الأمر الثالث : فی شمول الحدیث للاُمور العدمیـة
ذکر المحقّق النائینی قدس سره ـ علی ما فی تقریرات بحثـه ـ أنّ حدیث الرفع إنّما یختصّ برفع الاُمور الوجودیـة ، فلو اُکره المکلّف علی الترک أو اضطرّ إلیـه أو نسی الفعل ففی شمول الحدیث لـه إشکال ؛ لأنّ شأن الرفع تنزیل الموجود منزلـة المعدوم ، لا تنزیل المعدوم منزلـة الوجود ، فإنّ ذلک إنّما یکون وضعاً لا رفعاً ، فلو نذر أن یشرب من ماء دجلـة ، فاُکره علی العدم أو اضطرّ إلیـه أو نسی أن یشرب فمقتضی القاعدة وجوب الکفّارة علیـه ، لو لم تکن أدلّـة وجوب الکفّارة مختصّـة بصورة التعمّد ومخالفـة النذر عن إرادةٍ والتفاتٍ .
هذا ، وأجاب عن ذلک المحقّق العراقی ـ علی ما فی تقریرات بحثـه ـ بعدم
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 507
الفرق بین رفع الفعل أو الترک ؛ إذ کما أنّ معنی رفع الوجود فی عالم التشریع عبارة عن رفع الأثر المترتّب علیـه ، وخلوّه عن الحکم فی عالم التشریع ، کذلک فی رفع العدم ، فإنّ مرجع رفعـه إلی رفع الأثر المترتّب علی هذا العدم الراجع إلی عدم أخذه موضوعاً للحکم بالفساد ، ووجوب الإعادة مثلاً بملاحظـة دخل نقیضـه ، وهو الوجود فی الصحّـة .
وبالجملـة : فرق واضح بین قلب الوجود بعدم ذاتـه وتنزیلـه منزلتـه ، وبالعکس ، وبین قلب أخذه موضوعاً للحکم بعدم أخذه فی مرحلـة تشریع الحکم ، وخلوّ خطاباتـه عنـه . والإشکال المزبور إنّما یرد علی الأوّل دون الثانی ، انتهی .
هذا ، وأنت خبیر بعدم تمامیـة هذا الجواب ؛ إذ لیس معنی رفع هذه الاُمور هو رفعها عن موضوعیـة الحکم المترتّب علیها مطلقاً ، حتّی فی ناحیـة رفع الفعل ، فإنّـه لو کان معنی رفع ما اضطرّوا إلیـه مثلاً هو رفع شرب الخمر الذی حصل الاضطرار إلیـه عن موضوعیـة الحکم بالحرمـة ، الظاهر فی حرمتـه مطلقاً لما کان الکلام محتاجاً إلی ادعاء ومصحّح ، کما أتعبوا بـه أنفسهم ؛ إذ الرفع حینئذٍ یصیر رفعاً حقیقیاً ، لا ادعائیاً .
فالإشکال إنّما هو بناءً علی ظاهر الحدیث من کون المرفوع هی ذوات هذه الأشیاء ، وجعلها بمنزلـة العدم ، والجواب لاینطبق علیـه ، کما هو واضح .
والتحقیق فی الجواب أن یقال : أمّا أوّلاً ؛ فلأنّ العدم المرفوع فی الحدیث هو العدم المضاف ، وهو یمکن اعتباره بنحو ثبت لـه الثبوت الإضافی ، وثانیاً : أنّ تعلّق الرفع بـه یوجب تحقّقاً اعتباریاً لـه ، وبهذا الاعتبار یمکن أن یتعلّق بـه ،
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 508
وثالثاً : إذا فرض ترتّب حکم علی الترک فی الشریعـة فلابدّ من أن یکون لـه ثبوت اعتباری فی عالم التشریع ، وإلاّ فلایعقل أن یتعلّق بـه الحکم ، ویترتّب علیـه الأثر ، وحینئذٍ فالحدیث إنّما یرفع هذا الثابت بالثبوت الاعتباری ، والمصحّح لإسناد الرفع إلیـه هو خلوّه فی عالم التشریع عن الحکم والأثر رأساً . وبالجملـة : فلاینبغی الإشکال فی شمول الحدیث لرفع التروک أیضاً .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 509