ا‏لدلیل ا‏لثانی: ا‏لأخبار

الدلیل الثانی : الأخبار

‏ ‏

‏هذا ، وقد استدلّ علی حجّیـة خبر الواحد بالأخبار الکثیرة ، وتقریب‏‎ ‎‏الاستدلال بها ـ کما أفاده فی «الکفایـة» وتبعـه فی «الدرر» ـ أنّ هذه الأخبار وإن‏‎ ‎‏لم یکن متواترة لفظاً ومعنیً إلاّ أنّها متواترة إجمالاً ؛ ضرورة أنّـه یعلم إجمالاً‏‎ ‎‏بصدور بعضها منهم  ‏‏علیهم السلام‏‏ ، ومقتضی ذلک وإن کان حجّیـة خبر دلّ علی حجّیتـه‏‎ ‎‏أخصّها مضموناً إلاّ أنّـه یتعدّی عنـه فیما إذا کان بینها ما کان بهذه الخصوصیـة ،‏‎ ‎‏وقد دلّ علی حجّیـة ما کان أعمّ‏‎[1]‎‏ .‏

هذا‏ ‏، ولکن لایخفی‏ : أنّ ذلک مجرّد فرض ، وإلاّ فالظاهر أنّـه لایکون بین‏‎ ‎‏الأخبار ما کان جامعاً لشرائط الحجّیـة ، وکان مدلولـه حجّیـة خبر الواحد بنحو‏‎ ‎‏الإطلاق ، مضافاً إلی أنّ إثبات التواتر ـ ولو إجمالاً ـ مشکل ؛ لأنّ من شرط التواتر‏‎ ‎‏أن یکون متواتراً فی جمیع الطبقات ، مع أنّـه لیس الأمر فی المقام کذلک ؛ لأنّ هذه‏‎ ‎‏الأخبار کلّها مذکورة فی الجوامع الأربعـة للأعاظم الثلاثـة ، فینحصر الناقلون‏‎ ‎‏فیهم ، مع أنّ الواضح عدم ثبوت التواتر بقولهم . وأمّا غیرها من الجوامع فلم یثبت‏‎ ‎‏صحّـة إسنادها إلی مؤلّفیها علی نحو التواتر ، کالجوامع الأربعـة ، کما لایخفی .‏

‏هذا ، مضافاً إلی أنّ أخصّ تلک الأخبار مضموناً هو ما یدلّ علی إرجاع‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 483
‏السائل إلی زرارة فی تعلّم الأحکام ، وأخذ معالم الدین ، وهو یشتمل علی‏‎ ‎‏خصوصیتین : أحدهما کون من یؤخذ عنـه ذلک فقیهاً فی الدین کزرارة ، وثانیهما :‏‎ ‎‏أنّ الأخذ منـه إنّما هو من دون واسطـة .‏

ومن المعلوم‏ : أنّـه لایمکن إلغاء شیء من الخصوصیتین ، وإن کانت‏‎ ‎‏خصوصیـة کونـه زرارة ملغاة قطعاً .‏

‏هذا ، ویمکن تقریب الاستدلال بالإخبار لحجّیـة خبر الواحد بوجـه آخر ،‏‎ ‎‏وهو أن یقال : إنّـه لا إشکال فی ثبوت بناء العقلاء علی العمل بخبر الواحد فی‏‎ ‎‏الجملـة ـ لو لم نقل بثبوتـه علی العمل بـه مطلقاً ، کما سنحقّقـه ـ وحینئذٍ فنقول :‏‎ ‎‏یوجد فی تلک الأخبار الکثیرة ما یدلّ علی حجّیـة خبر الواحد مطلقاً ، فإنّـه یثبت‏‎ ‎‏ببناء العقلاء حجّیـة ذلک الخبر الذی مدلولـه هو حجّیـة الخبر مطلقاً ، ولایلزم‏‎ ‎‏الدور ، ولایحتاج إلی إثبات التواتر ، کما هو واضح .‏

‏وهذا الخبر هو ما رواه الکلینی عن محمّد بن عبداللّٰـه الحمیری ومحمّد بن‏‎ ‎‏یحیی جمیعاً عن عبداللّٰـه بن جعفر الحمیری عن أحمد بن إسحاق قال : سألت أبا‏‎ ‎‏محمّد ‏‏علیه السلام‏‏ ، وقلت : من اُعامل ، وعمّن آخذ ، وقول من أقبل ؟‏

‏فقال : ‏«العمری وابنـه ثقتان‏ ‏، فما أدّیا إلیک عنّی فعنّی یؤدّیان‏ ‏، وما قالا لک‎ ‎فعنّی یقولان‏ ‏، فاسمع لهما وأطعهما‏ ‏، فإنّهما الثقتان المأمونان‏ . . ‏‏ الحدیث‏‎[2]‎‏ .‏

‏فإنّـه لا إشکال فی کون مثل هذا السند العالی الذی یکون کلّ رواتـه مذکّی‏‎ ‎‏بتذکیـة عدلین ، بل عدول مورداً لبناء العقلاء قطعاً ، وحینئذٍ فیجب الأخذ بـه ، وبـه‏‎ ‎‏یثبت حجّیـة قول الثقـة المأمون مطلقاً ، کما لایخفی .‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 484

  • )) کفایـة ا لاُصول : 346 ـ 347 ، درر ا لفوائد ، ا لمحقّق ا لحائری : 392 .
  • )) ا لکافی 1 : 329 / 1 ، وسائل ا لشیعـة 27 : 138 ، کتاب ا لقضاء ، أبواب صفات ا لقاضی ، ا لباب 11 ، ا لحدیث 4 .