ا‏لفصل ا‏لثا‏لث : فی مقدّمات ا‏لحکمـة

‏ ‏

‏ ‏

‏ ‏

الفصل الثالث فی مقدّمات الحکمـة

‏ ‏

‏وکیف کان فقد ذکر فی الکفایـة أنّ مقدّمات الحکمـة ثلاثـة :‏

إحداها‏ : کون المتکلّم فی مقام بیان تمام المراد لا الإهمال أو الإجمال .‏

ثانیتها‏ : انتفاء ما یوجب التعیین .‏

ثالثتها‏ : انتفاء القدر المتیقّن فی مقام التخاطب‏‎[1]‎‏ .‏

أقول‏ : الظاهر أنّ قرینـة الحکمـة لا تتوقّف إلاّ علیٰ مقدّمـة واحدة ، وهی‏‎ ‎‏المقدّمـة الاُولیٰ ، فهنا دعویان : الاُولیٰ توقّفها علی المقدّمـة الاُولیٰ ، ثانیتهما عدم‏‎ ‎‏توقّفها علیٰ سائر المقدّمات .‏

أمّا الدعوی الاُولیٰ‏ : فواضحـة ؛ لأنّـه إذا لم یکن المتکلّم فی مقام بیان تمام‏‎ ‎‏المراد ، بل کان فی مقام بیان حکم آخر أو فی مقام بیان أصل التشریع ، لایمکن أن‏‎ ‎‏یحتجّ بکلامـه علیـه عند العقلاء ؛ لصحّـة اعتذاره بأ نّـه کان بصدد بیان جهـة‏‎ ‎‏اُخریٰ أو بیان الحکم بنحو الإجمال مثلاً .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 350
‏وذهب فی الدّرر إلی عدم الاحتیاج إلیٰ هذه المقدّمـة ، وقال فی بیانـه ما‏‎ ‎‏ملخّصـه : أنّ المهملـة مردّدة بین المطلق والمقیّد ولا ثالث ، ولا إشکال فی أ نّـه لو‏‎ ‎‏کان المراد هو المقیّد تکون الإرادة متعلّقةً بـه بالأصالة ، وإنّما ینسب إلی الطبیعة‏‎ ‎‏بالتبع لمکان الاتّحاد وحینئذٍ فنقول ظاهر الکلام هو تعلّق الإرادة أوّلاً وبالذات‏‎ ‎‏بنفس الطبیعـة لا أنّ المراد هو المقیّد ، ثمّ اُضیفت الإرادة إلی الطبیعـة لمکان‏‎ ‎‏الاتّحاد ، وبعد ثبوت هذا الظهور تسری الإرادة إلیٰ تمام الأفراد ، وهو معنی‏‎ ‎‏الإطلاق‏‎[2]‎‏ . انتهیٰ .‏

أقول‏ : ظهور الکلام فی تعلّق الإرادة أوّلاً وبالذات بنفس الطبیعـة إنّما هو‏‎ ‎‏فیما إذا اُحرز کون المتکلّم فی مقام البیان ، وإلاّ فلو کان بصدد بیان حکم آخر‏‎ ‎‏فیمنع هذا الظهور بحیث یمکن الأخذ بـه والاحتجاج بـه علیـه ؛ لأنّـه لیس من‏‎ ‎‏الظهورات اللفظیّـة ، بل إنّما هو من الدلالات العقلیّـة ، فتسلیم الظهور مبنی علیٰ‏‎ ‎‏ثبوت هذه المقدّمـة ، کما لایخفیٰ .‏

وأمّا الدعوی الثانیـة‏ : فعدم الاحتیاج إلی المقدّمـة الثانیـة واضح ، ضرورة‏‎ ‎‏أنّ مفروض الکلام إنّما هو فیما إذا دار الأمر بین کون المراد هو المطلق أو المقیّد ،‏‎ ‎‏وأمّا مع ثبوت القید فی الکلام فهو خارج عن مفروض المقام ؛ لعدم کون المراد‏‎ ‎‏مردّداً حینئذٍ ، کما هو واضح .‏

‏وأمّا المقدّمـة الثالثـة فهی أیضاً غیر محتاج إلیها ؛ لعدم کون ثبوت القدر‏‎ ‎‏المتیقّن فی مقام التخاطب مضرّاً بالإطلاق أصلاً .‏

وتوضیحـه‏ : أ نّک عرفت أنّ معنی الإطلاق لیس کون الطبیعـة المأخوذة‏‎ ‎‏متعلّقاً للحکم ساریـة فی جمیع الأفراد وشائعـة بین جمیع الوجودات حتّیٰ یکون‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 351
‏جریان مقدّمات الحکمـة منتجاً لما یفیده العموم ، بل المراد بـه هو کون نفس‏‎ ‎‏الطبیعـة المذکورة فی الکلام ممّا یتقوّم بـه تمام المصلحـة ، ولم یکن لبعض‏‎ ‎‏القیودات مدخلیّـة فی ذلک ، وحینئذٍ فلو کان المتکلّم فی مقام بیان تمام ما لَـه‏‎ ‎‏دخل فی موضوع حکمـه ـ کما هو المفروض فی المقدّمـة الاُولیٰ ـ ومع ذلک لم‏‎ ‎‏یذکر إلاّ نفس الطبیعـة ـ کما هو المفروض فی المقام ـ فإثبات الإطلاق وصحّـة‏‎ ‎‏الاحتجاج بـه علیـه لایحتاج إلی أمر آخر ؛ لأنّـه لو کان مراده هو المقدار‏‎ ‎‏المتیقّن ، لکان علیـه تقیید الطبیعـة لإخراج ما عداه ، ولیس الأمر دائراً بین الأقلّ‏‎ ‎‏والأکثر بمعنیٰ أن یکون تعلّق الحکم بالمقدار المتیقّن معلوماً وبما عداه مشکوکاً ،‏‎ ‎‏ضرورة أنّ الحکم فی باب الإطلاق والتقیید لایکون متعلّقاً بالأفراد والوجودات ،‏‎ ‎‏بل إنّما کان هنا حکم واحد مردّد بین تعلّقـه بنفس الطبیعـة أو بها مقیّدة ، وتعلّق‏‎ ‎‏الحکم بالمقیّد لیس معلوماً ، وثبوت القدر المتیقّن لایوجب ذلک .‏

‏وکیف کان فالقدر المتیقّن فی مقام التخاطب الراجع إلیٰ کون بعض الأفراد‏‎ ‎‏أو الحالات ممّا کان عند المخاطب معلوم الحکم بمجرّد إلقاء الخطاب ، لابعد‏‎ ‎‏التأمّل ممّا لایضرّ بالإطلاق بعد کون الأفراد والحالات أجنبیّةً عن تعلّق الحکم بها‏‎ ‎‏فی باب الإطلاق ، کما لایخفیٰ .‏

هذا کلّـه بناءً علیٰ ما اخترناه فی معنی الإطلاق‏ .‏

‏وأمّا بناءً علیٰ مذاق القوم من جعلـه بمعنی الشیاع والسریان ، فقد ذکر فی‏‎ ‎‏الکفایـة أنّ مع ثبوتـه لا إخلال بالغرض لو کان المتیقّن تمام مراده ، فإنّ الفرض‏‎ ‎‏أ نّـه بصدد بیان تمامـه وقد بیّنـه ، لابصدد بیان أ نّـه تمامـه کی أخلّ ببیانـه‏‎ ‎‏فافهم‏‎[3]‎‏ .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 352
‏وذکر فی الحاشیـة فی بیان المشار إلیـه بقولـه : فافهم ، ما لفظـه : إشارة إلی‏‎ ‎‏أ نّـه لو کان بصدد بیان أ نّـه تمامـه ما أخلّ ببیانـه بعد عدم نصب قرینـة علیٰ إرادة‏‎ ‎‏تمام الأفراد ، فإنّـه بملاحظتـه یفهم أنّ المتیقّن تمام المراد ، وإلاّ کان علیـه نصب‏‎ ‎‏القرینـة علی إرادة تمامها ، وإلاّ قد أخلّ بفرضـه .‏

‏نعم لایفهم ذلک إذا لم یکن إلاّ بصدد بیان أنّ المتیقّن مراد ولم یکن بصدد‏‎ ‎‏بیان أنّ غیره مراد ، أو لیس بمراد قبالاً للإجمال أو الإهمال المطلقین ، فافهم فإنّـه‏‎ ‎‏لایخلو من دقّـة‏‎[4]‎‏ . انتهیٰ .‏

أقول‏ : الظاهر أ نّـه بناءً علیٰ هذا القول أیضاً لایکون وجود القدر المتیقّن‏‎ ‎‏مضرّاً ، ضرورة أنّ جلّ الطبیعـة مرآة لبعض الأفراد دون البعض الآخر ممّا لایعقل ،‏‎ ‎‏فمن ذکرها بنفسها یستکشف أ نّـه لاحظ السریان فی جمیع الأفراد .‏

‏مضافاً إلیٰ أنّ من أوضح مصادیق القدر المتیقّن ورود العامّ أو المطلق فی‏‎ ‎‏مورد خاصّ مع أ نّـه لایلتزم أحد بکون المورد مخصّصاً أو مقیّداً ، وإلی أنّ متیقنیّـة‏‎ ‎‏بعض الأفراد أمر وکون الحکم مطلقاً بحسب نظر العقل والعقلاء بحیث صحّ‏‎ ‎‏الاحتجاج بـه علی الحاکم أمر آخر لا ربط لأحدهما بالآخر ، کما هو واضح .‏

فتلخّص‏ : أنّ قرینـة الحکمـة لا تتوقّف إلاّ علیٰ مقدّمـة واحدة ، وهی کون‏‎ ‎‏المتکلّم فی مقام بیان تمام مراده .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 353

  • )) کفایـة الاُصول : 287 .
  • )) درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 234 .
  • )) کفایـة الاُصول : 287 .
  • )) کفایـة الاُصول : 287 ، الهامش 1 .