ا‏لأمر ا‏لأوّل‏: فی معنی ا‏لرفع

الأمر الأوّل : فی معنی الرفع

‏ ‏

‏فنقول : ذکر المحقّق النائینی ـ علی ما فی التقریرات ـ أنّ الرفع فی الحدیث‏‎ ‎‏بمعنی الدفع ، ولایلزم من ذلک مجاز ، ولایحتاج إلی عنایـة أصلاً ، قال فی‏‎ ‎‏توضیحـه ما ملخّصـه : إنّ استعمال الرفع وکذا الدفع لایصحّ إلاّ بعد تحقّق مقتضی‏‎ ‎‏الوجود ؛ بحیث لو لم یرد الرفع وکذا الدفع علی الشیء لکان موجوداً فی وعائـه‏‎ ‎‏المناسب لـه ؛ لوضوح أنّ کلاًّ منهما لایرد علی ما یکون معدوماً فی حدّ ذاتـه لا‏‎ ‎‏وجود لـه ولا اقتضاء الوجود ، ویفترق الرفع عن الدفع بأنّ استعمال الرفع إنّما‏‎ ‎‏یکون غالباً فی المورد الذی فرض وجوده فی الزمان السابق أو فی المرتبـة‏‎ ‎‏السابقـة ، والدفع یستعمل غالباً فی المورد الذی فرض ثبوت المقتضی بوجود‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 500
‏شیء قبل إشغالـه لصفحـة الوجود ، فیکون الرفع مانعاً عن استمرار الوجود ،‏‎ ‎‏والدفع مانعاً عن تأثیر المقتضی .‏

‏ولکن هذا المقدار من الفرق لایمنع عن صحّـة استعمال الرفع بدل الدفع‏‎ ‎‏علی وجـه الحقیقـة ، فإنّ الرفع فی الحقیقـة یدفع المقتضی عن التأثیر فی الزمان‏‎ ‎‏اللاحق أو فی المرتبـة اللاحقـة ؛ لأنّ بقاء الشیء کحدوثـه یحتاج إلی علّـة‏‎ ‎‏البقاء . فالرفع فی مرتبـة وروده علی الشیء إنّما یکون دفعاً حقیقـة باعتبار علّـة‏‎ ‎‏البقاء ، وإن کان رفعاً باعتبار الوجود السابق . فاستعمال الرفع فی مقام الدفع‏‎ ‎‏لایحتاج إلی رعایـة علاقـة المجاز أصلاً‏‎[1]‎‏ ، انتهی .‏

وأنت خبیر بما فیـه‏ ؛ لأنّ صدق عنوان الدفع علی مورد الرفع باعتبار کونـه‏‎ ‎‏دافعاً عن تأثیر المقتضی فی الزمان اللاحق أو المرتبـة اللاحقـة لایوجب اتحاد‏‎ ‎‏الاعتبارین ووحدة العنوانین فی عالم المفهومیـة ، فإنّ اعتبار الرفع إنّما هو إزالـة‏‎ ‎‏الشیء الموجود فی زمان أو مرتبـة عن صفحـة الوجود ، واعتبار الدفع إنّما هو‏‎ ‎‏المنع عن تأثیر العلّـة المبقیـة فی الآن اللاحق ، وصدق عنوان الدفع علی محلّ‏‎ ‎‏الرفع باعتباره لایوجب اتحاد الاعتبارین .‏

‏ألا تری أنّ صدق عنوان الضاحک دائماً علی مورد یصدق علیـه الإنسان‏‎ ‎‏لایقتضی اتحاد معنی الضاحک والإنسان ، وإن کان التصادق دائمیاً ، فضلاً عن‏‎ ‎‏المقام الذی لایکون النسبـة إلاّ العموم والخصوص ، لا التساوی ، کما هو واضح .‏

وبالجملـة‏ : تصادق العنوانین فی الوجود الخارجی ـ مطلقاً أو فی‏‎ ‎‏الجملـة ـ أمر ، واتحادهما فی عالم المفهومیـة أمر آخر . وحینئذٍ فمع اعترافـه‏‎ ‎‏بتغایر الاعتبارین لا مجال لدعوی صحّـة استعمال أحدهما مکان الآخر بلا‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 501
‏احتیاج إلی رعایـة العلاقـة والعنایـة ، کما اعترف بذلک فی مبحث الاشتغال ؛‏‎ ‎‏حیث قال : إنّ استعمال الرفع مکان الدفع أو بالعکس إنّما هو بضرب من العنایـة‏‎ ‎‏والتجوّز‏‎[2]‎‏ .‏

والتحقیق فی المقام أن یقال‏ : إنّ الرفع فی الحدیث الشریف قد اُسند إلی‏‎ ‎‏نفس الأفعال التی یتعلّق بها التکلیف ، ولم یکن مسنداً إلی نفس الحکم ، حتّی‏‎ ‎‏یحتاج إلی دعوی کون المراد من الرفع هو الدفع ، فإنّ الرفع قد اُسند إلی نفس‏‎ ‎‏الخطأ والنسیان ونظائرهما . نعم ، لا ننکر أنّ هذا الإسناد یحتاج إلی ادعاء أنّـه إذا‏‎ ‎‏کانت تلک الاُمور ممّا لایترتّب علی فعلها المؤاخذة ، أو أظهر آثارها أو جمیعها‏‎ ‎‏فکأنّها لاتکون متحقّقـة فی صفحـة الوجود .‏

وبالجملـة‏ : فالرفع قد استعمل فی الحدیث بمعناه الحقیقی ، وهی إزالـة‏‎ ‎‏الشیء بعد وجوده ؛ لأنّـه قد نسب إلی العناوین المتحقّقـة فی الخارج ، وهی‏‎ ‎‏موجودة ثابتـة ، وإسناد الرفع إلیها إنّما هو بأحد الوجوه المحتملـة . هذا ، ولو قلنا‏‎ ‎‏بأنّ التقدیر هو رفع الأحکام والآثار المترتّبـة علی تلک العناوین فیمکن أن یقال‏‎ ‎‏بأنّ الرفع حینئذٍ أیضاً قد استعمل فی معناه الحقیقی ، وهو إزالـة الحکم بعد‏‎ ‎‏ثبوتـه ؛ لأنّ أدلّـة الأحکام شاملـة بالعموم أو الإطلاق صورة الخطأ والنسیان‏‎ ‎‏والاضطرار والإکراه والجهل ، فالرفع إنّما یتعلّق بتلک الأحکام فی خصوص تلک‏‎ ‎‏الصور ، فهو بمعنی إزالـة الحکم الثابت بالإرادة الاستعمالیـة فی تلک الموارد ،‏‎ ‎‏وإن کان بحسب الإرادة الجدّیـة دفعاً حقیقـة .‏

‏کما أنّ التخصیص إنّما یکون تخصیصاً بالنسبـة إلی الإرادة الاستعمالیـة‏‎ ‎‏الشاملـة لمورد التخصیص . وأمّا بالنظر إلی الإرادة الجدّیـة المقصورة علی غیره‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 502
‏فیکون فی الحقیقـة تخصّصاً ، کما أنّ النسخ إنّما یکون نسخاً باعتبار ظهور الحکم‏‎ ‎‏فی الاستمرار ، وإلاّ ففی الحقیقـة لایکون نسخاً ؛ لأنّ مورده إنّما هو ما إذا انتهی‏‎ ‎‏أمد الحکم ، وإلاّ فلایجوز ، بل یستحیل .‏

وبالجملـة‏ : فاستعمال الرفع والتخصیص والنسخ إنّما هو باعتبار شمول‏‎ ‎‏الحکم المجعول قاعدة وقانوناً لموارد هذه الاُمور ، وإلاّ ففی الحقیقـة لایکون هنا‏‎ ‎‏رفع وتخصیص ونسخ ، بل دفع وتخصّص وانتهاء أمد . فظهر صحّـة استعمال الرفع‏‎ ‎‏فی المقام علی کلا التقدیرین ؛ وهما تقدیر إسناده إلی نفس العناوین ، کما هو‏‎ ‎‏الظاهر ، وتقدیر إسناده إلی الأحکام المترتّبـة علیها ، کما لایخفی .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 503

  • )) فوائد ا لاُصول (تقریرات ا لمحقّق ا لنائینی) ا لکاظمی 3 : 336 ـ 337 .
  • )) نفس ا لمصدر 4 : 222 .