منها‏: آیة ا‏لنفر

منها : آیـة النفر

‏ ‏

‏ومن الآیات التی استدلّ بها علی حجّیـة خبر الواحد آیـة النفر : ‏‏«‏وَمٰا کانَ‎ ‎الْمُؤْمِنُونَ لِیَنْفِرُوا کٰافَّةً فَلَوْلاٰ نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لیَتَفَقَّهُوا فِی الدِّینِ‎ ‎وَلِیُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إذٰا رَجَعُوا إِلَیْهِمْ لَعَلَّهُمْ یَحْذَرُونَ‏»‏‎[1]‎‏ .‏

‏ولکن الاستدلال بها لذلک فی غایـة الضعف ؛ لأنّ المستفاد من لولا‏‎ ‎‏التحضیضیـة لیس وجوب أصل النفر ، بل المقصود بها بملاحظـة قولـه : ‏‏«‏وَمٰا‎ ‎کانَ الْمُؤْمِنُونَ لِیَنْفرُوا کٰافَّةً‏»‏‏ ، وبملاحظة الآیات التی قبل هذه الآیة هو نفی‏‎ ‎‏وجوب نفر المؤمنین کافّـة ، والنهی عن ذلک ، بمعنی أنّ مفاد لولا التحضیضیـة هو‏‎ ‎‏وجوب التفرقـة والتفکیک ؛ أی لایجوز للمؤمنین کافّـة النفر ، وإبقاء رسول‏‎ ‎‏اللّٰـه ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ وحده ، فلِمَ لایکون النافرون طائفـة خاصّـة من المؤمنین .‏

‏فالمراد من الآیـة بحسب الظاهر هو النهی عن النفر العمومی ، ولیس‏‎ ‎‏المقصود منها هو بیان أصل وجوب نفر طائفـة لغایـة التفقّـة . هذا ، مضافاً إلی أنّ‏‎ ‎‏کلمـة النفر کما یدلّ علیـه التأمّل فی سیاق الآیـة وفی موارد استعمالاتها فی‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 481
‏القرآن الکریم یکون المراد بها النفر للجهاد ، لا النفر للتفقّـة .‏

‏وعلیـه فیتعیّن أن یکون المراد من الآیـة هو تفقّـة النافرین بسبب ما یرونـه‏‎ ‎‏فی الجهاد من السفرة الإلهیـة والإمدادات الغیبیـة وقوّة الإیمان وإنذار القوم‏‎ ‎‏الذین هم الکفّار الموجودون فی المدینـة ، لعلّهم یحذرون ویدخلون فی دین‏‎ ‎‏اللّٰـه ، أو یصون الإسلام والمسلمون من شرورهم . ویؤیّد ذلک رجوع الضمیر فی‏‎ ‎‏«لیتفقّهوا» أو ما بعده إلی النافرین المذکورین فی الآیـة ، ولا وجـه للرجوع إلی‏‎ ‎‏المتخلّفین ، بعد عدم کونهم مذکورین ، وأیضاً لایناسب الإنذار والحذر بالإضافـة‏‎ ‎‏إلی المجاهدین ، أصلاً .‏

‏وإلی أنّ التفقّـه یحتمل أن یکون المراد بـه التفقّـه فی الاُصول‏‎ ‎‏الاعتقادیـة ، لا الأحکام الفرعیـة ، کما یشهد بذلک الروایات الکثیرة التی استدلّ‏‎ ‎‏فیها بالآیـة الشریفـة لأصل الإمامـة‏‎[2]‎‏ .‏

‏وعلی تقدیر أن یکون المراد بـه الأعمّ من التفقّـه فی الأحکام الفرعیـة‏‎ ‎‏فالظاهر أنّ المراد بقولـه «لینذروا» هو إنذار کلّ واحد من المتفقّهین النافرین أو‏‎ ‎‏المتخلّفین ـ علی اختلاف التفسیرین ـ جمیع قومهم ، وحینئذٍ فلایدلّ علی وجوب‏‎ ‎‏تصدیق کلّ واحد من المنذرین ، وعلی تقدیر وجوب تصدیقـه ینحصر ذلک‏‎ ‎‏بالمتفقّـه المنذر ، لا کلّ من تحمّل الحدیث ، وإن لم یکن فقیهاً .‏

‏هذا کلّـه ، مضافاً إلی المنع من کون الحذر واجباً ، وعلی تقدیر وجوبـه لا‏‎ ‎‏دلیل علی کون المراد بالحذر هو الحذر العملی الراجع إلی العمل بقول المنذر ، بل‏‎ ‎‏الظاهر هو التحذّر القلبی والخوف والخشیـة ، فیکون المقصود لینذروا قومهم‏‎ ‎‏بالموعظـة والإیعاد ، حتّی یخافوا من عذاب اللّٰـه ، ویعملوا بوظائفهم .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 482
‏وکیف کان فالآیـة الشریفـة بعیدة عن الدلالـة علی حجّیـة خبر الواحد‏‎ ‎‏بمراحل . وممّا ذکرنا یظهر الخلل فیما أفاده المحقّق النائینی علی ما فی تقریراتـه‏‎ ‎‏فی تقریب دلالـة الآیـة علی حجّیـة خبر الواحد‏‎[3]‎‏ ، فراجع .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 483

  • )) ا لتوبـة (9) : 122 .
  • )) ا لکافی 1 : 378 ـ 380 / 1 ـ 3 .
  • )) فوائد ا لاُصول (تقریرات ا لمحقّق ا لنائینی) ا لکاظمی 3 : 185 .