الأمر الرابع : فی شمول الموصول للشبهات الموضوعیـة والحکمیـة
إنّما الکلام فی شمول الموصول فی قولـه «ما لایعلمون» للشبهات الحکمیـة وعدمــه ، فاعلم أنّـه قد یقال ـ کما قیل ـ باختصاصـه بالشبهات الموضوعیـة : إمّا لأنّ المرفوع فی الحدیث هو خصوص المؤاخذة ، والمؤاخذة علی نفس الحکم ممّا لایعقل .
وإمّا لأنّ وحدة السیاق تقتضی ذلک ؛ لأنّ المراد من الموصول فی «ما استکرهوا علیـه» وأخواتـه هو الموضوع ؛ إذ لایعقل الاستکراه ـ مثلاً ـ علی الحکم . ومقتضی وحدة السیاق أن یکون المراد بالموصول فی «ما لایعلمون» أیضاً هو الموضوع الذی اشتبـه عنوانـه ، فلایعمّ الشبهات الحکمیـة .
وإمّا لأنّ إسناد الرفع إلی الحکم إسناد إلی ما هو لـه ، وإسناده إلی الفعل إسناد إلی غیر ما هو لـه ، ولا جامع بینهما حتّی یمکن أن یراد من الموصول ، وحینئذٍ فمع قطع النظر عن وحدة السیاق ینبغی تخصیص الحدیث بالشبهات الحکمیـة ؛ لأنّ إسناد الرفع فیها إسناد حقیقی ، إلاّ أنّ وحدة السیاق اقتضت الحمل
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 509
علی خصوص الشبهات الموضوعیـة .
هذا ، وأنت خبیر بفساد جمیع هذه الوجوه : أمّا الوجـه الأوّل فلأنّـه مبنی علی أن یکون المرفوع هو خصوص المؤاخذة ، وقد عرفت أنّ مقتضی التحقیق هو کون المرفوع هی نفس تلک العناوین ادعاءً ، بلحاظ خلوّها عن الحکم رأساً .
وأمّا الوجـه الثانی فلمنع اقتضاء وحدة السیاق ذلک ، بل نقول : إنّ وحدة السیاق تقتضی خلافـه ، کما أفاده فی «الدرر» ؛ لأنّ عدم تحقّق الاضطرار فی الأحکام ، وکذا الإکراه لایوجب تخصیص «ما لایعلمون» ، بل مقتضی السیاق إرادة العموم من هذا الموصول ، کإرادتـه من أخواتـه . غایـة الأمر : أنّ عموم الموصول إنّما یکون بملاحظـة سعـة متعلّقـه وضیقـه . فقولـه صلی الله علیه و آله وسلم : «ما اضطرّ إلیـه» اُرید منـه کلّ ما اضطرّ إلیـه فی الخارج . غایـة الأمر : أنّـه لم یتحقّق الاضطرار بالنسبـة إلی الحکم .
فمقتضی اتحاد السیاق أن یراد من قولـه صلی الله علیه و آله وسلم : «ما لایعلمون» أیضاً کلّ فرد من أفراد هذا العنوان . ألا تری أنّـه إذا قیل : «ما یؤکل» و «ما یری» فی قضیـة واحدة لایوجب انحصار أفراد الأوّل فی الخارج ببعض الأشیاء تخصیص الثانی أیضاً بذلک البعض ، کما هو واضح جدّاً .
هذا ، وذکر المحقّق العراقی ـ علی ما فی تقریرات بحثـه ـ فی بیان منع وحدة السیاق المقتضیـة للحمل علی خصوص الشبهات الموضوعیـة ما ملخّصـه : أنّ من الفقرات فی الحدیث الطیرة والحسد والوسوسـة ، ولایکون المراد منها الفعل ، ومع هذا الاختلاف کیف یمکن دعوی ظهور السیاق فی إرادة الموضوع المشتبـه ، مع أنّ ذلک یقتضی ارتکاب خلاف ظاهر السیاق من جهـة
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 510
اُخری ، فإنّ الظاهر من الموصول فی «ما لایعلمون» هو ما کان بنفسـه معروض الوصف وعدم العلم ، کما فی غیره من العناوین .
فتخصیص الموصول بالشبهات الموضوعیـة ینافی هذا الظهور ؛ إذ لایکون الفعل فیها بنفسـه معروضاً للجهل ، وإنّما المعروض لـه هو عنوانـه . وحینئذٍ یدور الأمر بین حفظ السیاق من هذه الجهـة بحمل الموصول فی «ما لایعلم» علی الحکم المشتبـه ، وبین حفظـه من جهـة اُخری ، بحملـه علی إرادة الفعل ، ولاریب أنّ الترجیح مع الأوّل بنظر العرف ، انتهی .
أقول : لایخفی أنّ ذکر الحسد والطیرة والوسوسـة فی الخلق لایوجب الاختلاف فی الحدیث بعد کونها أیضاً من الأفعال . غایـة الأمر : أنّها من الأفعال القلبیـة ، کما هو واضح .
وأمّا ما أفاده من أنّ الحمل علی الشبهات الموضوعیـة یقتضی ارتکاب خلاف الظاهر من جهـة اُخری ففیـه أوّلاً : منع ذلک ؛ فإنّ الخمر إذا کان مجهولاً یکون اتصاف شربـه بشرب الخمر مجهولاً حقیقـة ، ولیس نسبـة الجهل إلیـه بالعرض والتبع ؛ ضرورة أنّـه مجهول حقیقـة ، وإن کان تعلّق الجهل بالخمر صار
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 511
سبباً لمجهولیـة شرب الخمر ، إلاّ أنّها من قبیل الواسطـة فی الثبوت ، لا الواسطـة فی العروض ، وحینئذٍ فیصحّ رفع شرب الخمر لکونـه مجهولاً .
وثانیاً : أنّـه لو سلّمنا أنّ المجهول حقیقـة هو نفس عنوان الخمریـة فنقول : إنّـه لابأس فی أن یکون الخمر مرفوعاً بعنوانـه ، وحینئذٍ یترتّب علیـه رفع الأحکام الشرعیـة المترتّبـة علی الأفعال المرتبطـة بـه ، کالشرب ونحوه .
فالتحقیق فی الجواب عن دعوی وحدة السیاق ما ذکرنا ، ونزید علیـه : أنّ الموصول لایدلّ إلاّ علی معناه الإجمالی الإبهامی ، وهو شیء ثبت لـه الصلـة ، ولا تعرّض لـه إلی خصوصیات هذا الشیء ، ومقتضی وحدة السیاق هو الحمل الموصول فی جمیع الفقرات المشتملـة علیـه علی معناه الحقیقی ، کما لایخفی .
وأمّا الوجـه الثالث : فیرد علیـه ما حقّقناه فی المجاز من أنّ المجاز لایکون عبارة عن استعمال اللفظ فی غیر الموضوع لـه ، بل هو أیضاً ـ کالحقیقـة ـ عبارة عن استعمال اللفظ فی معناه الموضوع لـه ، غایـة الأمر : أنّـه قد ادعی کون المعنی المجازی من أفراد المعنی الحقیقی ، وحینئذٍ فنقول : إنّ إسناد الرفع إلی الموضوع المجهول لایکون مجازاً وإسناداً إلی غیر ما هو لـه ، بل إنّما هو إسناد إلی ما هو لـه ، غایـة الأمر أنّـه قد ادعی کونـه صالحاً لتعلّق الرفع بـه ، کما أنّک عرفت : أنّ نسبـة الرفع إلی الأحکام أیضاً لایکون إلاّ ادعاء ؛ لما عرفت من ثبوتـه بالنسبـة إلی الجاهل أیضاً ، ولایستفاد من الحدیث اختصاص الأحکام الواقعیـة بالعالم بها .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 512