المشکاة الثانیة

ومیض 6

ومیض            6

‏ ‏

و بالحری أن نذکر مالخّصه الشیخ العارف الکامل، قاضی سعید الشریف القمی، [1] رضی الله عنه، ممّا فصّله بعض أهل المعرفة. قال فی البوارق الملکوتیة: 

‏ ‏

قال: إنّ الحقائق الخارجیة فی حال غیبتها تحت أستار الأسماء الّتی وسائط مشهودها. سألت تلک الأسماء سؤال افتقار و قالت: إنّّ العدم قد أعمانا من إدراک بعضنا بعضاً، و عن معرفة ما یجب لکم من الحقّ علینا. فلو أنّکم أظهرتم أعیاننا، لکنتم أنعمتم علینا، و أمکن لنا أن نقوم بحقوقکم. و لکانت سلطنتکم متحققّة؛ و الیوم أنتم سلاطین علینا بالقوّة، من دون جنود ولا عدّة. فهذا الّذی نطلبه منکم أکثر نفعاً لکم ممّا فی حقّنا. 

‏ ‏

فلمّا سمعت الأسماء الإلهیّة مقالة الحقائق الغیبیّة، نظرت فی ذوات أنفسها، و صدقت الممکنات؛ و طلبت ظهور أحکامها حتّی یتمیّز أعیانها بآثارها. فإنّ «الخلّاق» و «المدبّر» و غیرهما نظروا فی ذواتهم، فلم یروا خلّاقاً و لا مدبّراً، و لا غیر ذلک. فجاءت تلک الأسماء إلی حضرة الإسم «الباریٔ»، فقالوا له: عسی أن توجد أنت هذه الأحکام الّتی اقتضت حقائقها. فقال «البارئ»: ذلک راجع إلی الإسم «القادر»؛ فإنّی تحت حیطته؛ فالتجأوا إلیه. فقال «القادر»: أنا 

کتابمصباح الهدایة الی الخلافة والولایةصفحه 84
تحت حکم «المرید»؛ فلا أوجد عیناً منکم إلّا باختصاص؛ و لیس ذلک إلّا بتخصٌصه و أن یأتیه أمر من ربّه، فحینئذ أتعلّق أنا بالإیجاد.  ففزعوا إلی «المرید»، و ذکروا له مقالة «القادر». فقال «المرید»: صدق «القادر»؛ و لکنّی أنظر إلی أنّه هل سبق العلم من الإسم «العلیم» بظهور آثارکم، فأخصّص أنا ماشاء الله من أحکامکم؛ فإنّی تحت حکمه. فصاروا إلی الإسم «العلیم». فقال «العالم»[1]: قد سبق العلم بإیجادکم، ولکنّ الأدب أولی؛ و لیس الأمر هنا بمحض الإفتقار، بل لابدّ من الإذن مرّة بعد أخری. و إنّ لنا کلّنا حضرة مهیمنة علینا. و هی الإسم «الله». 

فاجتمعت الأسماء إلی الحضرة الإلهیّة، فذکروا له قصّتهم، و أظهروا له ما اقتضت حقائقهم. فقال: حقّاً أقول أنا اسم جامع لحقائقکم، مشتمل علی مراتبکم، و إنّی دلیل علی ذات المقدّسة و حضرة الأحدیّة. فمکانکم أنتم و رفقائکم حتّی أعرض علیه مقاصدکم فقال: یا من هو، یا من لا هو إلّا هو، قد اختصم الملأ الأعلی و قالت الأعیان هکذا. فنودی من سرّه أن: أخرج علیهم، و قل لکلّ واحد من الأسماء ما یتعلّق بما یقتضیه حقائقها. فخرج الإسم «الله»،  و معه الإسم «المتکلّم» یترجم عنه الممکنات و الأسماء الإلهیّة، و ذکر لهم ما أمره المسمّی. فتعلّق «العالم» بظهور الممکن الأوّل؛ و «القادر» بظهور الممکن الثانی؛ و «المرید» بسائر الأعیان. فظهرت الأدبار و الأکوان.[2]

و أدّی الأمر إلی المنازعة و المخالفة؛ کما هو مقتضی الأسماء الجمالیّة و الجلالیّة. فقالت الأعیان: إنّا نخاف أن یفسد نظامنا، أو یطغی بعضنا علی بعضنا، و نلحق بالعدم الّذی کنّا فیه. فالتجأوا، تارة أخری، إلی الأسماء بتعلیم الأسم «العلیم» و «المدبّر»، قالوا: أیّها الأسماء التی لکم السلطنة علینا، إن کان أمرکم علی میزان معلوم و 

کتابمصباح الهدایة الی الخلافة والولایةصفحه 85
حدّ مرسوم بأن یکون فیکم إمام یخفضنا و یخفض تأثیراتکم فینا،  لکان أصلح لنا و لکم. فسمعوا ذلک و التجأوا إلی الإسم «المدبّر».  فدخل «المدبّر» إلی المسمّی، و خرج بأمر الحقّ إلی الإسم «الربّ» فقال له: صدر الأمر بأن تفعل أنت ما یقتضیه المصلحة فی بقاء الممکنات. فقال: سمعاً و طاعة. و أخذ وزیرین یعینانه علی مصالحه. و هما «المدبّر» و «المفصّل». قال الله تعالی: «یُدَبِّرُ الأمرَ وَ یُفَصِّلُ الآیاتِ لَعَلَّکُم بِلِقآءِ رَبِّکُم تُوقِنونَ. »[2] أی، ربّکم الّذی هو الإمام. فانظر ما أحکم کلام الله و أتقن صنع الله. [3] إنتهی. 

 

کتابمصباح الهدایة الی الخلافة والولایةصفحه 86

  • فی البوارق «العلیم»
  • أدوار، أکوار ظاهراً. منه.
  • -  التعلیقة 16.
  • ـ (الرعد / 2).
  • ـ «مجموعة الرسائل»، رسالة البوارق الملکوتیة، ص 307.