شرح قوله «اللهم إنی أسألک من مسائلک...»

«اللهم إنی أسألک من مسائلک بأَحَبِّها الیک،

‏وکلُّ مسائلک إلیک حَبیبة. اللهم إنی أسألک بمسائلک کلِّها.»‏

‏ ‏

‏    ‏‏اعلم، جعلک الله تعالی من اصحاب الأدعیة المستجابة وارباب‏‎ ‎‏الأسئلة المحبوبة، ان السؤال هو استدعاء السائل من المسؤول بالتوجه‏‎ ‎‏الیه، لحصول ما یحتاج الیه من الوجود او کمالات الوجود، توجهاً‏‎ ‎‏ذاتیاً‌او‌حالیاً، باطنیاً او ظاهریاً، بلسان الاستعداد او الحال او المقال.‏‎ ‎‏وسلسلة الموجودات وقبیلة الممکنات المفتاقات، لفقرها واحتیاجها‏‎ ‎‏ذاتاً وصفة تتوجه الی القیوم المطلق والمفیض الحق؛ وبلسان‏‎ ‎‏استعدادها‌تطلب الوجود وکمالاته من حضرته. ولولا هذا الاستدعاء‏‎ ‎‏لما افیض علیها الفیض؛ وان کان هذا الاستدعاء ایضاً من غیب الجمع؛‏‎ ‎‏کما قال ‏‏الشیخ الاعرابی‏‏: «والقابل ‏‏[‏‏لایکون إلا‏‏]‏‏ من فیضه الأقدس.»‏

‏     وأول استدعاء وسؤال وقع  فی دار الوجود هو استدعاء الأسماء‏‎ ‎‏والصفات الإِلهیة، بلسان مناسب لمقامها، للظهور فی الحضرة‏‎ ‎‏الواحدیة من حضرة الغیب المطلق. فأجابها بإفاضة الفیض الأقدس‏


کتابشرح دعاء السحرصفحه 127
‏الأرفع والظلِّ الأبسط الأعلی فی الحضرة الجمعیة؛ فظهرت الأسماء‏‎ ‎‏والصفات. والأول من الأول هو الإسم الجامع رب الإِنسان الجامع‏‎ ‎‏الحاکم‌علی الأسماء والصفات الإِلهیة والظاهر بظهورها؛ ثم بتوسطه‏‎ ‎‏سائر الأسماء علی ترتیبها من الحیطة والشمول.‏

‏     وبعد ذلک سؤال الأعیان الثابتة وصور الأسماء الإِلهیة. والاول من‏‎ ‎‏بینها‌هو صورة الأسم الجامع والعین الثابت الانسانی؛ ثم سائر الاعیان‏‎ ‎‏بتوسطه؛ لأنها من فروعه وتوابعه فی الوجود وکمالات الوجود فی‏‎ ‎‏سلسلتی النزول والصعود. وهو الشجرة المبارکة التی أصلها ثابت‏‎ ‎‏وفرعها فی السماء.‏ ‏ ‏

‏ ‏

‏     ثم ‏‏[‏‏وقع‏‏]‏‏ استدعاء الأعیان الثابتة الممکنة بل الاسماء الالهیة فی‏‎ ‎‏الحضرة العلمیة لظهورها فی العین والشهادة؛ فاجابها بالفیض‏‎ ‎‏المقدس‌والظل المنبسط علی ترتیبها وتنسیقها من الانسان الکامل‏‎ ‎‏اولاً، وسائر المراتب علی ترتیبها ‏‏[‏‏ثانیاً‏‏]‏ ‏ بتوسطه.‏

‏     وهذه الأدعیة من الدعوات المستجابة والأسئلة غیر المردودة؛  لأن‏‎ ‎‏الدعاء بلسان الذات والاستعداد مقبول غیر مردود؛ والفیض بمقدار‏‎ ‎‏الاستحقاق یفاض ولا یمسک. والدعاء بلسان القال اذا کان مطابقاً له ‏‎ ‎‏بلسان الاستعداد، ولم یکن منطق اللسان علی خلاف منطق القلب ولا‏‎ ‎‏المقال مبایناً للحال، یکون مستجاباً واذا لم یصر الدعاء مستجاباً فهو‏

‏ ‏

‏  ‏

کتابشرح دعاء السحرصفحه 128
‏لعدم صدوره عن لسان الاستعداد أو مخالفته للنظام الأتم. وربما کان‏‎ ‎‏عدم‌الاجابة لعدم حصول الشرائط والمتممات؛ ولغیر ذلک من‏‎ ‎‏الاسباب‌الکثیرة.‏

‏ ‏

‏     ‏تنبیه

‏     ‏‏واعلم ان الانسان لکونه کوناً جامعاً وله بحسب المراتب النزولیة‏‎ ‎‏والصعودیة نشئات وظهورات وعوالم ومقامات فله بحسب کل نشأة‏‎ ‎‏وعالم لسان یناسب مقامه. ‏

‏    ‏‏ففی مقام اطلاقه وسریانه لسان یسأل ‏‏[‏‏به‏‏]‏‏ ربه الذی یربیه. ولله تعالی‏‎ ‎‏بحسب هذا اللسان نسبة خاصة یتعین حکمها بالاجابة، ویعبر عنها‏‎ ‎‏بالإسم الخاص بتلک النشأة والرب لذلک المربوب؛ فمن یجیبه‏‎ ‎‏ویکشف السوء ویرفع الاضطرار عنه هوالاسم الرحمن ربُّ الهویة‏‎ ‎‏المبسوطة الإِطلاقیة.‏

‏     ‏‏وفی مقام التعین الروحی والنشأة التجریدیة والکینونة العقلانیة‏‎ ‎‏السابقة، له لسان یسأل ‏‏[‏‏به‏‏]‏‏ ربه ویجیبه ‏‏[‏‏هو‏‏]‏‏ باسمه «العلیم» رب النشأة‏‎ ‎‏التجریدیة.‏

‏     ‏‏وفی مقام قلبه یستدعی بلسان آخر ویجاب باسم مناسب لنشأته.‏

‏     وفی المقام الجامع بین النشئات والحافظ للحضرات یستدعی‏‎ ‎‏بلسان‌یناسبه من الحضرة الجمعیة، فیجیبه باسمه الجامع والتجلی‏‎ ‎‏الأتم؛ وهو الاسم الاعظم.‏


کتابشرح دعاء السحرصفحه 129
‏     وهذا هو الکامل الذی اشار الیه ‏‏المحقق القونوی‏‏ فی ‏‏مفتاح الغیب‏‎ ‎‏والشهود ‏‏بقوله «فإذا کمل (ای: الانسان) فله فی الدعاء وغیره میزان‏‎ ‎‏یختص به وامور ینفرد بها دون مشارک.»‏‏251‏‏ وفی ‏‏النصوص‏‏ بقوله «واما‏‎ ‎‏الکمل والافراد فإن توجههم الی الحق تابع للتجلی الذاتی الحاصل‏‎ ‎‏لهم؛ والموقوف تحققهم بمقام الکمال علی الفوز به. وانه یثمر لهم‏‎ ‎‏معرفة‌تامة جامعة لحیثیات جمیع الأسماء والصفات والمراتب‏‎ ‎‏والاعتبارات؛ مع صحة تصور الحق من حیث تجلّیه الذاتی ‏‏[‏‏المشار‏‎ ‎‏الیه‏‏]‏‏ الحاصل لهم بالشهود الأتم؛ فلهذا لا تتأخر عنهم الاجابة.»‌‏‎ ‎‏انتهی‌‏‏252‏‏.‌‏

‏     وهذا الانسان الجامع تکون سؤالاته بلسان القال ایضاً مستجابة؛‏‎ ‎‏لعدم الاستدعاء الا عما هو المقدر؛ لعلمه بمقامات الوجود وعوالم‏‎ ‎‏الغیب والشهود والحضرة العلمیة. ولهذا کان اکثر ادعیة الکمل‏‎ ‎‏مستجاباً؛ اللهم الا من کان‏‏ ‏‏دعائه علی سبیل الامتثال لامر المولی، فإنه‏‎ ‎‏لیس بداع لحصول المطلوب؛ کما قال ‏‏الشیخ الاعرابی ‏‏فی‏‎ ‎‏الفصوص‏‏253‏‏،‌واشیر الیه فی روایات اهل بیت الطهارة علیهم السلام.‏ ‏ ‏

‏ ‏

‏     ‏تذنیب‏ ‏

‏    ‏‏اعلم ان المحبة الالهیة التی بها ظهر الوجود ـ وهی النسبة الخاصة‏‎ ‎‏بین‌رب الارباب، الباعثة للاظهار بنحو التأثیر والافاضة، وبین‏‎ ‎‏المربوبین بنحو التأثر والاستفاضة ـ یختلف حکمها وظهورها بحسب‏

کتابشرح دعاء السحرصفحه 130
‏النشئات والقوابل. ففی بعض المراتب یکون حکمها اتم وظهورها‏‎ ‎‏اکثر،‌کعالم الاسماء والصفات، وعالم صور الاسماء والاعیان الثابتة فی‏‎ ‎‏النشأة العلمیة. وفی بعضها دون ذلک، الی ان ینتهی الی اخیرة المراتب‏‎ ‎‏وکمال النزول وغایة الهبوط. ‏

‏    ‏‏فالحب الذاتی تعلق بظهوره فی الحضرة الأسمائیة والعوالم الغیبیة‏‎ ‎‏والشهادتیة لقوله «کنت کنزاً مخفیاً، فاحببت ان اعرف، فخلقت الخلق‏‎ ‎‏لکی اعرف.» فالحب الذاتی منشأ ظهور الموجودات.‏

‏     وأحب المسائل الیه تعالی هو السؤال الواقع فی الحضرة العلمیة‏‎ ‎‏الجمعیة من الأسماء الالهیة؛ لکونه مفتاح الظهور والمعرفة. والأحب‏‎ ‎‏من الأحب هو سؤال رب الانسان الجامع الکامل الحاکم علی الاسماء‏‎ ‎‏والصفات والشؤون والاعتبارات. هذا بحسب مقام التکثیر؛ واما‏‎ ‎‏بحسب‌مقام التوحید والارتباط الخاص بین کل موجود وربه بلا توسط‏‎ ‎‏واسطة، فکل المسائل الیه حبیبة؛ کما قد سبق التحقیق فیه.‏


کتابشرح دعاء السحرصفحه 131

‎ ‎

کتابشرح دعاء السحرصفحه 132