أدلـة عدم حجّیة خبر ا‏لواحد

أدلّـة عدم حجّیـة خبر الواحد

‏ ‏

‏وقد حکی عن السیّد والقاضی وابن زهرة والطبرسی وابن إدریس عدم‏‎ ‎‏حجّیـة خبر الواحد‏‎[1]‎‏ ، واستدلّ لهم بالآیات الناهیـة عن اتباع غیر العلم .‏‎ ‎‏والتحقیق فی الجواب عن هذا الاستدلال : أنّ الآیات الناهیـة بعضها ظاهر فی‏‎ ‎‏الاُصول الاعتقادیـة ، مثل قولـه تعالی : ‏‏«‏إنَّ الظَّنَّ لاٰ یُغْنِی مِنَ الْحَقِّ شَیْئاً‏»‏‎[2]‎‏ ،‏‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 460
‏وبعضها أعمّ منها ، مثل قولـه تعالی : ‏‏«‏وَلاٰ تَقْفُ مٰا لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ‏»‏‎[3]‎‏ .‏

‏أمّا الطائفـة الاُولی فغیر مرتبطـة بالمقام ، وأمّا الطائفـة الثانیـة فمضافاً إلی‏‎ ‎‏عدم إبائها عن التخصیص بالأدلّـة الآتیـة الدالّـة علی اعتبار الخبر یرد علیـه أنّ‏‎ ‎‏الاستدلال بها مستلزم لعدم جوازالاستدلال بـه ، ومایلزم من وجوده العدم‏‎ ‎‏لایجوزالاستدلال بـه .‏

توضیحـه‏ : أنّ قولـه : ‏‏«‏وَلاٰ تَقْفُ مٰا لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ‏»‏‏ ، قضیـة حقیقیـة‏‎ ‎‏تشمل کلّ ما وجد فی الخارج ، وکان مصداقاً لغیر العلم ، فیشمل دلالـة نفسها ؛‏‎ ‎‏لأنّها لیست إلاّ ظنّیـة ؛ لکونها ظاهرة فی الدلالـة علی المنع ، والظواهر کلّها‏‎ ‎‏ظنّیـة . وبالجملـة : إذا لم یجز اتباع غیر العلم بمقتضی الآیـة لم یجز اتباع‏‎ ‎‏ظاهرها ؛ لکونـه غیر علمی ، والفرض شمولها لنفسها ؛ لکونها قضیـة حقیقیـة .‏

إن قلت‏ : لزوم هذا المحذور من شمول الآیـة لنفسها دلیل علی التخصیص‏‎ ‎‏وعدم الشمول .‏

قلت‏ : کما یرتفع المحذور بذلک کذلک یرتفع بالالتزام بعدم شمولها لمثل‏‎ ‎‏الظواهر ممّا قام الدلیل علی حجّیتـه ، فتختصّ الآیـة بالظنون التی هی غیر‏‎ ‎‏حجّـة ، ولا ترجیح للأوّل ، لو لم نقل بترجیح الثانی باعتبار أنّ الغرض منها هو‏‎ ‎‏الردع عن اتباع غیر العلم ، ولا تصلح للرادعیـة إلاّ بعد کونها مفروضـة الحجّیـة‏‎ ‎‏عند المخاطبین ، ولا تکون حجّـة إلاّ بعد ثبوت کون الظواهر حجّـة ومورداً لبناء‏‎ ‎‏العقلاء .‏

‏فالآیـة لا تشمل ما کان من قبیلها من الظنون ، ومرجع ذلک إلی أنّ تلک‏‎ ‎‏الظنون لایکون بنظر العقلاء مصداقاً لما لیس لهم بـه علم ، وإلاّ لکان اللازم عند‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 461
‏نزول الآیـة الشریفـة أن یرفع الناس أیدیهم عن اشتغالاتهم المبتنیـة بحسب‏‎ ‎‏الغالب علی الاُمور الظنّیـة ، کالید وأصالـة الصحّـة وغیرهما ، مع وضوح‏‎ ‎‏خلافـه ، ولیس ذلک إلاّ لعدم کون هذه الظنون داخلـة عندهم فی الآیـة . وخبر‏‎ ‎‏الواحد أیضاً من هذا القبیل ، کما هو واضح .‏

وقد أفاد بعض الأعاظم‏ ـ علی ما فی تقریرات بحثـه ـ فی مقام الجواب عن‏‎ ‎‏الاستدلال بالآیـة ما ملخّصـه : أنّ نسبـة الأدلّـة الدالّـة علی جواز العمل بخبر‏‎ ‎‏الواحد إلی الآیات لیست نسبـة التخصیص ، حتّی یقال بأنّها آبیـة عنـه ، بل نسبـة‏‎ ‎‏الحکومـة ، فإنّ تلک الأدلّـة تقتضی إلغاء احتمال الخلاف ، وجعل الخبر محرزاً‏‎ ‎‏للواقع ، فیکون حالـه حال العلم فی عالم التشریع ، فلا تشملـه الأدلّـة الناهیـة‏‎ ‎‏عن العمل بالظنّ ، هذا فی غیر السیرة العقلائیـة .‏

‏وأمّا فیها فیمکن بوجـه أن تکون نسبتها إلی الآیات نسبـة الورود ، بل‏‎ ‎‏التخصّص ؛ لأنّ عمل العقلاء بخبر الثقـة لیس من العمل بالظنّ ؛ لعدم التفاتهم إلی‏‎ ‎‏احتمال مخالفـة الخبر للواقع ، فالعمل بخبر الثقـة خارج بالتخصّص عن العمل‏‎ ‎‏بالظنّ . هذا ، مضافاً إلی عدم صلاحیتها للرادعیـة عن السیرة العقلائیـة ؛ للزوم‏‎ ‎‏الدور المحال ؛ لأنّ الردع عن السیرة بها یتوقّف علی أن لا تکون السیرة‏‎ ‎‏مخصّصـة لعمومها ، وعدم کونها مخصّصـة لعمومها یتوقّف علی أن تکون رادعـة‏‎ ‎‏منها‏‎[4]‎‏ ، انتهی .‏

ویرد علیـه‏ : أنّ ما ذکره من إباء الآیات عن التخصیص لایتمّ فی مثل قولـه :‏‎ ‎‏«‏وَلاٰ تَقْفُ مٰا لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ‏»‏‏ ؛ لعدم اختصاصها بالاُصول الاعتقادیـة .‏

‏وأمّا مسألـة الحکومـة فلا أساس لها ؛ لأنّ الأخبار الدالّـة علی جواز العمل‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 462
‏بقول الثقـة لم یکن لسانها لسان الحکومـة ؛ بحیث کان مفادها هو إلغاء احتمال‏‎ ‎‏الخلاف . وقولـه ‏‏علیه السلام‏‏ فی بعض الأخبار : ‏«العمری ثقـة فما أدّی إلیک عنّی فعنّی‎ ‎یؤدّی‏ ‏، وما قال لک عنّی فعنّی یقول»‎[5]‎‏ لایدلّ علی الحکومـة ؛ لأنّـه لیس مفادها‏‎ ‎‏إلاّ العمل بقولـه ؛ لوثاقتـه ، لا وجوب إلغاء احتمال الخلاف .‏

‏وأمّا ورود السیرة العقلائیـة علی الآیات فممنوعـة ؛ لعدم کون العمل‏‎ ‎‏بالخبر عندهم من العمل بالعلم ، ولو سلّم غفلتهم عن احتمال الخلاف فلایوجب‏‎ ‎‏ذلک أیضاً تحقّق الورود أو التخصیص ، فإنّ موردهما هو الخروج عن الموضوع‏‎ ‎‏واقعاً ، لا عند المخاطب . والفرق بینهما : أنّ الأوّل إنّما هو مع إعمال التعبّد ،‏‎ ‎‏بخلاف الثانی .‏

‏وأمّا ما أفاد أخیراً من لزوم الدور ففیـه ـ مضافاً إلی جریان الدور فی‏‎ ‎‏المخصّصیـة أیضاً ، کما لایخفی ـ أنّ توقّف الرادعیـة إنّما هو علی عدم مخصّص‏‎ ‎‏حاصل ؛ إذ لا مخصّص فی البین جزماً ؛ لأنّ النواهی الرادعـة حجّـة فی العموم ،‏‎ ‎‏ولابدّ من رفع الید عنها بحجّـة أقوی ، ولا حجّیـة للسیرة بلا إمضاء الشارع ،‏‎ ‎‏فالرادع رادع فعلاً ، والسیرة حجّـة لو أمضاها الشارع ، وهو منتف مع هذه‏‎ ‎‏المناهی . وبالجملـة : فعدم کون السیرة مخصّصـة للآیات الناهیـة وإن کان متوقّفاً‏‎ ‎‏علی کونها رادعـة عنها إلاّ أنّ رادعیتها لا تتوقّف علی شیء .‏

‏هذا ، ویمکن تقریب الورود بالنسبـة إلی أدلّـة حجّیـة الخبر الواحد بأن‏‎ ‎‏یقال : إنّ العلم الذی نهی عن اتباعـه لایکون المقصود بـه هو العلم المقابل للظنّ ،‏‎ ‎‏بل المراد بـه هو الحجّـة ، ولو کانت ظنّیـة . فمفاد الآیـة إنّما هو النهی عن اتباع‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 463
‏غیر الحجّـة ، وأدلّـة حجّیـة خبر الواحد إنّما تکون مثبتـة لحجّیتـه ، فتکون واردة‏‎ ‎‏علیها .‏

‏کما أنّـه یمکن أن یقال ـ بعد إبقاء العلم علی معناه الظاهر المرادف للیقین ـ :‏‎ ‎‏إنّ العمل بخبر الواحد لیس عملاً بغیر العلم واتباعاً لـه ؛ لأنّـه وإن کان کشفـه عن‏‎ ‎‏الواقع کشفاً ظنّیاً ، ولایحصل العلم منـه إلاّ أنّـه بعد قیام الدلیل القطعی من السیرة‏‎ ‎‏أو غیرها علی حجّیتـه یکون العمل فی الحقیقـة عملاً بالعلم ، کما هو واضح .‏

فانقدح ممّا ذکرنا‏ : أنّ الاستدلال فی المقام بالآیات الناهیـة استدلال فی‏‎ ‎‏غیر محلّـه ، کما عرفت .‏

‏وقد یستدلّ لهم أیضاً بالروایات الدالّـة علی ردّ ما لم یکن علیـه شاهد من‏‎ ‎‏کتاب اللّٰـه أو شاهدان‏‎[6]‎‏ أو لم یکن موافقاً للقرآن‏‎[7]‎‏ أو لم یعلم أنّـه قولهم  ‏‏علیهم السلام‏‎ ‎‏إلیهم‏‎[8]‎‏ ، أو علی بطلان ما لایصدقـه کتاب اللّٰـه‏‎[9]‎‏ ، أو علی أنّ ما لایوافق کتاب‏‎ ‎‏اللّٰـه زخرف‏‎[10]‎‏ ، أو مثل ذلک من التعبیرات . ولکن لایخفی أنّها أخبار آحاد ، لا‏‎ ‎‏مجال للاستدلال بها علی عدم حجّیتها . ودعوی تواترها إجمالاً وإن لم یکن‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 464
‏متواترة لفظاً أو معناً إنّما تجدی ـ علی تقدیر تسلیمها ـ بالنسبـة إلی القدر المتیقّن ،‏‎ ‎‏ومورد توافق الجمیع ، وهو بطلان الخبر المخالف ، ولابأس بالالتزام بعدم‏‎ ‎‏حجّیتـه ، کما هو واضح .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 465

  • )) الذریعـة إلی اُصول الشریعـة 2 : 528 ، المهذّب 2 : 598 ، غنیـة النزوع 2 : 356 ، مجمع البیان 9 : 199 ، السرائر 1 : 50 .
  • )) النجم (53) : 28 .
  • )) الإسراء (17) : 36 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3 : 161 ـ 162 .
  • )) الکافی 1 : 329 / 1 ، وسائل الشیعـة 27 : 138 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 11 ، الحدیث 4 .
  • )) الکافی 2 : 222 / 4 ، وسائل الشیعـة 27 : 112 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 9 ، الحدیث 18 .
  • )) وسائل الشیعـة 27 : 112 و 119 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 9 ، الحدیث 19 و 35 .
  • )) وسائل الشیعـة 27 : 119 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 9 ، الحدیث 36 .
  • )) المحاسن : 221 / 129 .
  • )) الکافی 1 : 69 / 3 و 4 ، وسائل الشیعـة 27 : 110 و 111 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 9 ، الحدیث 12 و 14 .