ا‏لأمر ا‏لثا‏لث‏: فی شمول ا‏لحدیث للاُمور ا‏لعدمیة

الأمر الثالث : فی شمول الحدیث للاُمور العدمیـة

‏ ‏

‏ذکر المحقّق النائینی ‏‏قدس سره‏‏ ـ علی ما فی تقریرات بحثـه ـ أنّ حدیث الرفع إنّما‏‎ ‎‏یختصّ برفع الاُمور الوجودیـة ، فلو اُکره المکلّف علی الترک أو اضطرّ إلیـه أو‏‎ ‎‏نسی الفعل ففی شمول الحدیث لـه إشکال ؛ لأنّ شأن الرفع تنزیل الموجود منزلـة‏‎ ‎‏المعدوم ، لا تنزیل المعدوم منزلـة الوجود ، فإنّ ذلک إنّما یکون وضعاً لا رفعاً ، فلو‏‎ ‎‏نذر أن یشرب من ماء دجلـة ، فاُکره علی العدم أو اضطرّ إلیـه أو نسی أن یشرب‏‎ ‎‏فمقتضی القاعدة وجوب الکفّارة علیـه ، لو لم تکن أدلّـة وجوب الکفّارة مختصّـة‏‎ ‎‏بصورة التعمّد ومخالفـة النذر عن إرادةٍ والتفاتٍ‏‎[1]‎‏ .‏

هذا‏ ‏، وأجاب عن ذلک المحقّق العراقی‏ ـ علی ما فی تقریرات بحثـه ـ بعدم‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 507
‏الفرق بین رفع الفعل أو الترک ؛ إذ کما أنّ معنی رفع الوجود فی عالم التشریع‏‎ ‎‏عبارة عن رفع الأثر المترتّب علیـه ، وخلوّه عن الحکم فی عالم التشریع ، کذلک‏‎ ‎‏فی رفع العدم ، فإنّ مرجع رفعـه إلی رفع الأثر المترتّب علی هذا العدم الراجع إلی‏‎ ‎‏عدم أخذه موضوعاً للحکم بالفساد ، ووجوب الإعادة مثلاً بملاحظـة دخل‏‎ ‎‏نقیضـه ، وهو الوجود فی الصحّـة .‏

‏وبالجملـة : فرق واضح بین قلب الوجود بعدم ذاتـه وتنزیلـه منزلتـه ،‏‎ ‎‏وبالعکس ، وبین قلب أخذه موضوعاً للحکم بعدم أخذه فی مرحلـة تشریع‏‎ ‎‏الحکم ، وخلوّ خطاباتـه عنـه . والإشکال المزبور إنّما یرد علی الأوّل دون‏‎ ‎‏الثانی‏‎[2]‎‏ ، انتهی .‏

هذا‏ ‏، وأنت خبیر بعدم تمامیـة هذا الجواب‏ ؛ إذ لیس معنی رفع هذه الاُمور‏‎ ‎‏هو رفعها عن موضوعیـة الحکم المترتّب علیها مطلقاً ، حتّی فی ناحیـة رفع‏‎ ‎‏الفعل ، فإنّـه لو کان معنی رفع ما اضطرّوا إلیـه مثلاً هو رفع شرب الخمر الذی‏‎ ‎‏حصل الاضطرار إلیـه عن موضوعیـة الحکم بالحرمـة ، الظاهر فی حرمتـه مطلقاً‏‎ ‎‏لما کان الکلام محتاجاً إلی ادعاء ومصحّح ، کما أتعبوا بـه أنفسهم ؛ إذ الرفع حینئذٍ‏‎ ‎‏یصیر رفعاً حقیقیاً ، لا ادعائیاً .‏

‏فالإشکال إنّما هو بناءً علی ظاهر الحدیث من کون المرفوع هی ذوات هذه‏‎ ‎‏الأشیاء ، وجعلها بمنزلـة العدم ، والجواب لاینطبق علیـه ، کما هو واضح .‏

والتحقیق فی الجواب أن یقال‏ : أمّا أوّلاً ؛ فلأنّ العدم المرفوع فی الحدیث‏‎ ‎‏هو العدم المضاف ، وهو یمکن اعتباره بنحو ثبت لـه الثبوت الإضافی ، وثانیاً : أنّ‏‎ ‎‏تعلّق الرفع بـه یوجب تحقّقاً اعتباریاً لـه ، وبهذا الاعتبار یمکن أن یتعلّق بـه ،‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 508
‏وثالثاً : إذا فرض ترتّب حکم علی الترک فی الشریعـة فلابدّ من أن یکون لـه ثبوت‏‎ ‎‏اعتباری فی عالم التشریع ، وإلاّ فلایعقل أن یتعلّق بـه الحکم ، ویترتّب علیـه‏‎ ‎‏الأثر ، وحینئذٍ فالحدیث إنّما یرفع هذا الثابت بالثبوت الاعتباری ، والمصحّح‏‎ ‎‏لإسناد الرفع إلیـه هو خلوّه فی عالم التشریع عن الحکم والأثر رأساً .‏‎ ‎‏وبالجملـة : فلاینبغی الإشکال فی شمول الحدیث لرفع التروک أیضاً .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 509

  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3 : 352 ـ 353 .
  • )) نهایـة الأفکار 3 : 219 .