ا‏لجواب عن محذور تفویت ا‏لمصلحـة

الجواب عن محذور تفویت المصلحـة

‏ ‏

‏أمّا محذور تفویت المصلحـة والإلقاء فی المفسدة ، فیتوقّف علی الالتزام‏‎ ‎‏بتبعیـة الأحکام للمصالح والمفاسد فی المتعلّقات ، وبأنّ المجعول فی باب‏‎ ‎‏الأمارات نفس الطریقیـة المحضـة ، وإلاّ لم یلزم تفویت الملاک أصلاً .‏

وقد یقال‏ ـ کما فی التقریرات ـ بتوقّفـه أیضاً علی کون باب العلم منفتحاً ،‏‎ ‎‏وأمّا فی صورة الانسداد فلایلزم محذور التفویت ، بل لابدّ من التعبّد بـه ، فإنّ‏‎ ‎‏المکلّف لایتمکّن من استیفاء المصالح فی حال الانسداد ، إلاّ بالاحتیاط التامّ .‏‎ ‎‏ولیس مبنی الشریعـة علی الاحتیاط فی جمیع الأحکام‏‎[1]‎‏ .‏

ولکن یرد علیـه‏ : عدم اختصاص المحذور بصورة الانفتاح ، بل یجری فی‏‎ ‎‏صورة الانسداد أیضاً ، فإنّ التفویت والإلقاء یلزم من رفع وجوب الاحتیاط الذی‏‎ ‎‏یحکم بـه العقل ، وترخیص العمل علی طبق الأمارات ؛ ضرورة أنّـه لو لم یکن‏‎ ‎‏التعبّد علی طبق الأمارات ، ولم یرد من الشارع الترخیص فی رفع الاحتیاط لکان‏‎ ‎‏حکم العقل وجوب الاحتیاط فی جمیع الأطراف ، فلم یلزم فوت المصلحـة أو‏‎ ‎‏أخذ المفسدة ، کما لایخفی .‏

وکیف کان‏ ‏، فالتحقیق فی الجواب أن یقال‏ : إنّـه لابأس بالتفویت والإلقاء إذا‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 417
‏کانت مصلحـة التعبّد بالعمل علی طبق الأمارات أقوی ، کما أنّ الأمر کان کذلک‏‎ ‎‏فی زمان الانفتاح ؛ ضرورة أنّـه لو کان کلّ من الناس مکلّفاً بالمراجعـة إلی‏‎ ‎‏الإمام ، والسؤال من شخصـه یلزم بطلان أساس الشریعـة ؛ لأنّ مع عدم مراجعـة‏‎ ‎‏الشیعـة إلیهم إلاّ قلیلاً منهم کانوا  ‏‏علیهم السلام‏‏ فی أعلی مراتب المحدودیـة من طرف‏‎ ‎‏الخلفاء الاُمویـة والعبّاسیـة ؛ بحیث لایمکن لهم بیان الأحکام إلاّ فی الخفاء‏‎ ‎‏بالنسبـة إلی أشخاص معدودة ، فکیف إذا کان تکلیف الشیعـة تحصیل العلم‏‎ ‎‏بالأحکام من طریق السؤال عن الإمام ‏‏علیه السلام‏‏ ؟‏

‏وحینئذٍ فیجوز للشارع أن یجعل الأمارات الغیر العلمیـة حجّـة ؛ نظراً إلی‏‎ ‎‏بقاء الشریعـة ، ومن المعلوم أنّ المصلحـة الفائتـة من عدم إیجابـه تحصیل العلم‏‎ ‎‏بالسؤال عنهم  ‏‏علیهم السلام‏‏ بالنسبـة إلی جماعـة من المتشرّعین بها فانیـة فی مقابل‏‎ ‎‏مصلحـة بقاء الشریعـة ، کما هو واضح .‏

‏وأمّا فی زمان الانسداد فلا إشکال فی أنّ طریق تحصیل العلم ینحصر‏‎ ‎‏بالاحتیاط التامّ ، کما ذکرنا . والتفویت المتوهّم إنّما یلزم من عدم إیجاب الشارع‏‎ ‎‏ذلک الاحتیاط ؛ ضرورة أنّـه لوأوجبـه ـ کما هومقتضی حکم العقل ـ لم یلزم‏‎ ‎‏تفویت أصلاً .‏

‏فلنا أن نقول : إنّ عدم إیجاب الشارع یمکن أن یکون لأجل علمـه بأنّـه لو‏‎ ‎‏أوجب ذلک ، مع تعسّره ـ کما لایخفی ـ لکان الناس یرغبون عن أصل الشریعـه ،‏‎ ‎‏ویخرج الدین عن کونـه سمحـة سهلـة ، کیف فنحن نری بالوجدان أنّ فی هذا‏‎ ‎‏الزمان ـ مع سهولـة العمل بالأحکام ـ لایعملون بأکثرها ، کما لایخفی .‏

‏وقد عرفت : أنّ مجرّد الإمکان بمعنی الاحتمال یکفینا فی هذا المقام ؛ إذ‏‎ ‎‏لسنا بصدد إثبات الإمکان الوقوعی ؛ لعدم الاحتیاج إلیـه ، کما تقدّم .‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 418

  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3 : 90 .