِت، فإنّ عنوان «تمام المطلوب» لایکون مأموراً به؛ حتّی یلزم علی المکلّف إحرازه، ولیس علیه إلاّ الإتیان بما قام علیه الحجّة، وهو بقیّة الأجزاء، کاشا تمام المطلوب أو لا.
وثانیاً: أنّ رفع الجزء المشکوک فیه ملازم عقلاً لکون البقیّة تمام المطلوب، وهذا عین الأصل المُثبت، من غیر فرق بین وحدة الأمر وتعدّده.
وثالثاً: أنّ مفاد الأمر الثانی لیس أمراً مستقلاً، بل هو من قبیل تتمیم الجعل ناظراً إلی متعلّق الأمر الأوّل وموجباً لتقییده، فلو کانت الواسطة خفیّة لم یفرّق بینهما.
وعن الثالث: أنّ دخالة شیء فی تحصیل الغرض ثبوتاً، لامحالة تکون علی نحو [لوأمکن] بیانه إثباتاً فعلی المولی بیانه، وذلک کافٍ فی جریان دلیل الرفع،
[[page 281]]
فإنّ أمر وضعه بید الشارع، ودعوی عدم إمکان ذلک ـ أیضاً ـ کما تری.
المبحث الخامس فی أصالة النفسیة والعینیّة والتعیینیّة
إذا شکّ فی کون الوجوب نفسیاً تعیینیّاً عینیّاً أو مقابلاتها، فالظاهر لزوم الحمل علیها دون المقابلات؛ لأنّ أمرَ المولی وبعثه بأیّ دالٍّ کان ـ بلفظ أو إشارة أو غیرهما ـ تمامُ الموضوع عند العقلاء لوجوب الطاعة، ومعه یُقطع عذر المکلّف، کما مرّ فی باب دوران الأمر بین الوجوب والاستحباب.
فإنّ الهیئة وإن لم توضع إلاّ لمجرّد البعث والإغراء، وما ذکر ومقابلاتُه خارجة عن مدلولها، لکن مجرّد صدور الأمر عن المولی موضوع لوجوب الطاعة، فإذا تعلّق أمر بشیء یصیر حجّة علیه، فإذا عدل المکلّف إلی غیره باحتمال التخییریّة، أو ترکه مع إتیان الغیر باحتمال الکفائیّة، أو ترکه مع سقوط الوجوب عن غیره باحتمال الغیریّة، لایکون معذوراً لدی العقلاء، لا لدلالة الهیئة وضعاً علی شیء منها؛ ولهذا لوأشار المولی بإتیان شیء یجب عقلاً إتیانه، والأعذار المتقدّمة لیست موجَّهة، مع أ نّه لاوضع للإشارة.
وأمّا قضیّة مقدّمات الحکمة ـ مع إطلاق الأمر ـ ذلک، فمحلّ إشکال ومنع؛ لأنّ مقدّمات الحکمة لایمکن أن تُنتج هاهنا؛ لأ نّه إمّا أن یراد: أن تُنتج مطلق البعث الجامع بین النفسیّ والغیری... وهکذا، فمع کونه خلاف
[[page 282]]المقصود ممتنع؛ لعدم إمکان الجامع بین المعانی الحرفیّة کما سبق بیانه، هذا، مضافاً إلی القطع بعدم إرادة الجامع فی المقام.
أو تنتج الوجوب النفسیّ وأخواته ـ کما ذکر المحقّق الخراسانی ـ فلایمکن أیضاً؛ لأنّ النفسیّة متباینة مع الغیریّة؛ کلّ منهما یمتاز عن الآخر بقید وجودیّ أو عدمیّ، فالنفسیّ مایکون البعث إلیه لذاته أو لالغیره، والغیریّ بخلافه، ویحتاج کلاهما فی مقام التشریع والبیان إلی قید زائد ولو من باب زیادة الحدّ علی المحدود.
وما یقال: إنّ النفسیّة لیست إلاّ عدم کون الوجوب للغیر، وکذا البواقی، وعدمُ القرینة علی القیود الوجودیّة دلیل علی عدمها، وإلاّ لزم نقض الغرض، لا أنّ النفسیّة والغیریّة قیدان وجودیّان.
مدفوع؛ ضرورة امتناع کون النفسیّة عدم الغیریّة علی نعت السوالب المحصّلة الصادقة مع عدم الوجوب رأساً، مع أنّ الوجوب والوجود لایمکن أن یکونا نفس العدم، بل النفسیّة إمّا وجوب لذاته، أو لا لغیره علی نعت الموجبة المعدولة أو السالبة المحمول، فحینئذٍ کما أنّ الوجوب لغیره یحتاج إلی بیان زائد علی أصل الوجوب، کذلک الوجوب لالغیره.
مع أنّ التحقیق أنّ تعریفَ النفسیّ بالوجوب لالغیره تعریف بلازمه،
[[page 283]]
بل النفسیّة هو الوجوب لذاته والغیریّة لغیره، وهما قیدان وجودِیّان، وعلی أیّ حال لم یکن النفسیّ هو نفس الطبیعة والغیریّ هی مع قیدٍ، لا عقلاً، وهو واضح، ولاعرفاً؛ ضرورة أنّ تقسیم الوجوب إلی النفسیّ والغیریّ صحیح بحسب نظر العرف، وممّا ذکرنا یظهر النظر فیما قرّره بعض أعاظم العصر أیضاً.
المبحث السادس فی المرّة والتکرار
الحقّ عدم دلالة الأمر علی المرّة والتکرار، وقبل الخوض فی المطلوب نقدّم اُ موراً:
الأوّل: فی تحریر محلّ النزاع:
جعل فی الفصول محلّ النزاع فی الهیئة، استشهاداً بنصّ جماعة، وبحکایة السکّاکیّ الاتّفاق علی أنّ المصدر المجرّد من اللام والتنوین لایدلّ إلاّ علی الماهیّة من حیث هی.
[[page 284]]
واستشکل علیه المحقّق الخراسانیّ: بأنّ ذلک لایوجب کون النزاع فی الهیئة؛ ضرورة أنّ المصدر لیس مادّة لسائر المشتقّات.
وهذا الإشکال غیر وارد علیه؛ لأنّ مادّة المصدر عین مادّة المشتقّات، ولو لم یکن المصدر مادّة لها.
لکن یرد علی الفصول: بأنّ ذلک لایتمّ إلاّ إذا انضمّ إلیه الإجماع علی کون المصدر أصل المشتقّات، أو الإجماع علی أنّ مادّته مادّتها، و هو ممنوع؛ لوقوع الخلاف فی مادّة المشتقّات، و فی وضعها نوعاً و شخصاً.
ثمّ إنّ النزاع بحسب التصوّر یحتمل أن یکون فی الهیئة وفی المادّة؛ بأن یقال: إنّ مادّة الأمر موضوعة بوضع علی حِدَة، وفی المجموع بأن یقال: إنّ لمجموعهما وضعاً خاصّاً.
لکن النزاع فی الهیئة کأ نّه یرجع إلی النزاع فی أمر غیر معقول؛ لأنّ المادّة إذا کانت موضوعة للماهیّة: فإمّا أن یقال: إنّ الهیئة وضعت للبعث والإغراء، ولازم الإغراء إلی الماهیّة هو إیجادها، لا أ نّه مدلولها اللفظیّ، فالإغراء ات إلی الماهیّة اللابشرط لایمکن أن تکون تأسیسیة؛ لما عرفت سابقاً: أنّ متعلّق الإرادة والبعث إذا لم یکن متعدّداً لایمکن أن تتعدّد الإرادة والبعث التأسیسیان إلیه؛ لأنّ الشیء الواحد لایمکن أن یکون مراداً ومشتاقاً إلیه مرّتین،
[[page 285]]
فکثرة الإرادة والحبّ والاشتیاق تابعة لکثرة المتعلّق، وکذا لایمکن تعدّد البعث التأسیسیّ إلی شیء واحد، ومعه یکون النزاع فی الهیئة هو النزاع فی أمرٍ غیر معقول.
نعم بناءً علی ما أفاده شیخنا العلاّمة أعلی اللّٰه مقامه ـ من أنّ علّة التشریع کالتکوین یکون المعلول فی وحدته وکثرته تابعاً لها ـ یکون للنزاع فیها مجال، لکن قد عرفت عدم کونه مرضیّاً.
وإمّا أن یقال: إنّها وُضعت لطلب الإیجاد؛ بحیث یکون الإیجاد بالمعنی الحرفیّ مفادها اللغویّ، فحینئذٍ وإن جاز النزاع فی أ نّها وضعت لطلب إیجاد أو إیجادات، لکن الوضع للعنوان المقیّد موجب لاسمیّة معنی الهیئة، وتقیید المعنی الحرفیّ فی استعمال واحد ممّا لایمکن، فإنّ نفس الإیجاد معنیً حرفیّ، وتقییده لایمکن إلاّ بلحاظ آخر، والجمع بینهما فی استعمال واحد غیر جائز.
وما ذکرنا فی باب معانی الحروف ـ من أنّ نوع الاستعمالات لإفادة معانی الحروف، وجوّزنا تقییدها ـ لاینافی ماذکرنا هاهنا؛ لأنّ المقصود هناک إمکان تقییدها فی ضمن الکلام بلحاظ آخر، فلاتغفل. فالنزاع فی الهیئة ممّا لامجال له.
إلاّ أن یقال: إنّ الهیئة یمکن أن توضع لطلب إیجادات بالمعنی الحرفیّ،
[[page 286]]
لا للإیجاد المتقیّد بالمرّة والتکرار، فکما یجوز استعمال الحرف فی أکثر من معنیً یجوز وضع الحرف للکثرة واستعماله فیها.
ولکنّه علی فرض إمکانه العقلیّ مقطوع الخلاف.
فلابدّ وأن یرجع النزاع إلی المادّة؛ بدعوی أنّ مادّة الأمر موضوعة مستقلّةً إمّا للدفعة أو الدفعات. أو یقال: إنّ المادّة والهیئة موضوعتان مستقلاً بحیث یرجع القید إلی الجزء المادّی لا الصوری.
الثانی: فی معنی المرّة والتکرار فی المقام:
هل المراد من المرّة والتکرار الدفعة والدفعات، أو الفرد والأفراد؟ لایبعد أن یکون محلّ النزاع هو الثانی؛ نظراً إلی أنّ هذا النزاع نشأ ظاهراً من النظر إلی اختلاف أحکام الشریعة، فإنّ منها مایتکرّر کالصوم والصلاة، ومنها مالایتکرّر کالحجّ، فصار موجباً لاختلاف الأنظار، ومعلوم أ نّه لیس فی الأحکام مایکون للدفعة والدفعات، وعلی أیّ حال یمکن النزاع علی کلا المعنیین.
واختار صاحب الفصول کونه فی المعنی الأوّل؛ نظراً إلی ظاهر اللفظ، وأ نّهم لو أرادوا بالمرّة الفرد لکان الأنسب أن یجعل هذا البحث تتمّة للبحث الآتی من أنّ الأمر هل یتعلّق بالطبیعة أو الفرد، فیقال: وعلی تقدیر تعلّقه بالفرد هل یقتضی تعلّقه بالفرد الواحد أو المتعدّد؟ ولم یحتج إلی إفراد کلّ منهما کما فعلوه، وأمّا علی الدفعة فلا علاقة
[[page 287]]
بین المسألتین.
وردّ: بأنّ الأمر إذا تعلّق بالطبیعة أیضاً یأتی فیه هذا النزاع بالمعنیین؛ لأنّ القائل بأنّ الأمر تعلّق بالطبیعة لایقول: إنّه تعلّق بالماهیّة من حیث هی، بل بما هی موجودة، وبهذا الاعتبار کانت مردّدة بین المرّة والتکرار بکلا المعنیین، فلایکون هذا البحث من تتمّة البحث الآتی، بل بحث برأسه؛ لاختلاف الجهة المبحوث عنها فیهما.
والتحقیق أن یقال: بناءً علی تعلُّق الأمر بالطبیعة: فإن قلنا بأنّ الهیئة موضوعة لطلب الإیجاد ـ کما علیه الفصول ـ فلا محیص عن کون متعلّقه هو الطبیعة من حیث هی؛ لأنّ الإیجاد اُخذ فی طرف الهیئة، فلو اُخذ الوجود فی طرف المادّة یصیر معنی الأمر بالصلاة: أوجِد وجود الصلاة، وهو کما تری، فحینئذٍ یکون النزاع فی استفادة المرّة والتکرار بالمعنیین راجعاً إلی الهیئة، فیأتی الإشکال المتقدّم فی الأمر الأوّل، فلابدّ من إرجاع البحث إلی المادّة تخلُّصاً عن الإشکال، فحینئذٍ لامجری للنزاع مع تعلّق الأمر بالطبیعة، سواء اُرید الفرد والأفراد أو الدفعة والدفعات؛ ضرورة أ نّها خارجة عن الطبیعة، وأمّا مع تعلّق الأمر بالفرد فللنزاع مجال.
وإن قلنا بأنّ الهیئة موضوعة للإغراء والبعث، ولازم الإغراء إلی الطبیعة
[[page 288]]
إیجادها؛ لأنّ الماهیّة من حیث هی لیست مطلوبة، لکن الإیجاد والوجود لم یکونا مدلول الهیئة ولا المادّة، بل من اللوازم العقلیّة لتعلّق البعث بالطبیعة، فحینئذٍ یکون النزاع بناءً علی تعلّق الأمر بالطبیعة فی أمر عقلیّ لالغویّ، وهو خلاف ظاهرهم، فلابدّ من إجراء النزاع علی فرض تعلُّق الأمر بالفرد لا الطبیعة حتّی یدفع الإشکال.
لکن بعد اللتیّا والتی لایصیر هذا البحث من تتمّة البحث الآتی بعد کون الجهة المبحوث عنها مختلفة.
الثالث: فی تعدّد الامتثال وعدمه:
قد یقال: بناءً علی دلالة الأمر علی طلب الطبیعة لوأتی المکلّف بعدّة أفراد معاً یکون امتثالات بعدد الأفراد؛ لأنّ الطبیعة متکثّرة بتکثُّرها، ولا یکون فردان أو أفراد منها موجودة بوجود واحد؛ لأنّ المجموع لیس له وجود غیر وجود الأفراد، فکلّ فرد محقّق الطبیعة، ولما کان المطلوب هو الطبیعة بلا تقیّد بالمرّة والتکرار لو أتی المکلّف بأفراد متعدّدة أوجد المطلوب یایجاد کلّ فرد، ویکون کلّ امتثالاً برأسه، کما هو موجود برأسه.
[[page 289]]
ونظیر ذلک الواجب الکفائیّ؛ حیث إنّ الأمر فیه متعلّق بِنفس الطبیعة، ویکون جمیع المکلّفین مأمورین بإتیانها، فمع إتیانِ واحدٍ منهم یسقط عن الباقی، وأمّا لوأتی عدّة منهم دفعة یکون کلّ ممتثلاً، وتحقَّقت امتثالات لا امتثال واحد من الجمیع.
وفیه: أنّ مناط وحدة الامتثال وکثرته بوحدة الطلب وکثرته ولو بالانحلال بوجه، فلو تعلّق أمر بإکرام کلّ فرد من العلماء، یکون إکرام کلّ فرد واجباً برأسه، وله امتثال برأسه.
وأمّا مع تعلّق الأمر بنفس الطبیعة متوجّهاً إلی مکلّف واحد، فلا یعقل أن یتکثّر الامتثال بتکثُّر الأفراد ولابتکثّر الطبیعة، فإنّ تکثُّرها لایوجب تکثُّر الطلب والوجوب ولو انحلالاً، فلایوجب تکثّر الامتثال؛ ولهذا لو ترک الطبیعة القابلة للکثرة لم یعاقب بعدد کثرة الأفراد، فلو تعلّق الطلب باکرام العالم بحیث لو أکرم واحداً منهم سقط الطلب، فترک العبد الإکرام مطلقاً، لم یکن له إلاّ عقاب واحد بالضرورة، ومعه کیف یمکن أن یکون له امتثالات مع الإتیان بإکرام عدّة منهم؟! فالامتثال فرع الطلب، کما أنّ العقوبة فرع ترک المطلوب، فلایمکن الامتثالات مع وحدة الطلب، ولا استحقاق عقوبة واحدة مع کثرته.
وممّا ذکرنا یظهر فارق قیاسه بالواجب الکفائیّ، فإنّ الطلب هناک ـ علی فرض کون الکفائیّ کما ذکرـ توجّه إلی کلّ مکلّف بإتیان الطبیعة، فکلّ
[[page 290]]
فرد ممتثل مع الإتیان دفعة ومعاقب مع الترک رأساً، ومع إتیان واحد منهم یسقط الطلب عن الباقی لرفعه موضوعه، فهناک طلبات کثیرة فامتثالات کثیرة، بخلاف ما نحن فیه، فلاتغفل.
إذا عرفت ذلک، فالحقّ عدم دلالة الأمر علی المرّة والتکرار؛ لأنّ المادّة موضوعة للماهیّة بلاشرط، والهیئة للإغراء والبعث، أو لطلب الوجود، أو الإیجاد، ولیس لهما وضع علی حِدَة، ولاقرائن عامّة تدلّ علی واحد منهما، کما لایخفی.
المبحث السابع فی الفور والتراخی
وبمثل ما ذکر فی المرّة یعلم أ نّه لا دلالة للأمر علی الفور والتراخی؛ إذ لیس مفاده إلاّ البعث إلی نفس الطبیعة ولازمه إیجادها، أو البعث إلی إیجادها، وأیّاً ما کان لا دلالة فیه علی أمر زائد علی ما ذکر.
فی استدلال العلاّمة الحائری علی الفوریّة:
لکن شیخنا العلاّمة ـ أعلی اللّٰه مقامه ـ کان یقایس الأوامر بالعلل التکوینیّة فی اقتضائها عدم انفکاک معالیلها عنها، قال فی کتاب الصلاة: إنّ الأمر المتعلّق بموضوع خاصّ غیر مقیّد بزمان، وإن لم یکن مدلوله اللفظیّ
[[page 291]]
ظاهراً فی الفور ولا فی التراخی، ولکن لایمکن التمسّک به للتراخی بواسطة الإطلاق، ولا التمسّک بالبراءة العقلیّة لنفی الفوریّة؛ لأ نّه یمکن أن یقال: بأنّ الفوریّة وإن کانت غیر ملحوظة للآمر قیداً للعمل، إلاّ أ نّها من لوازم الأمر المتعلّق به؛ فإنّ الأمر تحریک إلی العمل وعلّة تشریعیّة له، وکما أنّ العلّة التکوینیّة لا تنفکّ عن معلولها فی الخارج، کذلک العلّة التشریعیّة تقتضی عدم انفکاکها عن معلولها فی الخارج، وإن لم یلاحظ الآمر ترتّبه علی العلّة فی الخارج قیداً. انتهی.
أقول: العلّة التامّة التکوینیّة لایمکن أن تنفکّ عن المعلول بالبرهان والضرورة، وأمّا الأوامر فکما یمکن أن تتعلّق بالطبائع متقیّدة بالفور یمکن أن تتعلّق بها متقیّدة بالتراخی، ویمکن أن تتعلّق بها بلاتقیید، ولایمکن أن تدعو إلاّ إلی متعلّقاتها، بل مقتضی الملازمة بین الإیجاب والوجوب أنّ الإیجاب إذا تعلّق بأیّ موضوع علی أیّ نحو کان تعلّق الوجوب به لا بغیره، فإذا تعلّق الأمر بنفس الطبیعة لایمکن أن یدعو إلی أمر زائد عنها، فوزان الزمان وزان المکان وسائر القیود الزائدة، فکما لایمکن أن یکون البعث إلی نفس الطبیعة بعثاً إلی إیجادها فی مکان خاص، کذلک بالنسبة إلی زمان خاصٍّ حاضرٍ أو غابر.
وبالجملة: القیاسُ بین التکوین والتشریع کما وقع منه ومن غیره من الأعاظم، غیرُ تامّ.
[[page 292]]
فی الاستدلال علی الفور بأدلّة النقل:
ثمّ إنّه قد یُتشبّث لاستفادة الفوریّة بأدلّة النقل، مثل قوله ـ تعالی ـ: «فَاستَبِقُوا الخَیراتِ»، و قوله: «سَارِعُوا إلی مَغفِرةٍ مِن رَبِّکُم».
وفیه: أنّ الظاهر من مادّة «الاستباق» وهیئة «المسارعة» هو أنّ الأمر متوجّه إلی تسابق المکلّفین بعضهم مع بعض إلی فعل الخیرات، وإلی مغفرة من ربّهم، ومع حفظ هذا الظهور لابدّ من حمل الخیرات وأسباب المغفرة علی ما لو لم یسبق المکلّف إلیه لَفاتَه یاتیان غیره، مثل الواجبات الکفائیّة والخیرات التی لایمکن قیام الکلّ بإتیانها، ومعه یکون الأمر للإرشاد لاللوجوب، فإنّ الاستباق والمسارعة فی مثلها غیر واجب بعد ما قام بأدائها شخص أو أشخاص.
وهذا الحمل أولی من رفع الید عن ظهور الصدر والأخذ بظهور الذیل، ولا أقلّ من الإجمال مع عدم دلالة آیة المسارعة علی العموم.
وما قیل: من أنّ توصیف النکرة بقوله: «مِن ربِّکُم» یفید العموم،
[[page 293]]
کما تری، ولهذا جرت فی الآیة احتمالات: ککون المراد کلمة الشهادة، أو أداء الفرائض کما روی عن أمیر المؤمنین ـ علیه السلام ـ أو التکبیر الأوّل من الجماعة، أو الصفّ الأوّل منها، أو التوبة أو الإخلاص، أو الهجرة قبل فتح مکّة، أو متابعة الرسول، أو الاستغفار، أو الجهاد، أو أداء الطاعات، أو الصلوات الخمس.
وقد یورد علی التمسّک بهما بوجهٍ عقلیّ، وهو أ نّه یلزم من وجوب الاستباق إلی الخیرات عدمه.
بیانه: أنّ الاستباق بمفهومه یقتضی وجود عدد من الخیرات یتحقّق الاستباق بفعل مقدار منه، وینتفی فی المقدار الآخر، ولاریب أنّ المقدار الذی لایتحقّق الاستباق فیه هو من الخیرات، وعلی فرض وجوب الاستباق فی الخیرات یلزم أن یکون المقدار الذی لایتحقّق به الاستباق غیر الخیرات؛
[[page 294]]
لمزاحمته للمقدار الذی یتحقّق به، وإذا انتفی أن یکون من الخیرات، لزم عدم وجوب الاستباق فی المقدار الذی کان الاستباق یتحقّق فیه، فیلزم من وجوبه عدمه، وهو محال.
وفیه مالا یخفی:
أمّا أوّلاً: فلأنّ معنی «استبقوا» هو بعث المکلّفین إلی سبق بعضهم بعضاً فی فعل،کما فی السبق والرمایة، وکما فی قوله ـ تعالی ـ: «وَ استَبَقَا البابَ» فی قضیّة یوسف ـ علیه السلام ـ لاسبق بعض الخیرات علی بعض، والخیرات مفعول لا فاعل.
وثانیاً: أنّ الأمر فی التکالیف متعلّق بالطبائع لا الأفراد؛ حتّی یلزم أن یکون لکلّ خیرٍ مقدار متعلَّق للأمر، فیلزم منه ماذکر.
وثالثاً: علی فرض تعلّق الأمر بالأفراد یمکن تعلّقه بجمیعها علی سبیل تعدّد المطلوب، فالتزاحم علی فرضه إنّما یقع فی المطلوب الأعلی.
ورابعاً: علی فرض وقوع التزاحم لایخرج الواجب عن کونه خیراً، فإنّ السقوط للمزاحمة، فحینئذٍ یبقی ظهور مفهوم الاستباق علی حاله.
والإنصاف: أنّ ماذکره ـ رحمه اللّٰه ـ تجشُّم وتکلُّف، کما لایخفی علی المتدبّر.
[[page 295]]
[[page 296]]