المشکاة الثانیة

مطلع 8

مطلع            8

‏ ‏

إحاطة العقل المجرّد علی مادونه، من الملک و الملکوت، لیست کإحاطة شیء محسوس بشیء محسوس؛ حیث یکون الإحاطة فیه ببعض الجوانب و النهایات، و لا یحیط بعضها ببعض إلّا ببعض السطوح الخارجة عن الذات؛ بل إحاطته من جمیع الجوانب؛ یحیط بباطن المحاط کما یحیط بظاهره. فإنّ إحاطته یکون بنحو السریان و النفوذ. فهو سار فی حقائق العوالم و ذواتها و لبّ الحقائق و إنّیّاتها؛ لا یشذّّ عن إحاطته الوجودیّة و سریانه المعنوی ذرّة فی السماء و الأرض من جواهرها و عوارضها الذاتیّة و المفارقة. و هو أقرب إلیها من حبل الورید[1] و أنفذ فیها من الأرواح فی الأبدان. بل حضور العوالم عنده أشدّ و أعلی من حضورها عند أنفسها. کلّ ذلک، لأنّ المادّة الّتی هی مناط الغیریّة و التباعد عنه مفقودة؛ و الماهیّة التی هی أصل السوائیّة فیه مستهلکة مضمحلّه، لا حکم لها أصلاً؛ بل الحکم للوجود، بل للوجود المطلق. و هو القاهر علیها و الحاکم علی کل إنّیّة و حقیقة. 

و إشارة إلی هذه الإحاطة الوجودیّة و السریان الذاتی قال معلّم المشّائین: إنّ الحقائق البسیطة تقتضی بذاتها لاستدارة حقیقیة تامّة، إلا أنّ المحیط فیها لا یحوی المرکز؛ کما الأمر فی الدوائر الحسّیّة کذلک. بل الأمر فی الدوائر العقلیّة بعکس الدوائر الحسّیّة. و نحن قد أشرنا إلی لمعة من التحقیق لهذا السرّ فی «المشکاة الأولی»؛ فراجع. 

 

کتابمصباح الهدایة الی الخلافة والولایةصفحه 69

  • ـ مقتبس من الآیة 16 سورة «ق».