ا‏لأمر ا‏لخامس : ا‏لموافقـة ا‏لالتزامیة

الموافقـة الالتزامیـة

‏ ‏

‏ ‏

‏ ‏

الأمر الخامس الموافقـة الالتزامیـة

‏ ‏

‏هل القطع بالحکم یقتضی وجوب الموافقـة الالتزامیـة ، کما یقتضی وجوب‏‎ ‎‏الموافقـة العملیـة أم لا ؟‏

والتحقیق أن یقال‏ : إنّ الموافقـة الالتزامیـة الراجعـة إلی عقد القلب‏‎ ‎‏والالتزام بشیء ، والانقیاد والتسلیم لـه إنّما هی من الأحوال القلبیـة والصفات‏‎ ‎‏النفسانیـة ـ کالخضوع والخشوع والرجاء والخوف ونظائرها ـ وتحقّق تلک‏‎ ‎‏الأوصاف وتحصّلها فی النفس إنّما یکون قهریاً ؛ تبعاً لتحقّق مبادئها ، ویستحیل أن‏‎ ‎‏توجد بدون حصول المبادئ ؛ لأنّها لیست من الأفعال الاختیاریـة الحاصلـة‏‎ ‎‏بالإرادة والاختیار ؛ لأنّها تابعـة لمبادئها ، فإذا حصلت تتبعها تلک الحالات قهراً ،‏‎ ‎‏وإذا لم یحصل لا تتحقّق أصلاً .‏

‏مثلاً العلم بوجود المبدء وعظمتـه وجلالتـه یوجب الخضوع والخشوع لـه‏‎ ‎‏تعالی ، ولایمکن أن یتخلّف عنـه ، کما أنّ مع عدم تحقّقـه یمتنع أن یتحقّقا ؛‏‎ ‎‏لوضوح استحالـة عقد القلب علی ضدّ أمر محسوس ، کالالتزام القلبی بعدم کون‏‎ ‎‏النار حارّة ، والشمس مشرقـة ، وکما لایمکن ذلک لایمکن الالتزام بضدّ أمر‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 403
‏تشریعی .‏

‏والمراد من الکفر الجحودی فی قولـه تعالی : ‏‏«‏وَجَحَدُوا بِهٰا وَاسْتَیْقَنَتْهٰا‎ ‎أَنْفُسُهُم‏»‏‎[1]‎‏ لیس الالتزام علی خلاف الیقین الحاصل للنفس ، بل هو مجرّد‏‎ ‎‏الإنکار اللسانی . ومن هنا یظهر أنّ ما اشتهر بینهم من حرمـة التشریع ممّا لا‏‎ ‎‏محصّل لـه إن کان المراد من التشریع هو البناء القلبی علی کون حکم من الشرع‏‎ ‎‏مع العلم بأنّـه لیس منـه . وبالجملـة : أنّ الموافقـة الالتزامیـة لیست من الاُمور‏‎ ‎‏الاختیاریـة ، حتّی یبحث فی وجوبها وعدمـه .‏

وحکی عن بعض الأعاظم‏ : أنّـه قال بثبوت التجزّم فی القضایا الکاذبـة ،‏‎ ‎‏وأنّـه هو المناط فی صیرورة القضایا ممّا یصحّ السکوت علیها ، وأنّ العقد القلبی‏‎ ‎‏علی طبقها یکون اختیاریاً‏‎[2]‎‏ .‏

‏ووجّهـه بعض المحقّقین من المعاصرین بأنّ مراده : أنّـه کما أنّ العلم قد‏‎ ‎‏یتحقّق فی النفس بوجود أسبابـه ، کذلک قد یخلق النفس حالـة وصفـة علی نحو‏‎ ‎‏العلم ، حاکیـة عن الخارج ، فإذا تحقّق هذا المعنی فی الکلام یصیر جملـة یصحّ‏‎ ‎‏السکوت علیها ؛ لأنّ تلک الصفـة الموجودة یحکی جزماً عن تحقّق النسبـة فی‏‎ ‎‏الخارج‏‎[3]‎‏ .‏

ویرد علیـه‏ : أنّ العلم والجزم لیسا من الاُمور الاختیاریـة ، فإنّهما من‏‎ ‎‏الاُمور التکوینیـة التی لا تتحصّل إلاّ بعد تحقّق أسبابها ؛ لوضوح استحالـة الجزم‏‎ ‎‏مثلاً بأنّ الواحد لیس نصف الاثنین ، کما لایخفی . وأمّا القضایا الکاذبـة فإنّما هی‏‎ ‎‏بصورة الجزم . والمناط فی صحّـة السکوت هو الإخبار الجزمی ، لا الجزم‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 404
‏القلبی ؛ ولذا لو أظهر المتکلّم ماهو المقطوع بـه بصورة التردید لا تصیر القضیّـة‏‎ ‎‏ممّا یصحّ السکوت علیها . وبالجملـة : فلاریب فی عدم کون الموافقـة الالتزامیـة‏‎ ‎‏ونظائرها من الاُمور القلبیـة تابعاً فی تحقّقـه للإرادة والاختیار أصلاً .‏

‏ثمّ إنّـه بناءً علی ما ذکرنا من کون الموافقـة الالتزامیـة لیست من الاُمور‏‎ ‎‏الاختیاریـة ، بل إنّما تتحقّق قهراً عند حصول مبادئها تکون الموافقـة الالتزامیـة‏‎ ‎‏علی طبق العلم بالأحکام ، فإن کان العلم متعلّقاً بحکم تفصیلاً یکون الالتزام بـه‏‎ ‎‏أیضاً کذلک ، وإن کان العلم إجمالیاً یکون الالتزام أیضاً کذلک ، کما أنّ الالتزام قد‏‎ ‎‏یکون بالحکم الظاهری ، إذا کان العلم أیضاً متعلّقاً بـه ، وقد یکون بالحکم‏‎ ‎‏الواقعی ، إذا کان متعلّقاً للعلم . وکما أنّ جعل الحکم الواقعی والظاهری فی مورد‏‎ ‎‏واحد ، وتعلّق العلم بهما ممّا لا مانع منـه ، کذلک الالتزام بهما فی ذلک المورد ممّا‏‎ ‎‏لا مانع منـه أصلاً .‏

ومن هنا یظهر‏ : أنّـه لا مانع من قبل لزوم الالتزام فی جریان الاُصول فی‏‎ ‎‏أطراف العلم الإجمالی ، کما أنّ جریانها لایدفع الالتزام بالحکم الواقعی ؛ لأنّـه‏‎ ‎‏تابع للعلم بـه ، وجریانها لاینافیـه أصلاً . وبالجملـة : فمسألـة جریان الاُصول فی‏‎ ‎‏أطراف الشبهـة المحصورة لا ارتباط لها بمسألـة الموافقـة الالتزامیـة ، کما‏‎ ‎‏لایخفی .‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 405

  • )) النمل (27) : 14 .
  • )) اُنظر درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 70 .
  • )) نفس المصدر .