ا‏لمناط فی استحقاق ا‏لعقوبـة

المناط فی استحقاق العقوبـة

‏ ‏

‏إذا عرفت ذلک فاعلم أنّ المتجرّی والعاصی کلیهما یشترکان فی جمیع‏‎ ‎‏المراحل ، من تصوّر الحرام ، والتصدیق بفائدتـه ، والعزم علی ارتکابـه ، والجرأة‏‎ ‎‏علی المولی ، وإنّما یفترقان فی أمرین :‏

أحدهما‏ : ارتکاب مبغوض المولی ، والإتیان بما فیـه المفسدة .‏

ثانیهما‏ : مخالفـة المولی ، وعدم إطاعـة تکلیفـه عمداً .‏

‏فإنّ هذین الأمرین متحقّقان فی العاصی دون المتجرّی ، ولاشبهـة فی أنّ‏‎ ‎‏استحقاق العقوبـة لیس لمجرّد ارتکاب المبغوض وما فیـه المفسدة ، وإلاّ یلزم أن‏‎ ‎‏یکون الجاهل المرتکب للحرام مستحقّاً للعقوبـة ، کما أنّـه لاشبهـة فی أنّ‏‎ ‎‏مخالفـة المولی عمداً قبیح عند العقل ، ویستحقّ العبد بسببها العقوبـة ، بمعنی أنّ‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 381
‏العقل یحکم بحسن عقاب المولی للعبد الذی خالف أحکامـه من أوامره‏‎ ‎‏ونواهیـه .‏

‏إنّما الإشکال فی أنّ الجرأة علی المولی وهتک حرمتـه ـ الذی یکون قبیحاً‏‎ ‎‏عقلاً بلاریب ـ هل یوجب استحقاق العقوبـة أم لا . ولایتوهّم الملازمـة بین القبح‏‎ ‎‏العقلی واستحقاق العقوبـة ؛ ضرورة أنّ أکثر ما یحکم العقل بقبحـه لایترتّب علیـه‏‎ ‎‏إلاّ مجرّد اللوم والذّم . ألا تری أنّ ترجیح المرجوح علی الراجح قبیح ، مع أنّـه‏‎ ‎‏لایستحقّ المرجّح بسببـه العقوبـة أصلاً ، کما هو واضح لایخفی .‏

‏فمجرّد حکم العقل بقبح شیء لایوجب استحقاق الفاعل للعقوبـة ، وحینئذٍ‏‎ ‎‏فإن قلنا بترتّب العقوبـة علی مجرّد الجرأة علی المولی فاللازم هو الالتزام بثبوت‏‎ ‎‏العقوبتین فی صورة العصیان ، ولا وجـه للتداخل ، بعد کون کلّ من المخالفـة‏‎ ‎‏العمدیـة والجرأة علی المولی سبباً مستقلاًّ لثبوت العقاب ، ولم نعثر علی من یقول‏‎ ‎‏بذلک ، فیستکشف منـه أنّ الجرأة علی المولی التی یشترک فیها العاصی والمتجرّی‏‎ ‎‏لایوجب العقاب أصلاً . نعم ، یختصّ العاصی بالمخالفـة العمدیـة التی هی السبب‏‎ ‎‏فی الاستحقاق .‏

فانقدح من ذلک‏ : أنّـه لایترتّب علی مجرّد التجرّی استحقاق للعقوبـة أصلاً .‏‎ ‎‏نعم ، لو قلنا بأنّ الجرأة علی المولی لها صورة برزخیّـة ، وأثر فی النفس یظهر فی‏‎ ‎‏عالم الغیب ، ویکون ملازماً للإنسان ، کما أنّـه یتجسّم الأعمال الصالحـة‏‎ ‎‏والقبیحـة بصورها الملکوتیـة ، وتری کلّ نفس عین عملـه ، کما قال اللّٰـه تعالی :‏‎ ‎‏«‏یَوْمَ تَجِدُ کُلُّ نَفْسٍ مٰا عَمِلَتْ مِنْ خَیْرٍ مُحْضَراً وَمٰا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ‏»‏‎[1]‎‏ ، وقال‏‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 382
‏تعالی : ‏‏«‏فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَیْراً یَرَهُ * وَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ شَرّاً یَرَهُ‏»‏‎[2]‎‏ ،‏‎ ‎‏فیشترک العاصی والمتجرّی فی هذا المعنی ، بلا تداخل فی العاصی أصلاً ، کما‏‎ ‎‏لایخفی .‏

‏ثمّ لایذهب علیک : أنّ الفعل المتجرّی بـه الذی یکون مصداقاً لبعض‏‎ ‎‏العناوین الغیر المحرّمـة حقیقةً لایتصف بالقبح أصلاً ؛ لعدم کونـه مصداقاً للتجرّی‏‎ ‎‏علی المولی ـ الذی قد عرفت أنّـه قبیح عند العقل ـ ضرورة أنّ الجرأة علی‏‎ ‎‏المولی إنّما تکون من الصفات النفسانیـة والأحوال العارضـة للنفس ، ولایکون‏‎ ‎‏لها مصداق فی الخارج أصلاً ، بل هو نظیر العلم والإرادة وغیرهما من الصفات‏‎ ‎‏التی محلّها النفس . نعم ، یکون الإتیان بالفعل المتجرّی بـه کاشفاً عن تحقّقـه‏‎ ‎‏فیها ، ومظهراً لثبوتـه ، ولایکون مصداقاً لـه ، کما هو واضح . وحینئذٍ فلا وجـه‏‎ ‎‏لسرایـة القبح إلیـه ، بعد کونـه مصداقاً حقیقیاً لبعض العناوین الغیر المحرّمـة .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 383

  • )) آل عمران (3) : 30 .
  • )) الزلزال (99) : 7 ـ 8 .