مقدّمـة وفیها اُمورٌ

مقدّمـة

‏ ‏

‏ ‏

‏ ‏

بسم اللّٰـه الرحمن الرحیم‏ ‏، وبـه نستعین

الحمد للّٰـه ربّ العالمین‏ ‏، والصلاة والسلام علی خیر‎ ‎خلقـه محمّد أشرف النبیّین‏ ‏، وعلی آلـه الطیّبین‏ ‏،‎ ‎ولعنـة اللّٰـه علی أعدائهم أجمعین إلی یوم الدین‏ .‏‎ ‎

مقدّمـة

‏ ‏

‏وبعد ، فلایخفی أنّ مباحث القطع لایکون خارجاً عن مسائل علم الاُصول‏‎ ‎‏کما قیل‏‎[1]‎‏ ؛ لعدم الفرق بینـه وبین الأمارات المعتبرة شرعاً ، التی یکون البحث‏‎ ‎‏عنها داخلاً فی علم الاُصول قطعاً .‏

وماذکره الشیخ ‏قدس سره‏‏ فی «ال‏رسالـة»‏ : من أنّ إطلاق الحجّـة علی القطع لیس‏‎ ‎‏کإطلاق الحجّـة علی الأمارات المعتبرة شرعاً ؛ لأنّ الحجّـة عبارة عن الوسط‏‎ ‎‏الذی بـه یحتجّ علی ثبوت الأکبر للأصغر ، ویصیر واسطـة للقطع بثبوتـه لـه ،‏‎ ‎‏کالتغیّر لإثبات حدوث العالم ، وهذا المعنی متحقّق فی الظنّ ، فیقال : «هذا مظنون‏‎ ‎‏الخمریـة ، وکلّ مظنون الخمریـة یجب الاجتناب عنـه» ، بخلاف القطع ؛ لأنّا إذا‏‎ ‎‏قطعنا بخمریـة شیء یقال : «هذا خمر ، وکلّ خمر حرام» ، ولایقال : «هذا معلوم‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 369
‏الخمریـة ، وکلّ معلوم الخمریـة یجب الاجتناب عنـه» ؛ لأنّ أحکام الخمر إنّما‏‎ ‎‏تثبت للخمر ، لا لما علم أنّـه خمر‏‎[2]‎‏ .‏

فیرد علیـه‏ : المنع فی مورد الظنّ أیضاً ، فإنّ وجوب الاجتناب مثلاً إنّما هو‏‎ ‎‏حکم لنفس الخمر ، لا للخمر المظنون ، کما هو واضح . فإن کان المراد بالحجّـة ما‏‎ ‎‏ذکره فإطلاقها علی الأمارات أیضاً ممنوع ، وإن کان المراد بها هی ما یحتجّ بـه‏‎ ‎‏المولی علی العبد ، ویصحّ لـه الاحتجاج بـه علیـه فهو متحقّق فی کلیهما ، کما‏‎ ‎‏لایخفی . ومجرّد کون حجّیـة القطع غیر مجعولـة ـ بخلاف الظنّ ـ لایوجب‏‎ ‎‏خروجها عن مسائل علم الاُصول .‏

إذا عرفت ذلک فاعلم‏ : أنّـه ذکر الشیخ ‏‏قدس سره‏‏ فی «الرسالـة» : أنّ المکلّف إذا‏‎ ‎‏التفت إلی حکم شرعی فیحصل لـه إمّا الشکّ فیـه أوالقطع أوالظنّ‏‎[3]‎‏ ، وظاهره ـ‏‎ ‎‏باعتبار أخذ الشکّ والظنّ فی التقسیم ـ أنّ المراد بالحکم الشرعی هو الحکم‏‎ ‎‏الشرعی الواقعی .‏

‏ولذا عدل عن هذا التقسیم فی «الکفایـة» ؛ نظراً إلی عدم اختصاص أحکام‏‎ ‎‏القطع بما إذا کان متعلّقاً بالأحکام الواقعیـة ، وعمّم متعلّق القطع‏‎[4]‎‏ .‏

‏ولکنّـه یرد علیـه : أنّ جعل حکم العقل باتباع الظنّ ـ لو حصل ، وقد تمّت‏‎ ‎‏مقدّمات الانسداد علی تقدیر الحکومـة ـ فی مقابل القطع ممّا لا وجـه لـه ؛ لأنّ‏‎ ‎‏المراد بالقطع الحاصل إن کان هو القطع التفصیلی فاللازم أن یکون البحث عن‏‎ ‎‏القطع الإجمالی فی باب أحکام القطع استطرادیاً ، وإن کان المراد الأعمّ منـه ومن‏‎ ‎‏الإجمالی فلا وجـه لجعل الظنّ المذکور مقابلاً لـه ؛ لأنّ حکم العقل باتباع الظنّ‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 370
‏لیس لاعتباره بنفسـه ، بل منشأه العلم الإجمالی بثبوت التکالیف ، فوجوب العمل‏‎ ‎‏علی طبقـه إنّما هو لوجود الحجّـة القطعیـة الإجمالیـة ، وعدم إمکان تحصیل‏‎ ‎‏الموافقـة القطعیـة ، أو عدم وجوبـه ، کما لایخفی .‏

‏نعم ، یرد علی ما ذکره الشیخ من التقسیم التثلیثی إشکال التداخل ، فإنّ‏‎ ‎‏الظنّ إن قام دلیل علی اعتباره فهو ملحق بالعلم ، وإلاّ فملحق بالشکّ .‏

‏ولکنّـه اعتذر عنـه بعض المحقّقین ـ علی ما فی تقریرات بحثـه ـ بأنّ عقد‏‎ ‎‏البحث فی الظنّ إنّما هو لأجل تمیّز الظنّ المعتبر الملحق بالعلم عن الظنّ الغیر‏‎ ‎‏المعتبر الملحق بالشکّ ، فلابدّ أوّلاً من تثلیث الأقسام ، ثمّ البحث عن حکم الظنّ ؛‏‎ ‎‏من حیث الاعتبار وعدمـه‏‎[5]‎‏ .‏

‏ولکنّـه لایخفی أنّ تثلیث الأقسام لو کان توطئـة لما کان وجـه لتقیید‏‎ ‎‏مجری الاستصحاب بکون الحالـة السابقـة ملحوظـة ، فإنّ الظاهر أنّ هذا التقیید‏‎ ‎‏إنّما هو لأجل بیان المختار فی مجری الاستصحاب ، وسوق العبارة تقتضی کون‏‎ ‎‏التثلیث أیضاً وقع من باب بیان الحقّ ، لا مجرّد التوطئـة ، فتدبّر .‏

نعم‏ ‏، یمکن التثلیث بوجـه آخر‏ : وهو أنّ المکلّف إذا التفت إلی الحکم‏‎ ‎‏الشرعی الواقعی فإمّا أن یحصل لـه القطع بـه أو لا ، وعلی الثانی إمّا أن یکون لـه‏‎ ‎‏طریق شرعی أو لا ، وعلی الثانی یرجع إلی الاُصول العملیـة . وحینئذٍ فالظنّ‏‎ ‎‏الانسدادی ـ بناءً علی الحکومـة ـ من مسائل القطع ؛ لأنّـه أعمّ من القطع‏‎ ‎‏الإجمالی ، کما أنّ بعض مباحث الاشتغال إنّما یدخل فیـه أیضاً ، کما لایخفی .‏

‏ثمّ إنّ المراد بالمکلّف الذی یحصل لـه أحد الأقسام هو خصوص المجتهد ؛‏‎ ‎‏إذ المراد من الالتفات هو الالتفات التفصیلی الحاصل للمجتهد ، ولا اعتبار بظنّ‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 371
‏المقلّد وشکّـه ، فلایشملـه الخطابات الواردة فی أدلّـة اعتبار الطرق والأمارات ،‏‎ ‎‏مثل قولـه ‏‏علیه السلام‏‏ «‏لا تنقض الیقین بالشکّ»‎[6]‎‏ ؛ ضرورة أنّـه لایکاد یحصل للمقلّد‏‎ ‎‏الشکّ والیقین فی الشبهات الحکمیـة ، وعلی فرض الحصول فلا عبرة بهما ما لم‏‎ ‎‏یکن مجتهداً فی مسألـة حجّیـة الاستصحاب .‏

‏وکیف کان فقد ذکروا فی مقام بیان أحکام القطع وأقسامـه اُموراً :‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 372

  • )) کفایـة الاُصول : 296 .
  • )) فرائد الاُصول 1 : 4 .
  • )) نفس المصدر 1 : 2 .
  • )) کفایـة الاُصول : 296 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3 : 4 .
  • )) تهذیب الأحکام 1 : 8 / 11 ، وسائل الشیعـة 1 : 245 ، کتاب الطهارة ، أبواب نواقض الوضوء ، الباب 1 ، الحدیث 1 .