أخذ ا‏لقطع بحکمٍ موضوعاً لنفس ذلک ا‏لحکم

أخذ القطع بحکمٍ موضوعاً لنفس ذلک الحکم

‏ ‏

‏ثمّ إنّـه لایمکن أن یؤخذ القطع بالحکم موضوعاً بالنسبـة إلی نفس الحکم‏‎ ‎‏الذی تعلّق العلم بـه ؛ للزوم الدور ، کما هو واضح .‏

‏وفی تقریرات بحث بعض محقّقی العصر إمکانـه بنحو نتیجـة التقیید ، قال‏‎ ‎‏فی توضیحـه ما ملخّصـه : إنّ العلم بالحکم لمّا کان من الانقسامات اللاحقـة‏‎ ‎‏للحکم فلایمکن فیـه الإطلاق والتقیید اللحاظی ؛ لاستلزامـه الدور ، کما هو‏‎ ‎‏الشأن فی الانقسامات اللاحقـة للمتعلّق باعتبار تعلّق الحکم بـه ، کقصد التعبّد ،‏‎ ‎‏أمّا استحالـة تقیید اللحاظی فواضح ، وأمّا استحالـة الإطلاق فلأنّـه إذا امتنع‏‎ ‎‏التقیید امتنع الإطلاق أیضاً ؛ لأنّ التقابل بین الإطلاق والتقیید تقابل العدم‏‎ ‎‏والملکـة .‏

‏ولکن الإهمال الثبوتی أیضاً لایعقل ، بل لابدّ إمّا من نتیجـة الإطلاق أو‏‎ ‎‏نتیجـة التقیید ، فإنّ الملاک الذی اقتضی تشریع الحکم إمّا أن یکون محفوظاً فی‏‎ ‎‏کلتی حالتی الوجود والعدم فلابدّ من نتیجـة الإطلاق ، وإمّا أن یکون محفوظاً فی‏‎ ‎‏حالـة العلم فقط فلابدّ من نتیجـة التقیید ، وحیث لم یمکن أن یکون الجعل الأوّلی‏‎ ‎‏متکفّلاً لبیان ذلک فلابدّ من جعل آخر یستفاد منـه أحدهما ، وهو المصطلح علیـه‏‎ ‎‏بمتمّم الجعل . فاستکشاف کلّ منهما یکون من دلیل آخر .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 392
‏وقد ادّعی تواتر الأدلّـة علی اشتراک الأحکام فی حقّ الجاهل والعالم‏‎[1]‎‏ ،‏‎ ‎‏ونحن وإن لم نعثر علی تلک الأدلّـة ، سوی بعض أخبار الآحاد التی ذکرها صاحب‏‎ ‎‏«الحدائق» فی مقدّمات کتابــه‏‎[2]‎‏ ، إلاّ أنّ الظاهر قیام الإجماع ، بل الضرورة علی‏‎ ‎‏ذلک ، ومن هنا کان الجاهل المقصّر معاقباً إجماعاً .‏

‏ولکن تلک الأدلّـة قابلـة للتخصیص ، کما قد خصّصت فی غیر مورد ، کما‏‎ ‎‏فی مورد الجهر والإخفات والقصر والإتمام ؛ حیث قام الدلیل علی اختصاص‏‎ ‎‏الحکم بالعالم . وکما یصحّ أخذ العلم بالحکم شرطاً فی ثبوتـه کذلک یصحّ أخذ‏‎ ‎‏العلم بالحکم من وجـه خاصّ وسبب خاصّ ، مانعاً عن ثبوت الحکم ، کما فی‏‎ ‎‏باب القیاس ؛ حیث إنّـه قام الدلیل علی أنّـه لا عبرة بالعلم بالحکم الحاصل من‏‎ ‎‏طریق القیاس ، کما فی روایـة أبان فی مسألـة دیـة أصابع المرأة‏‎[3]‎‏ ، ولیس هذا‏‎ ‎‏نهی عن العمل بالعلم ، حتّی یقال : إنّ ذلک لایعقل ، بل مرجعـه إلی التصرّف فی‏‎ ‎‏المعلوم والواقع الذی أمره بید الشارع .‏

‏وبذلک یمکن أن توجّـه مقالـة الأخباریـین من أنّـه لا عبرة بالعلم الحاصل‏‎ ‎‏من غیر الکتاب والسنّـة‏‎[4]‎‏ ، بل شیخنا الاُستاذ نفی البعد عن کون الأحکام مقیّدة‏‎ ‎‏بما إذا لم یکن المؤدّی إلیها مثـل الجفـر والرمل والمنام وغیر ذلک من الطرق‏‎ ‎‏الغیر المتعارفـة‏‎[5]‎‏ ، انتهی .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 393
وفیـه أوّلاً‏ : أنّ بعض الانقسامات اللاحقـة ممّا لایمکن تقیید الأدلّـة بـه ،‏‎ ‎‏ولایمکن فیـه نتیجـة التقیید مثل المقام ، فإنّ أخذ القطع موضوعاً بالنسبـة إلی‏‎ ‎‏نفس الحکم الذی تعلّق بـه مستحیل بأیّ وجـه کان .‏

‏وکیف یمکن أن یکون الحکم مختصّاً بالعالم بـه ، مع کونـه من الدور‏‎ ‎‏الواضح ؟ فإنّ العلم بالحکم یتوقّف علی ثبوتـه بالضرورة ، فلو فرض اختصاصـه‏‎ ‎‏بالعالم ـ ولو بنتیجـة التقیید ـ یصیر الحکم متوقّفاً علی العلم بـه . وبالجملـة‏‎ ‎‏فلایرتفع إشکال الدور بذلک .‏

‏نعم ، یمکن تقیید الأدلّـة ببعض الانقسامات اللاحقـة بدلیل آخر ، کقصد‏‎ ‎‏التقرّب فی العبادات ، بناءً علی عدم إمکان التقیید اللحاظی ، ولکنّک عرفت فی‏‎ ‎‏مبحث التعبّدی والتوصّلی إمکانـه ، فضلاً عن التقیید بدلیل آخر .‏

‏وأمّا باب الجهر والإخفات ، والقصر والإتمام فلایکون من باب‏‎ ‎‏الاختصاص ، فإنّـه یمکن أن یکون عدم وجوب القضاء والإعادة من باب‏‎ ‎‏التخفیف والتقبّل ، لا من باب صحّـة العمل ومطابقـة المأتیّ بـه مع المأمور بـه ،‏‎ ‎‏کما نفینا البعد عنـه فی مثل حدیث لا تعاد ، بناءً علی عدم اختصاصـه بالسهو‏‎[6]‎‏ .‏

وثانیاً‏ : أنّ التقیید اللحاظی ـ الذی حکم بأنّـه إذا امتنع امتنع الإطلاق ؛ لأنّ‏‎ ‎‏التقابل بینهما تقابل العدم والملکـة ـ هل هو مقابل للإطلاق اللحاظی ، أو أنّـه‏‎ ‎‏یقابل نفس الإطلاق ، من دون اتصافـه بذلک .‏

‏فعلی الأوّل یرد علیـه ـ مضافاً إلی أنّ معنی الإطلاق ، کما حقّقناه فی‏‎ ‎‏موضعـه هو عبارة عن مجرّد عدم لحاظ التقیید ، ولایحتاج إلی اللحاظ أصلاً‏‎[7]‎‏ـ‏‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 394
‏أنّ اللحاظین أمران وجودیان ، والتقابل بینهما حینئذٍ یکون من قبیل تقابل‏‎ ‎‏الضدّین ، لا العدم والملکـة .‏

‏وعلی الثانی یرد علیـه منع الملازمـة بین امتناع التقیید وامتناع الإطلاق ؛‏‎ ‎‏لأنّ التقابل بینهما حینئذٍ وإن کان من قبیل تقابل العدم والملکـة إلاّ أنّ ذلک‏‎ ‎‏لایقتضی ثبوت الملازمـة .‏

‏وتوضیحـه : أنّ المتعلّق قد لایمکن تقییده ؛ لقصور فیـه ؛ بحیث لایکون لـه‏‎ ‎‏شأنیـة التقیید أصلاً ، وقد لایمکن ذلک ، لا لقصوره وعدم الشأنیـة ، بل لمنع‏‎ ‎‏خارجی ، کلزوم الدور ونحوه . ففی الأوّل لایمکن الإطلاق ؛ لأنّ ذلک مقتضی‏‎ ‎‏تقابل العدم والملکـة فی جمیع الموارد ، فإنّـه لایقال للجدار أعمی ، ولایقال زید‏‎ ‎‏مطلق بالإطلاق الأفرادی ، وهذا بخلاف الثانی ، کما فی المقام ، فإنّ امتناع التقیید‏‎ ‎‏لیس لعدم القابلیـة لـه ، بل لمنع خارجی ؛ وهو استلزامـه للدور ، وفی مثلـه یمکن‏‎ ‎‏الإطلاق . وحینئذٍ فلابأس بأن یقال : إنّ دلیل اشتراک الأحکام بین العالم والجاهل‏‎ ‎‏هو إطلاقات الکتاب والسنّـة ، ولا احتیاج إلی التماس دلیل آخر ؛ ولذا تراهم‏‎ ‎‏یتمسّکون بها فی کثیر من الموارد ، کما لایخفی .‏

وثالثاً‏ : أنّ ما ذکره فی القیاس ممّا لایتمّ ، فإنّ من راجع الأدلّـة الناهیـة عن‏‎ ‎‏العمل بالقیاس یعرف أنّ المنع عنـه إنّما هو لأجل قصور العقول البشریـة ، وبعدها‏‎ ‎‏عن الوصول إلی أحکام اللّٰـه تعالی من قبل نفسـه ، وعدم حصول العلم منـه‏‎ ‎‏غالباً ، لا لأجل الفرق بین العلم الحاصل منـه والقطع الحاصل من غیره ، فراجع‏‎ ‎‏الأخبار الواردة فی هذا الباب ، المذکورة فی کتاب القضاء من «الوسائل»‏‎[8]‎‏ .‏

ثمّ‏ إنّـه حکی عن صاحب «المقالات» أنّـه ذهب إلی إمکان أخذ القطع‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 395
‏بالحکم فی موضوع نفس ذلک الحکم بنحو نتیجـة التقیید بوجـه آخر‏‎[9]‎‏ ، غیر‏‎ ‎‏الذی عرفت ، فراجع کلامـه ، وتأمّل فی جوابـه .‏

والتحقیق فی المقام أن یقال‏ : إنّـه تارة یؤخذ القطع بالحکم تمام الموضوع‏‎ ‎‏لذلک الحکم ، بمعنی أنّ الموضوع لـه إنّما هو القطع ، سواء أخطأ أو أصاب ، فلا‏‎ ‎‏مدخلیـة لوجود الحکم واقعاً فی تحقّق موضوعـه ، واُخری یؤخذ بعض‏‎ ‎‏الموضوع ؛ بحیث کان الموضوع هو القطع الذی أصاب .‏

‏وإن شئت قلت : إنّ الموضوع هو الواقع المقطوع بـه ، ففی الأوّل یمکن ذلک‏‎ ‎‏بلا استلزام للدور أصلاً ؛ ضرورة أنّ الحکم ، وإن کان یتوقّف حینئذٍ علی موضوعـه‏‎ ‎‏الذی هو القطع بالحکم ، إلاّ أنّ الموضوع لایتوقّف علی ثبوتـه أصلاً ؛ ضرورة أنّ‏‎ ‎‏الموضوع إنّما هو نفس القطع ، وهو قد یحصل مع عدم تحقّق المقطوع فی الواقع ؛‏‎ ‎‏إذ لیس کلّ قطع مصیباً ، کما هو واضح .‏

‏وهذا بخلاف ما إذا اُخذ بعض الموضوع ، فإنّ تحقّق القطع حینئذٍ وإن کان‏‎ ‎‏لایتوقّف علی ثبوت الحکم فی الواقع ، إلاّ أنّ المفروض هو عدم کونـه تمام‏‎ ‎‏الموضوع ، بل قید الإصابـة معتبر فیـه ، وهو لایتحقّق بدون ثبوت الحکم فی‏‎ ‎‏الواقع ، فصارتحقّق الموضوع متوقّفاً علی ثبوت الحکم فی الواقع ، وهودور صریح .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 396

  • )) فرائد الاُصول 1 : 44 .
  • )) الحدائق الناضرة 1 : 77 .
  • )) الکافی 7 : 299 / 6 ، وسائل الشیعـة 29 : 352 ، کتاب الدیات ، أبواب دیات الأعضاء ، الباب 44 ، الحدیث 1 .
  • )) الفوائد المدنیّـة : 128 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3 : 11 ـ 14 .
  • )) الفقیـه 1 : 225 / 991 ، وسائل الشیعـة 6 : 91 ، کتاب الصلاة ، أبواب قراءة القرآن ، الباب29 ، الحدیث 5 .
  • )) مناهج الوصول 2 : 315 .
  • )) وسائل الشیعـة 27 : 35 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 6 .
  • )) نهایـة الأفکار 3 : 15 .