دفع المحذور بناءً علی المصلحـة السلوکیّـة
ثمّ إنّـه أجاب الشیخ العلاّمـة الأنصاری قدس سره عن الإشکال بالتزام المصلحـة السلوکیـة ، وفصّل ذلک المحقّق النائینی ـ علی ما فی التقریرات ـ فقال ما ملخّصـه : إنّ سببیـة الأمارة لحدوث المصلحـة تتصوّر علی وجوه :
الأوّل : أن تکون الأمارة سبباً لحدوث مصلحـة فی المؤدّی ، تستتبع الحکم علی طبقها ، بحیث لایکون وراء الأمارة حکم فی حقّ من قامت عنده الإرادة فتکون الأحکام الواقعیـة مختصّـة بالعالم بها . وهذا هو التصویب الأشعری الذی قامت الضرورة علی خلافـه .
الثانی : أن تکون الأمارة سبباً لحدوث مصلحـة فی المؤدّی أیضاً أقوی من مصلحـة الواقع ؛ بحیث یکون الحکم الفعلی فی حقّ من قامت عنده الأمارة هو المؤدّی ، وإن کان فی الواقع أحکام یشترک فیها العالم والجاهل علی طبق المصالح والمفاسد النفس الأمریـة ، إلاّ أنّ قیام الأمارة علی الخلاف یکون من قبیل الطوارئ والعوارض والعناوین الثانویـة المغیّرة لجهـة الحسن والقبح ، نظیر الضرر والحرج ، وهذا هو التصویب المعتزلی الذی یتلو الوجـه السابق فی الفساد والبطلان ؛ لقیام الإجماع علی خلافـه .
الثالث : أن یکون قیام الأمارة سبباً لحدوث مصلحـة فی السلوک ، مع بقاء الواقع والمؤدّی علی ما هما علیـه من المصلحـة والمفسدة ، من دون أن یحدث فی المؤدّی مصلحـة بسبب قیام الأمارة ، بل المصلحـة إنّما تکون فی تطرّق الطریق ، وسلوک الأمارة ، وتطبیق العمل علی مؤدّاها ، والبناء علی أنّـه الواقع .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 419
وبهذه المصلحـة السلوکیـة یتدارک ما فات علی المکلّف من مصلحـة الواقع بسبب قیام الأمارة علی خلافـه ، انتهی ملخّصاً .
وفیـه أوّلاً : أنّـه لا معنی لسلوک الأمارة وتطرّق الطریق إلاّ العمل علی طبق مؤدّاها ، فإذا أخبر العادل بوجوب صلاة الجمعـة مثلاً فسلوک هذه الأمارة وتطرّق الطریق لیس إلاّ الإتیان بصلاة الجمعـة ؛ إذ التصدیق الغیر العملی لایصدق علیـه السلوک علی طبقها ، بل یتوقّف ذلک علی جعل العمل مطابقاً لها ، الذی هو عبارة اُخری عن الإتیان بمؤدّاها . ومن الواضح أنّ التغایر بین المؤدّی والإتیان بـه لیس إلاّ بالاعتبار ؛ لتغایر بین الإیجاد والوجود . وحینئذٍ فلم یبق فرق بین الوجـه الثالث والوجـه الثانی الذی قامت الضرورة والإجماع علی خلافـه .
وثانیاً : أنّ الأمارات الشرعیـة غالبها ، بل جمیعها أمارات عقلائیـة یعمل بها العقلاء فی معاملاتهم وسیاساتهم ، ومن الواضح أنّ الأمارات العقلائیـة طرق محضـة ، لا مصلحـة فی سلوکها أصلاً ؛ إذ لیس المقصود بها إلاّ مجرّد الوصول إلی الواقع ، من دون أن یکون فی سلوکها مصلحـة ، کما هو واضح لایخفیٰ .
هذا ما یتعلّق بالجواب عن محذور التفویت والإلقاء .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 420