منها‏: آیة ا‏لنبأ

منها : آیـة النبأ

‏ ‏

‏قال اللّٰـه تبارک وتعالی : ‏‏«‏إنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَیَّنُوا‏ . . .‏‏»‏‎[1]‎‏ ویمکن‏‎ ‎‏تقریب الاستدلال بها بوجوه :‏

الأوّل‏ : من جهـة مفهوم الشرط ، وأنّ تعلیق الحکم بإیجاب التبیّن علی کون‏‎ ‎‏الجائی بالخبر فاسقاً یدلّ علی انتفاء الوجوب عند عدم الشرط .‏

الثانی‏ : من جهـة مفهوم الوصف وأنّ وجوب التبیّن إنّما جعل محمولاً علی‏‎ ‎‏خبر الفاسق ؛ فینتفی عند انتفائـه .‏

الثالث‏ : من جهـة مناسبـة الحکم والموضوع ، فإنّ وجوب التبیّن إنّما‏‎ ‎‏یناسب مع کون الجائی بالخبر فاسقاً .‏

الرابع‏ : من جهـة ذکر الفاسق فی الموضوع ، فإنّـه مرکّب من الخبر ومن‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 465
‏کون الجائی بـه فاسقاً ، وهو یدلّ علی مدخلیـة ذلک فی ترتّب المحمول ، وإلاّ‏‎ ‎‏لکان ذکره لغواً ، کما هو واضح .‏

هذا‏ ‏، ویرد علی الاستدلال بالآیـة من جهـة مفهوم الشرط‏ : أنّـه ـ علی‏‎ ‎‏تقدیر تسلیم ثبوت المفهوم لمطلق القضایا الشرطیـة وللآیـة بالخصوص ـ أنّ‏‎ ‎‏ماجعل فی الآیـة جزاءً لمجیء الفاسق بالنبأ بحسب الظاهر لایناسب مع الشرط ،‏‎ ‎‏ولا ارتباط بینهما ، فلابدّ أن یکون الجزاء أمراً آخر محذوفاً یدلّ علیـه المذکور .‏

توضیح ذلک‏ : أنّ التبیّن عبارة عن التفحّص والتحقیق لیظهرالأمر ویتبیّن ،‏‎ ‎‏ومن الواضح أنّ التبیّن عند مجیء الفاسق بالخبر لایوجب العمل بخبر الفاسق ،‏‎ ‎‏من حیث مجیئـه بـه ، بل یکون العمل حینئذٍ علی طبق ما یتبیّن ، بلا مدخلیـة إتیان‏‎ ‎‏الفاسق بـه .‏

‏وبالجملـة : فوجوب التبیّن والعمل علی طبقـه ممّا لا ارتباط لـه بمجیء‏‎ ‎‏الفاسق بالخبر ، فاللازم أن یکون الجزاء هو عدم الاعتناء بخبره وعدم الاعتماد‏‎ ‎‏بقولـه ، فمنطوق الآیـة حینئذٍ عبارة عن أنّـه لو جاءکم فاسق بنبأ فتوقّفوا ، ولا‏‎ ‎‏ترتّبوا علیـه الأثر أصلاً . وحینئذٍ فالحکم فی المفهوم إنّما هو نفی التوقّف‏‎ ‎‏والإطراح بالکلّیـة ، وهو لایثبت أزید من ترتیب الأثر علی قول العادل فی‏‎ ‎‏الجملـة ، الغیر المنافی مع اشتراط عدل آخر ، کما لایخفی .‏

‏هذا ، ویؤیّد ما ذکرنا : أنّ المنقول عن بعض القرّاء هو «تثبّتوا» موضع‏‎ ‎‏«تبیّنوا»‏‎[2]‎‏ ، والتثبّت التوقّف ، فتدبّر .‏

‏هذا کلّـه علی تقدیر تسلیم ثبوت المفهوم للآیـة ، مع أنّ لنا المنع منـه ، کما‏‎ ‎‏أفاده الشیخ المحقّق الأنصاری فی «الرسالـة» ، ومحصّلـه : أنّ الجزاء هو وجوب‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 466
‏التبیّن عن الخبر الذی جاء بـه الفاسق لا مطلق الخبر ، کما هو واضح ، ومن‏‎ ‎‏المعلوم انتفاء ذلک عند انتفاء الشرط ، وهو مجیء الفاسق بالخبر ؛ لانتفاء الحکم‏‎ ‎‏بانتفاء موضوعـه ؛ إذ لایعقل التبیّن عن خبر الفاسق مع عدم مجیئـه بـه . وحینئذٍ‏‎ ‎‏فالقضیـة السالبـة المفهومیـة إنّما هی سالبـة بانتفاء الموضوع ، فتکون الجملـة‏‎ ‎‏الشرطیـة مسوقـة لبیان تحقّق الموضوع ، کما فی قول القائل : «إن رزقت ولداً‏‎ ‎‏فاختنـه» ونظائر هذا المثال‏‎[3]‎‏ .‏

وهنا تقریبات لبیان ثبوت المفهوم للآیـة :

أحدها‏ : ما أفاده فی «الکفایـة» : أنّ الشرط هو کون الجائی بالخبر فاسقاً ،‏‎ ‎‏والموضوع المفروض هو نفس النبأ المتحقّق ، فمرجع الآیـة إلی أنّ النبأ إن کان‏‎ ‎‏الجائی بـه فاسقاً ، فیجب التبیّن ، ومفهومـه أنّـه إن لم یکن الجائی بـه فاسقاً‏‎ ‎‏فینتفی وجوب التبیّن ، وهو لایصدق إلاّ مع مجیء العادل بـه‏‎[4]‎‏ .‏

‏هذا ، ویرد علیـه : أنّ هذا تصرّف فی الآیـة ، وحمل لها علی غیر المعنی‏‎ ‎‏الظاهر بلا دلیل .‏

ثانیها‏ ‏‏ما أفاده المحقّق العراقی ـ علی ما فی تقریرات بحثـه ـ وملخّصـه :‏‎ ‎‏أنّـه لاشبهـة فی أنّ استخراج المفهوم من القضایا یحتاج إلی تجرید الموضوع‏‎ ‎‏المذکور فی المنطوق فی ناحیـة المفهوم من القیود التی اُرید استخراج المفهوم من‏‎ ‎‏جهتها ، وحینئذٍ فنقول : إنّ المحتملات المتصوّرة فی الشرط فی الآیـة ثلاثـة :‏

منها‏ : کون الشرط فیها نفس المجیء خاصّـة مجرّداً عن متعلّقاتـه ، وعلیـه‏‎ ‎‏یتمّ ما أفاده الشیخ من انحصار المفهوم فیها بالسالبـة بانتفاء الموضوع ، فإنّ لازم‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 467
‏الاقتصار علی التجرید علی خصوص المجیء هو حفظ إضافـة الفسق فی ناحیـة‏‎ ‎‏الموضوع بجعلـه عبارة عن النبأ المضاف إلی الفاسق .‏

ومنها‏ : کون الشرط هو المجیء مع متعلّقاتـه ، ولازمـه هو کون الموضوع‏‎ ‎‏نفس النبأ ، مجرّداً عن إضافتـه إلی الفاسق أیضاً ، وعلیـه یکون للآیـة مفهومان :‏‎ ‎‏أحدهما السالبـة بانتفاء الموضوع ، وثانیهما السالبـة بانتفاء المحمول .‏

ومنها‏ : کون الشرط عبارة عن الربط الحاصل بین المجیء والفاسق الذی‏‎ ‎‏هو مفاد کان الناقصـة ، ولازمـه هو الاقتصار فی التجرید علی خصوص ما جعل‏‎ ‎‏شرطاً ؛ أعنی الإضافـة الحاصلـة بین المجیء والفاسق ، وینحصر المفهوم فیـه‏‎ ‎‏بالسالبـة بانتفاء المحمول .‏

‏هذا ، ولکن الأخیر من هذه الوجوه الثلاثـة فی غایـة البعد ؛ لظهور الجملـة‏‎ ‎‏الشرطیـة فی الآیـة فی کون الشرط هو المجیء ، أو مع إضافتـه إلی الفاسق ، لا‏‎ ‎‏الربط الحاصل بین المجیء والفاسق بما هو مفاد کان الناقصـة مع خروج نفس‏‎ ‎‏المجیء عن الشرطیـة ؛ کی یلزمـه ما ذکر من کون الموضوع فیها هو النبأ المجیء‏‎ ‎‏بـه ، کما أفاده فی «الکفایـة» .‏

‏ویتلوه فی البعد الوجـه الأوّل ، فإنّ ذلک أیضاً ینافی ظهور الآیـة‏‎ ‎‏المبارکـة ، فإنّ المتبادر المنساق منها عرفاً کون الشرط هو المجیء بما هو مضاف‏‎ ‎‏إلی الفاسق ، نظیر قولـه «إن جاءَک زید بفاکهـة یجب تناولها» ، وعلیـه فکما یجب‏‎ ‎‏تجرید الموضوع فی الآیـة عن إضافتـه إلی المجیء کذلک یجب تجریده عن‏‎ ‎‏متعلّقاتـه ، فیکون الموضوع نفس طبیعـة النبأ ، لا النبأ الخاصّ المضاف إلی‏‎ ‎‏الفاسق ، ولازمـه جواز التمسّک بإطلاق المفهوم فی الآیـة ؛ لعدم انحصاره حینئذٍ‏‎ ‎‏فی السالبـة بانتفاء الموضوع‏‎[5]‎‏ ، انتهی .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 468
ثالثها‏ : ما فی تقریرات المحقّق النائینی ، وملخّصـه : أنّـه یمکن استظهار‏‎ ‎‏کون الموضوع فی الآیـة مطلق النبأ ، والشرط هو مجیء الفاسق بـه من مورد‏‎ ‎‏النزول‏‎[6]‎‏ ، فإنّ موردها إخبار الولید بارتداد بنی المصطلق ، فقد أجتمع فی إخباره‏‎ ‎‏عنوانان : کونـه من الخبر الواحد ، وکون المخبر فاسقاً ، والآیـة الشریفـة إنّما‏‎ ‎‏وردت لإفادة کبری کلّیـة لتمییز الأخبار التی یجب التبیّن عنها عن غیرها ، وقد‏‎ ‎‏علّق وجوب التبیّن علی کون المخبر فاسقاً ، فیکون الشرط لوجوب التبیّن هو‏‎ ‎‏کون المخبر فاسقاً ، لا کون الخبر واحداً ؛ إذ لو کان الشرط ذلک لعلّق وجوب‏‎ ‎‏التبیّن فی الآیـة علیـه ؛ لأنّـه بإطلاقـه شامل لخبر الفاسق . فجعل الشرط خبر‏‎ ‎‏الفاسق کاشف عن انتفاء التبیّن فی خبر غیر الفاسق‏‎[7]‎‏ ، انتهی .‏

رابعها‏ : تقریب آخر أفاده الاُستاذ‏‎[8]‎‏ ، وهو أنّـه لا فرق فی شمول العامّ‏‎ ‎‏لأفراده بین کونها أفراداً ذاتیـة لـه أو عرضیـة ، إذا کانت شمولـه للثانیـة بنظر‏‎ ‎‏العرف حقیقـة ، فکما أنّ الأبیض صادق علی نفس البیاض ذاتاً کذلک صادق علی‏‎ ‎‏الجسم المتصف بـه ، مع أنّ صدقـه علیـه عرضی عند العقل . وحینئذٍ نقول : إنّ‏‎ ‎‏لعدم مجیء الفاسق بالخبر فرد ذاتی ، هو عدم تحقّق الخبر أصلاً ، وأفراد عرضیـة‏‎ ‎‏هی مجیء العادل بـه ، فکما یشمل العامّ الذی هو مفهوم الآیـة الفرد الذاتی کذلک‏‎ ‎‏یشمل الفرد العرضی أیضاً .‏

‏هذا ، ویرد علی الأخیر ثبوت الفرق بین المثال والممثّل ، فإنّ صدق عنوان‏‎ ‎‏الأبیض علی نفس البیاض فی المثال یکون أخفی من صدقـه علی الفرد العرضی‏‎ ‎‏الذی هو الجسم المتصف بـه ، بخلاف المقام ، فإنّ صدق المفهوم علی الفرد‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 469
‏العرضی ، وهو مجیء العادل بالنبأ أخفی من صدقـه علی الفرد الذاتی ، وهو عدم‏‎ ‎‏تحقّق النبأ أصلاً ، بل لایکون عرفاً من مصادیقـه وإن کان أحد الضدّین ممّا ینطبق‏‎ ‎‏علیـه عدم الضدّ الآخر ، ویکون مصدوقاً علیـه بحسب اصطلاح فنّ المعقول ،‏‎ ‎‏لکنّـه أمر خارج عن متفاهم العرف .‏

‏هذا ، ویرد علی الوجـه السابق علی هذا الوجـه : أنّ کون مورد النزول هو‏‎ ‎‏إخبار الولید بارتداد بنی المصطلق لا ربط لـه بکون الموضوع فی الآیـة مطلق‏‎ ‎‏النبأ ، والشرط خارج غیر مسوغ لتحقّق الموضوع . وبالجملـة : فلایمکن أن‏‎ ‎‏یستفاد من مورد النزول مدخلیـة المجیء فی الموضوع وعدمها ، فاللازم الأخذ‏‎ ‎‏بظاهرها ، الذی هو کون الموضوع النبأ المقیّد بمجیء الفاسق بـه ، وقد عرفت‏‎ ‎‏عدم ثبوت المفهوم لـه حینئذٍ أصلاً مع أنّ دعوی کون الآیـة واردة لإفادة کبری‏‎ ‎‏کلّیـة إنّما یبتنی علی ثبوت المفهوم لها ؛ ضرورة أنّها بدونـه لا تکون فی مقام تمییز‏‎ ‎‏ما یجب فیـه التبیّن عن غیره ، فإثبات المفهوم لها من هذه الناحیـة غیر ممکن‏‎ ‎‏أصلاً . ومن هنا یظهر الجواب عن باقی التقریبات ، فتدبّر .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 470

  • )) الحجرات (49) : 6 .
  • )) الکشّاف 4 : 360 ، مجمع البیان 9 : 198 ، کنز الدقائق 9 : 589 .
  • )) فرائد الاُصول 1 : 118 .
  • )) کفایـة الاُصول : 340 .
  • )) نهایـة الأفکار 3 : 111 ـ 112 .
  • )) أسباب النزول : 277 ـ 278 ، التبیان 9 : 343 ، مجمع البیان 9 : 198 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3 : 169 .
  • )) أنوار الهدایـة 1 : 283 ـ 285 .