ا‏لإشکالات ا‏لعامّـة

وأمّا الإشکالات العامّـة

 

فمنها‏ : أنّ مفهوم الآیـة لو دلّ علی حجّیـة خبر العادل لدلّ علی حجّیـة‏‎ ‎‏الإجماع الذی ادعاه السیّد وأتباعـه علی عدم حجّیـة خبر العادل أیضاً ؛ لأنّهم‏‎ ‎‏عدول أخبروا بحکم الإمام ‏‏علیه السلام‏‏ بعدم حجّیـة خبر الواحد ، فیلزم من حجّیـة الخبر‏‎ ‎‏عدم حجّیتـه ، وما یلزم من وجوده العدم فهو محال‏‎[1]‎‏ .‏

‏هذا ، ولکن هذا الإشکال یندفع بملاحظـة ما ذکرنا فی الإجماع المنقول من‏‎ ‎‏عدم حجّیـة الإخبار عن حدس ، ومن المعلوم أنّ ادعاء الإجماع مبنی علی‏‎ ‎‏الحدس ، کما عرفت .‏

واُجیب عنـه بوجوه اُخر :

أحدها‏ : أنّ ذلک معارض بقول السیّد ، فإنّ حجّیتـه یستلزم عدم حجّیتـه ،‏‎ ‎‏وما یلزم من وجوده العدم فهو محال ، فلایکون قول السیّد بحجّـة‏‎[2]‎‏ . ولکن یمکن‏‎ ‎‏أن یقال : بأنّ المحال إنّما یلزم من شمول خبر السیّد لنفسـه ، وهو یوجب عدم‏‎ ‎‏الشمول ، ولکنّـه معارض بأنّ حجّیـة الخبر الواحد لایستلزم المحال ، بل المحال‏‎ ‎‏یلزم من شمول أدلّـة حجّیـة خبر الواحد لخبر السیّد ، وهو یوجب عدم شمولها‏‎ ‎‏لـه ، فیرتفع الإشکال .‏

ثانیها‏ : أنّ الأمر یدور بین دخولـه وخروج ما عداه وبین العکس ، ولاریب‏‎ ‎‏أنّ الثانی متعیّن ، لا لمجرّد قبح انتهاء التخصیص إلی الواحد ، بل لأنّ المقصود من‏‎ ‎‏جعل الحجّیـة ینحصر فی بیان عدم الحجّیـة ، ولاریب أنّ التعبیر عن هذا المقصود‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 473
‏بما یدلّ علی عموم حجّیـة خبر العادل قبیح فی الغایـة‏‎[3]‎‏ .‏

‏وأورد علی ذلک المحقّق الخراسانی فی «التعلیقـة» بمنع لزوم ما هو قبیح‏‎ ‎‏فی الغایـة ؛ لأنّـه من الممکن جدّاً أن یکون المراد من الآیـة واقعاً هو حجّیـة خبر‏‎ ‎‏العادل مطلقاً إلی زمان خبر السیّد بعدم حجّیتـه ، کما هو قضیـة ظهورها ، من دون‏‎ ‎‏أن یزاحمـه شیء قبلـه وعدم حجّیتـه بعده ، کما هو قضیّتـه ؛ لمزاحمـة عمومها‏‎ ‎‏لسائر الأفراد ، وبعد شمول العموم لـه أیضاً .‏

‏ومن الواضح : أنّ مثل هذا لیس بقبیح أصلاً ، فإنّـه لیس إلاّ من باب بیان‏‎ ‎‏إظهار انتهاء حکم العامّ فی زمان بتعمیمـه ؛ بحیث یعمّ فرداً ینافی ویناقض الحکم‏‎ ‎‏سائر الأفراد . ولایوجد إلاّ فی ذاک الزمان ؛ حیث إنّـه لیس إلاّ نحو تقیید . لکن‏‎ ‎‏الإجماع قائم علی عدم الفصل‏‎[4]‎‏ ، انتهی موضع الحاجـة .‏

‏ولکن لایخفی : أنّ دعوی السیّد الإجماع لو کانت حجّـة بمقتضی شمول‏‎ ‎‏أدلّـة حجّیـة خبر العدل لکان مقتضاها عدم حجّیـة خبر الواحد من زمن‏‎ ‎‏النبی ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ ، فیعود حینئذٍ محذور الاستهجان ، کما هو واضح .‏

ثالثها‏ : ما ذکره المحقّق العراقی ـ علی ما فی تقریرات بحثـه ـ : من أنّ هذا‏‎ ‎‏الإشکال مدفوع أوّلاً : بأنّـه من المستحیل شمول دلیل الحجّیـة لمثل خبر السیّد‏‎ ‎‏الحاکی عن عدمها ؛ من جهـة استلزام شمول الإطلاق لمرتبـة الشکّ بمضمون‏‎ ‎‏نفسـه ، فإنّ التعبّد بإخبار السیّد بعدم حجّیـة خبر الواحد إنّما کان فی ظرف الشکّ‏‎ ‎‏فی الحجّیـة واللاحجّیـة ، ومن المعلوم استحالـة شمول إطلاق مفهوم الآیـة‏‎ ‎‏وغیره من الأدلّـة لمرتبـة الشکّ فی نفسـه . بل علی هذا یمکن أن یقال بعدم‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 474
‏شمولـه لمثل خبر الشیخ ، الحاکی عن الحجّیـة ، فإنّ مناط الاستحالـة جارٍ فی‏‎ ‎‏کلیهما ، ولایختصّ بالخبر الحاکی عن عدم الحجّیـة .‏

‏وثانیاً : أنّـه بعد شمول أدلّـة الحجّیـة لما عدا خبر السیّد من سائر الأخبار‏‎ ‎‏لایبقی مجال لشمولها لـه ؛ لأنّ القطع بحجّیتها ملازم لانتفاء الشکّ فی مطابقـة‏‎ ‎‏مضمون خبر السیّد للواقع وعدمها ، فیخرج بذلک عن عموم أدلّـة حجّیـة الخبر ،‏‎ ‎‏فیصیر عدم شمول الأدلّـة لمثل خبر السیّد من باب التخصّص لانتفاء الشکّ فی‏‎ ‎‏مطابقـة مؤدّاه للواقع ، وهذا بخلاف ما لو شملت الأدلّـة لخبر السیّد ؛ إذ علیـه یلزم‏‎ ‎‏کون خروج ما عداه من سائر الأخبار من باب التخصیص ؛ لتحقّق الموضوع فیها ،‏‎ ‎‏وهو الشکّ فی المطابقـة وجداناً . ومن المعلوم أنّـه مع الدوران بین التخصّص‏‎ ‎‏والتخصیص یتعیّن الأوّل .‏

لایقال‏ : کیف ، ولازم شمول الأدلّـة لمثل خبر السیّد أیضاً هو القطع بعدم‏‎ ‎‏حجّیـة ما عداه ، فیلزم أن یکون خروج ما عداه أیضاً من باب التخصّص لا‏‎ ‎‏التخصیص .‏

فإنّـه یقال‏ : إنّ المدار فی التعبّد بکلّ أمارة إنّما هو الشکّ فی مطابقـة‏‎ ‎‏مضمونـه ومؤدّاه للواقع ، ومؤدّیات ما عدا خبر السیّد لایکون حجّیـة خبر الواحد ؛‏‎ ‎‏کی یقطع بعدم الحجّیـة بسبب شمول أدلّـة الاعتبار لخبر السیّد الحاکی عن عدم‏‎ ‎‏الحجّیـة ، بل وإنّما مؤدّیات ما عداه عبارة عن وجوب الأمر الفلانی أو حرمـة کذا‏‎ ‎‏واقعاً ، ولاریب فی بقاء الشکّ فی المطابقـة ، ولو علی تقدیر القطع بحجّیـة خبر‏‎ ‎‏السیّد ، فیشملها أدلّـة الاعتبار ، فلایکون رفع الید عنها بمقتضی اعتبار خبر السیّد‏‎ ‎‏إلاّ من باب التخصیص‏‎[5]‎‏ ، انتهی ملخّصاً .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 475
أقول‏ : أمّا ما أفاده أوّلاً فیرد علیـه : ما نبّهنا علیـه فی مبحث القطع من أنّ ما‏‎ ‎‏اشتهر بینهم من تأخّر الشکّ فی الشیء عن ذلک الشیء ، وتوقّفـه علی تحقّقـه ممّا‏‎ ‎‏لایتمّ أصلاً ، کیف ولازم ذلک انقلاب الشکّ إذا وجد علماً ؛ إذ علی الفرض لایتحقّق‏‎ ‎‏بدون ثبوت المشکوک ، فمع العلم بذلک ینقلب الشکّ علماً ، کما هو واضح . فما‏‎ ‎‏ذکره من استحالـة شمول إطلاق مفهوم الآیـة لمرتبـة الشکّ فی نفسـه ممّا لا‏‎ ‎‏نعرف لها وجهاً أصلاً .‏

‏وأمّا ما أفاده ثانیاً فیرد علیـه : أنّ شمول أدلّـة الحجّیـة لما عدا خبر السیّد‏‎ ‎‏إنّما هو فیما إذا کان حجّیتـه مشکوکـة ؛ إذ لا معنی لشمولها لـه مع القطع بعدم‏‎ ‎‏الحجّیـة ، وحینئذٍ نقول : کما أنّ شمولها لـه مستلزم لخروج خبر السیّد من باب‏‎ ‎‏التخصّص ؛ إذ لایبقی حینئذٍ شکّ فی حجّیتـه ولا حجّیتـه حتّی تشملـه أدلّـة‏‎ ‎‏الحجّیـة ، کذلک شمول الأدلّـة لخبر السیّد موجب لخروج ما عداه من الأخبار عن‏‎ ‎‏تحتها من باب التخصّص ؛ إذ لایبقی مع شمولها لخبر السیّد شکّ فی حجّیـة ما عداه‏‎ ‎‏وعدم حجّیتـه ، والملاک فی الشمول هو الشکّ فی الحجّیـة ، لا مطابقـة مضمونـه‏‎ ‎‏للواقع وعدمها ، فما ذکره من دوران الأمر بین التخصیص والتخصّص ممّا لا وجـه‏‎ ‎‏لـه أصلاً ، کما هو أظهر من أن یخفی .‏

ومن الإشکالات العامّـة‏ : إشکال شمول أدلّـة الحجّیـة للأخبار الحاکیـة‏‎ ‎‏لقول الإمام ‏‏علیه السلام‏‏ بواسطـة أو وسائط ، کإخبار الشیخ عن المفید عن الصدوق عن‏‎ ‎‏الصفّار عن العسکری ‏‏علیه السلام‏‏ .‏

‏ویمکن تقریب هذا الإشکال من وجوه‏‎[6]‎‏ :‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 476
الأوّل‏ : دعوی انصراف الأدلّـة عن الإخبار بالواسطـة .‏

الثانی‏ : أنّـه لابدّ أن یکون للمخبر بـه أثر شرعی ، حتّی یصحّ بلحاظـه‏‎ ‎‏التعبّد بـه ، ولیس للمخبر بـه فی المقام هذا الأثر ، فإنّ المخبر بـه بخبر الشیخ هو‏‎ ‎‏قول المفید ، ولا أثر شرعی لقولـه أصلاً .‏

الثالث‏ : دعوی أنّ الحکم بتصدیق العادل مثبت لأصل إخبار الوسائط ، مع‏‎ ‎‏أنّ خبرهم یکون موضوعاً لهذا الحکم ، فلابدّ وأن یکون الخبر فی المرتبـة‏‎ ‎‏السابقـة محرزاً بالوجدان أو بالتعبّد ؛ لیحکم علیـه بوجوب تصدیقـه ؛ لأنّ نسبـة‏‎ ‎‏الموضوع إلی الحکم نسبـة المعروض إلی العرض ، فلایعقل أن یکون الحکم‏‎ ‎‏موجداً لموضوعـه ؛ لاستلزامـه الدور المحال .‏

الرابع‏ : أنّـه یلزم أن یکون الأثر الذی بلحاظـه وجب تصدیق العادل نفس‏‎ ‎‏تصدیقـه ، من دون أن یکون فی البین أثر آخر کان وجوب التصدیق بلحاظـه ،‏‎ ‎‏ولایعقل أن یکون الحکم بوجوب التصدیق بلحاظ نفسـه .‏

هذا‏ ‏، والجواب عن الأوّل‏ : منع الانصراف ، ولو قیل بأنّ العمدة فی هذا‏‎ ‎‏الباب هو بناء العقلاء علی العمل بخبر الواحد ، ولابدّ من إحرازه فی الإخبار مع‏‎ ‎‏الوسائط ، ومن المعلوم عدم إحرازه ، لو لم نقل بثبوت عدمـه من جهـة أنّا نری‏‎ ‎‏بالوجدان عدم اعتنائهم بالإخبار مع الوسائط الکثیرة التی بلغت إلی عشرة أو‏‎ ‎‏أزید مثلاً . فیشکل الأمر فی الأخبار المأثورة عن الأئمّـة  ‏‏علیهم السلام‏‏ ؛ لاشتمالها علی‏‎ ‎‏الوسائط الکثیرة بالنسبـة إلینا .‏

‏فنقول : إنّ الواسطـة فی تلک الأخبار قلیلـة ؛ لأنّ الواسطـة إنّما هو بین‏‎ ‎‏الشیخ والکلینی والصدوق وبین الإمام ‏‏علیه السلام‏‏ ، ومن الواضح قلّتها ؛ بحیث لایتجاوز‏‎ ‎‏عن خمس أو ستّ ، وأمّا الواسطـة بیننا وبینهم فلایحتاج إلیها بعد تواتر کتبهم ،‏‎ ‎‏ووضوح صحّـة انتسابها إلیهم ، کما لایخفی .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 477
واُجیب عن الوجـه الثالث‏ : بأنّ المستحیل إنّما هو إثبات الحکم موضوع‏‎ ‎‏شخصـه ، لا إثبات موضوع لحکم آخر ، فإنّ هذا بمکان من الإمکان ، والمقام‏‎ ‎‏یکون من هذا القبیل ، فإنّ الذی یثبت بوجوب تصدیق الشیخ إنّما هو خبر المفید ،‏‎ ‎‏وإذا ثبت خبر المفید بوجوب تصدیق الشیخ یعرض علیـه وجوب التصدیق أیضاً ،‏‎ ‎‏وهکذا‏‎[7]‎‏ .‏

وعن الوجـه الرابع تارة‏ : بما فی تقریرات المحقّق النائینی من أنّ هذا‏‎ ‎‏الإشکال إنّما یتوجّـه بناءً علی أن یکون المجعول فی باب الأمارات منشأ انتزاع‏‎ ‎‏الحجّیـة ، أمّا بناءً علی ما هو المختار من أنّ المجعول فی باب الطرق والأمارات‏‎ ‎‏نفس الکاشفیـة والوسطیـة فی الإثبات فلا إشکال حتّی نحتاج إلی التفصّی عنـه ،‏‎ ‎‏فإنّـه لایلزم شیء ممّا ذکر ؛ لأنّ المجعول فی جمیع السلسلـة هو الطریقیـة إلی ما‏‎ ‎‏تؤدّی إلیـه أیّ شیء کان المؤدّی ، فقول الشیخ طریق إلی قول المفید ، وقول‏‎ ‎‏المفید طریق إلی قول الصدوق ، وهکذا إلی أن ینتهی إلی قول زرارة الحاکی لقول‏‎ ‎‏الإمام ‏‏علیه السلام‏‎[8]‎‏ .‏

واُخری‏ : بما فی تقریرات المحقّق العراقی ممّا حاصلـه : أنّ دلیل الاعتبار ـ‏‎ ‎‏وهو قولـه «صدّق العادل» مثلاً ـ وإن کان بحسب الصورة قضیـة واحدة ، ولکنّها‏‎ ‎‏تنحلّ إلی قضایا متعدّدة حسب تعدّد حصص الطبیعی بتعدّد الأفراد ، وبعد فرض‏‎ ‎‏انتهاء سلسلـة سند الروایـة إلی الحاکی لقول الإمام ‏‏علیه السلام‏‏ ، وشمول دلیل وجوب‏‎ ‎‏التصدیق لـه ؛ لکون المخبر بـه فی خبره حکماً شرعیاً تصیر بقیـة الوسائط ذات‏‎ ‎‏أثر شرعی ، فیشملها دلیل وجوب التصدیق ؛ إذ حینئذٍ یصیر وجوب التصدیق‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 478
‏المترتّب علی مثل قول الصفّار الحاکی لقول الإمام ‏‏علیه السلام‏‏ أثراً شرعیاً لـه ، وهکذا‏‎ ‎‏إلی منتهی الوسائط . فکان کلّ لاحق مخبراً عن موضوع ذی أثر شرعی‏‎[9]‎‏ .‏

وثالثـة‏ : بما أفاده المحقّق المعاصر فی کتاب «الدرر» ممّا حاصلـه : أنّ‏‎ ‎‏وجوب تصدیق العادل فیما أخبره لیس من قبیل الحکم المجعول للشکّ تعبّداً ، بل‏‎ ‎‏مفاده جعل الخبر ؛ من حیث إنّـه مفید للظنّ النوعی طریقاً إلی الواقع ، وعلیـه لو‏‎ ‎‏أخبر العادل بشیء یکون ملازماً لشیء لـه أثر شرعاً ؛ إمّا عادة أو عقلاً أو بحسب‏‎ ‎‏العلم نأخذ بـه ، ونرتّب علی لازم المخبر بـه الأثر الشرعی المرتّب علیـه .‏

والسرّ فی ذلک‏ : أنّ الطریق إلی أحد المتلازمین طریق إلی الآخر ، وحینئذٍ‏‎ ‎‏نقول یکفی فی حجّیـة خبر العادل انتهاؤه إلی أثر شرعی ، ولایلزم أن تکون‏‎ ‎‏الملازمـة عادیـة أو عقلیـة ، ویکفی ثبوت الملازمـة الجعلیـة ، بمعنی أنّ الشارع‏‎ ‎‏جعل الملازمـة النوعیـة الواقعیـة بین إخبار العادل ، وتحقّق المخبر بـه بمنزلـة‏‎ ‎‏الملازمـة القطعیـة ، ولا تکون قضیـة «صدّق العادل» ناظرة إلی هذه الملازمـة ،‏‎ ‎‏کما لاتکون ناظرة إلی الملازمـة العقلیـة والعادیـة ، بل یکفی فی ثبوت هذا‏‎ ‎‏الحکم ثبوت الملازمـة فی نفس الأمر ، حتّی تکون منتجـة للحکم الشرعی‏‎ ‎‏العملی‏‎[10]‎‏ ، انتهی .‏

هذا‏ ‏، ویرد علی الجواب الأوّل‏ : أنّ جعل الطریقیـة لابدّ وأن یکون بلحاظ‏‎ ‎‏الأثر الشرعی المترتّب علی ما أدّی إلیـه الطریق ، وإلاّ فلایجوز جعل الطریقیـة‏‎ ‎‏مع عدم ترتّب الأثر الشرعی علی المؤدّی ، والمفروض فی المقام أنّ ما أدّی إلیـه‏‎ ‎‏الطریق هو قول المفید ، وهو لایکون موضوعاً لشیء من الآثار الشرعیـة ، بناءً‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 479
‏علی جعل الوسطیـة والکاشفیـة ، کما هو واضح .‏

وعلی الجواب الثانی‏ : أنّ ما ذکره من شمول دلیل وجوب التصدیق لقول‏‎ ‎‏الراوی الذی یحکی لقول الإمام ‏‏علیه السلام‏‏ لکون المخبر بـه فی خبره حکماً شرعیاً إنّما‏‎ ‎‏یتمّ لو ثبت خبره ، والکلام إنّما هو فیـه ؛ إذ المفروض أنّ خبره لم یثبت وجداناً ،‏‎ ‎‏فمن أین یشمل لـه دلیل وجوب التصدیق ؟ !‏

‏وبالجملـة : ففرض الکلام من صدر السلسلـة إنّما یصحّ لو ثبت أنّ الراوی‏‎ ‎‏الذی وقع فی صدرها أخبر من بعده بتحدیث الإمام ‏‏علیه السلام‏‏ لـه ، والکلام إنّما هو فی‏‎ ‎‏ثبوتـه ، کما لایخفی .‏

وعلی الجواب الثالث‏ ـ مضافاً إلی أنّـه لم یدلّ دلیل علی الملازمـة التی‏‎ ‎‏ادعاها ـ : أنّ المخبر بـه ، وهو قول المفید فی المثال لایکون مترتّباً علیـه الأثر‏‎ ‎‏الشرعی ، حتّی یجب تصدیق الشیخ فیما أخبره بلحاظ ذلک الأثر . وتوهّم أنّ قول‏‎ ‎‏المفید یترتّب علیـه بعض الآثار ، وهو صحّـة النسبـة إلیـه ، وعدم کون إسناده‏‎ ‎‏إلیـه من القول بغیر العلم ، فلا مانع من أن یکون وجوب التصدیق بلحاظ ذلک‏‎ ‎‏الأثر ، مدفوع بأنّ قول المفید بلحاظ هذا الأثر إنّما یکون من الموضوعات‏‎ ‎‏الخارجیـة التی لاتثبت إلاّ بالبیّنـة ، ولایکفی فیـه قول العادل الواحد ، کما هو‏‎ ‎‏واضح .‏

والتحقیق فی هذا المقام‏ ـ بعد عدم رفع الإشکال بما ذکره الأعلام ، کما‏‎ ‎‏عرفت ـ أن یقال : إنّ أصل الإشکال ، وکذا الجوابات کلّها من الاُمور العقلیـة‏‎ ‎‏الخارجـة عن فهم العرف ، الذی هو الملاک والمرجع فی معنی الآیـة ونظائرها‏‎ ‎‏من الأدلّـة ، فإنّـه لاشکّ فی أنّـه لو ألقی علیهم هذا الکلام ، وهو حجّیـة قول‏‎ ‎‏العادل ، ووجوب تصدیقـه فیما أخبره لایفهمون من ذلک الفرق بین الإخبار بلا‏‎ ‎‏واسطـة أو معها ، ولاینظرون فی الإخبار مع الواسطـة إلی الوسائط أصلاً ، بل‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 480
‏یقولون فی المثال بأنّ العادل أخبر بأنّ الإمام ‏‏علیه السلام‏‏ قال کذا أو فعل کذا ، وإن کان‏‎ ‎‏العادل الذی وقع فی منتهی السلسلـة لم یخبر بقول الإمام ‏‏علیه السلام‏‏ ، بل المخبر بـه‏‎ ‎‏بخبره هو إخبار العادل الذی حدّثـه .‏

‏ومن هنا یعلم : أنّ المخبر بـه بخبر هذا العادل وإن کان من الموضوعات ،‏‎ ‎‏ولایکفی فی ثبوتها إلاّ البیّنـة إلاّ أنّـه حیث لایکون فی نظر العرف منظوراً مستقلاًّ ،‏‎ ‎‏بل منظوراً آلیّاً فیکفی فی ثبوتـه إخبار عادل واحد .‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 481

  • )) اُنظر فرائد الاُصول 1 : 121 .
  • )) نفس المصدر .
  • )) فرائد الاُصول 1 : 121 ـ 122 .
  • )) درر الفوائد ، المحقّق الخراسانی : 110 .
  • )) نهایـة الأفکار 3 : 118 .
  • )) فرائدالاُصول 1 : 122 ، فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی3 : 177 ـ 179 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3 : 179 .
  • )) نفس المصدر 3 : 180 .
  • )) نهایـة الأفکار 3 : 124 .
  • )) درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 388 .