ا‏لأمر ا‏لأوّل : ظواهر کلمات ا‏لشارع

ظواهر کلمات الشارع

‏ ‏

‏ ‏

‏ ‏

الأمرالأوّل ظواهر کلمات الشارع

‏ ‏

‏لایخفی أنّ حجّیـة کلام المتکلّم ، والاحتجاج بـه علیـه یتوقّف علی طیّ‏‎ ‎‏مراحل أربعـة :‏

‏أحدها : إثبات صدور الکلام منـه ، والمتکفّل لذلک فی الشرعیات هو بحث‏‎ ‎‏حجّیـة خبر الواحد الذی سیجیء فیما بعد .‏

‏ثانیها : کون الکلام الصادر من المتکلّم لـه ظهور ، وهذا یتوقّف إثباتـه علی‏‎ ‎‏التبادر وصحّـة السلب وقول اللغویین .‏

‏ثالثها : هو کون هذا الظاهر مراداً لـه بالإرادة الاستعمالیـة .‏

‏رابعها : کون تلک الإرادة مطابقـة للإرادة الجدّیـة .‏

‏ولاشبهـة فی أنّ الأصل العقلائی یحکم فی المرحلـة الثالثـة بکون الظاهر‏‎ ‎‏مراداً لـه بالإرادة الاستعمالیـة ؛ لأنّ احتمال عدم کونـه مراداً منشأه احتمال الغلط‏‎ ‎‏والخطأ ، وهو منفی عندهم ، ولایعتنون بالشکّ فیـه ، کما هو بناؤهم فی سائر أفعال‏‎ ‎‏الفاعلین ، فإنّهم یحملونها علی کونها صادرة من فاعلها علی نحو العمد والاختیار ،‏‎ ‎‏لا الخطأ والاشتباه . فإذا صدر من المتکلّم «أکرم زیداً» مثلاً ، وشکّ فی أنّ مقصوده‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 445
‏هل هو زید أو کان مقصوده عمراً ، غایـة الأمر أنّـه تکلّم بکلمـة زید اشتباهاً‏‎ ‎‏وخطأً فلاشبهـة فی عدم اعتنائهم بهذا الشکّ أصلاً .‏

وممّا ذکرنا ظهر‏ : أنّـه لیس فی هذه المرحلـة إلاّ أصالـة عدم الخطأ‏‎ ‎‏والاشتباه ، وأمّا أصالـة الحقیقـة أو أصالـة عدم التخصیص أو التقیید فلایجدی‏‎ ‎‏شیء منها فی هذه المرحلـة ؛ لما حقّقناه سابقاً من أنّ المجاز لیس عبارة عن‏‎ ‎‏استعمال اللفظ فی غیر الموضوع لـه ، کیف وإلاّ لایکون فیـه حسن أصلاً ، بل هو‏‎ ‎‏عبارة عن استعمال اللفظ فی الموضوع لـه ، غایـة الأمر أنّـه قد ادّعی کون المعنی‏‎ ‎‏المجازی من مصادیق المعنی الحقیقی نظیر ما ذکره السکّاکی فی خصوص‏‎ ‎‏الاستعارة‏‎[1]‎‏ ، علی تفاوت بینـه وبین ما ذکرنا .‏

‏فاللفظ فی الاستعمال المجازی لایکون مستعملاً إلاّ فی المعنی الحقیقی ،‏‎ ‎‏ولا فرق بینــه وبین استعمالـه فی معناه الحقیقی ، وإرادتـه منـه من هذه الجهـة‏‎ ‎‏أصلاً ، فأصالـة الحقیقـة غیر مجدیـة فی تعیین المراد الاستعمالی .‏

‏وأمّا أصالـة العموم والإطلاق فقد عرفت فی مبحثهما أنّ العامّ المخصّص‏‎ ‎‏لایکون مجازاً ، ولم یکن لفظـه مستعملاً فی ما عدا مورد التخصیص ، بل کان‏‎ ‎‏المراد بالإرادة الاستعمالیـة فی العامّ المخصّص وغیره واحداً ، بلا تفاوت من‏‎ ‎‏حیثیة الاستعمال أصلاً ، وکذا أصالة الإطلاق ، فهما أیضاً لایرتبطان بهذه المرحلة .‏

‏والعجب من المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ أنّـه مع اعترافـه بکون المراد الاستعمالی‏‎ ‎‏فی العامّ المخصّص والمطلق المقیّد هو العموم والإطلاق‏‎[2]‎‏ ذکر علی ما فی‏‎ ‎‏تقریرات بحثـه : أنّ الذی یرفع الشکّ فی مطابقـة الإرادة الاستعمالیـة لظهور‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 446
‏الکلام هی الاُصول العدمیـة ، من أصالـة عدم القرینـة وأصالـة عدم التخصیص‏‎ ‎‏والتقیید‏‎[3]‎‏ .‏

‏هذا ، وأمّا المرحلـة الرابعـة : فالأصل فیها هو أصالـة تطابق الإرادتین‏‎ ‎‏الاستعمالیـة والجدّیـة . وبهذا الأصل یرفع الشکّ عن احتمال المجازیـة‏‎ ‎‏والتخصیص والتقیید ، وأمّا أصالـة الحقیقـة وأصالـة العموم وأصالـة الإطلاق‏‎ ‎‏فلیست اُصولاً مستقلّـة ، بل مرجعها إلی أصالـة التطابق .‏

‏وأمّا أصالـة عدم القرینـة فلیست أصلاً مستقلاًّ أیضاً ؛ لأنّ منشأ احتمال‏‎ ‎‏وجود القرینـة وعدمها فعلاً إمّا عدم ذکر المتکلّم لها عمداً ، وإمّا عدم ذکره سهواً‏‎ ‎‏واشتباهاً . فعلی الثانی یکون الأصل هو أصالـة عدم الخطأ والاشتباه ، وعلی‏‎ ‎‏الأوّل یکون الأصل هو إفادة المتکلّم جمیع مرامـه .‏

‏هذا ، ولو کان المنشأ هو احتمال إسقاط الواسطـة القرینـة فاحتمال‏‎ ‎‏إسقاطـه سهواً منفی أیضاً بأصالـة عدم الخطأ والاشتباه ، واحتمال إسقاطـه عمداً‏‎ ‎‏منفی باعتبار الوثاقـة فیـه ، فلم یوجد مورد یحتاج فیـه إلی أصالـة عدم القرینـة .‏

‏وأمّا أصالـة الظهور التی تمسّک بها کثیر من المحقّقین فلایخفی أنّ إسناد‏‎ ‎‏الأصل إلی الظهور مجرّداً لا معنی لـه ، وحینئذٍ فلابدّ إمّا أن یقال : إنّ الأصل هو‏‎ ‎‏کون هذا المعنی ظاهراً للّفظ ، وإمّا أن یقال : بأنّ الأصل هو کون الظهور مراداً‏‎ ‎‏للمتکلّم بالإرادة الجدّیـة ، ومن المعلوم أنّ الأوّل لا ارتباط لـه بمسألـة حجّیـة‏‎ ‎‏الظواهر ، والثانی مرجعـه إلی أصالـة تطابق الإرادتین المتقدّمـة ، ولایکون أصلاً‏‎ ‎‏برأسـه .‏

فانقدح من جمیع ما ذکرنا‏ : أنّ الأصل الجاری فی تعیین المراد الاستعمالی‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 447
‏هو أصالـة عدم الغلط والخطأ والاشتباه ، والجاری فی تعیین المراد الجدّی هو‏‎ ‎‏أصالـة التطابق بین الإرادتین ، ولا إشکال فی أنّها أصل معتمد عند العقلاء ، ولا‏‎ ‎‏فرق فی حجّیـة الظهورات عندهم بین صورتی حصول الظنّ الشخصی بالوفاق‏‎ ‎‏وعدمـه ، کما أنّـه لا فرق بین صورتی حصول الظنّ الشخصی بالخلاف وعدمـه ،‏‎ ‎‏ولابین من قصد إفهامـه وغیره .‏

ومن هنا یظهر‏ : ضعف ما حکی عن المحقّق القمی من التفصیل بین من قصد‏‎ ‎‏إفهامـه وغیره‏‎[4]‎‏ ؛ لأنّ دعواه ممنوعـة صغری وکبری ؛ لأنّ بناء العقلاء علی العمل‏‎ ‎‏بالظواهر مطلقاً إلاّ فیما إذا اُحرز أن یکون بین المتکلّم والمخاطب طریقـة خاصّـة‏‎ ‎‏من المحاورة علی خلاف المتعارف ، فإنّه لایجوزالأخذ بظاهرکلامه لغیرالمخاطب .‏

‏هذا ، مضافاً إلی أنّ دعوی اختصاص الخطابات الصادرة عن الأئمّـة  ‏‏علیهم السلام‏‎ ‎‏بخصوص المخاطبین بتلک الخطابات ، وأنّهم هم المقصودون بالإفهام ، ممنوعـة‏‎ ‎‏جدّاً ؛ ضرورة أنّ کلامهم لایکون إلاّ مثل الکتب المؤلّفـة التی لایکون المقصود‏‎ ‎‏منها إلاّ نفی بیان المعانی ، من غیر مدخلیـة لمخاطب خاصّ ، کما هو واضح .‏

‏ثمّ إنّـه لا فرق أیضاً فی حجّیـة الظواهر بین ظهور الکتاب وغیره . وما‏‎ ‎‏حکی من الأخباریین من عدم حجّیـة ظواهر الکتاب ففساده أظهر من أن یخفی .‏‎ ‎‏وقد استدلّوا علی ذلک بوجوه ضعیفـة ، منها : مسألـة التحریف الذی قام الإجماع ،‏‎ ‎‏بل الضرورة من الشیعـة علی خلافـه ، ویدلّ علی بطلانـه الأخبارالکثیرة ،‏‎ ‎‏ویساعده الوجوه العقلیـة أیضاً ، ومنها غیر ذلک ممّا ذکر مع جوابها فی «الرسالـة»‏‎ ‎‏و«الکفایـة»‏‎[5]‎‏ ، فراجع .‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 448

  • )) مفتاح العلوم : 157 ـ 158 .
  • )) نهایـة الأفکار 2 : 512 .
  • )) نفس المصدر 3 : 85 ـ 86 .
  • )) قوانین الاُصول 1 : 398 / السطر 22 .
  • )) فرائد الاُصول 1 : 56 ـ 64 ، کفایـة الاُصول : 323 ـ 329 .