الفصل الخامس فی تعقّب العامّ بضمیر یرجع إلی بعض أفراده
إذا تعقّب العامّ بضمیر یرجع إلیٰ بعض أفراده ، یوجب تخصیصـه بـه أو لا ؟ فیـه خلاف .
ومحلّ النزاع ما إذا کان العامّ موضوعاً لحکم آخر غیر الحکم المترتّب علی البعض المدلول علیـه بالضمیر الذی یرجع إلیـه ، مثل قولـه تعالیٰ : «والمطلّقات یتربّصن بأنفسهنّ ثلاثـة قروء» إلیٰ قولـه : «وبعولتهنَّ أحقُّ بردّهنّ» وأمّا إذا کانت هنا قضیـة واحدة ذکر فیها العامّ والضمیر معاً ، مثل قولـه : «والمطلّقات أزواجهنّ أحقّ بردّهنّ» ، فلاشبهـة فی تخصیصـه بـه ، کما هو واضح .
وهل محلّ الخلاف یختصّ بما إذا علم من الخارج بکون المراد من الضمیر الواقع فی القضیّـة الثانیـة هو بعض أفراد العامّ ، المذکورة فی القضیّـة الاُولیٰ ، کما فی المثال المذکور ، أو یختصّ بما إذا علم لا من الخارج ، بل بمجرّد إلقاء القضیّـة الثانیـة یعلم أنّ المراد هو البعض لحکم العقل بذلک مثلاً ، کما فی قولـه : أهن
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 320
الفسّاق واقتلهم ، فإنّ العقل یحکم بأنّ المراد بالضمیر لیس جمیع الفسّاق ؛ لعدم اقتضاء الفسق بنفسـه لإیجاب القتل ، بل المراد بـه هو الکفّار منهم ، أو یشمل الصورتین معاً ؟ وجوه ، وکلامهم خالیـة عن التعرّض لهذه الجهـة .
نعم ظاهر تمثیل أکثرهم بالآیـة الشریفـة التی هی من قبیل الصورة الاُولیٰ ؛ لأنّ العلم باختصاص الأحقیّـة بالردّ ببعولـة المطلّقات الرجعیّات إنّما کان مستنداً إلیٰ دلیل آخر هو عدم الاختصاص بالصورة الثانیـة ، نعم لایستفاد منـه التعمیم أو الاختصاص بالصورة الاُولیٰ ، کما لایخفیٰ .
وکیف کان ، فإن کان محلّ البحث هی الصورة الاُولیٰ ، فلا إشکال فی أنّ أصالـة العموم الجاریـة فی القضیّـة الاُولیٰ یقتضی الحمل علی العموم ؛ لأنّ الأمر هنا دائر بین تخصیص واحد أو أزید ، وقد استقرّ رأی المحقّقین من الاُصولیّین علی التمسّک فی نفی الزائد بأصالـة العموم فیما إذا شکّ فی تخصیص زائد بالنسبـة إلیٰ عامّ واحد ، فضلاً عن مثل المقام الذی یکون فیـه عامّان خصّص أحدهما یقیناً والشکّ فی تخصیص الآخر .
توضیحـه : أنّ القضیّـة المشتملـة علی الضمیر إنّما تقتضی بظاهرها ثبوت الحکم بالنسبـة إلیٰ جمیع أفراد العامّ ؛ لأنّ الضمیر موضوع للإشارة إلیٰ مرجعـه الذی هو العامّ فی المقام ، فقولـه : وبعولتهنّ بمنزلـة قولـه : وبعولـة المطلّقات ، والعلم باختصاصها بالرجعیات لایوجب استعمال الضمیر فیها حتّیٰ تلزم المجازیـة ؛ لما عرفت من أنّ التخصیص إنّما یقتضی قصر الإرادة الجدّیـة علیٰ غیر مورد الخاصّ ، ولایوجب أن یکون العامّ مستعملاً فیما عدا مورده ، وحینئذٍ فالدلیل علیٰ تخصیص القضیّـة الثانیـة لایوجب تصرّفاً فی القضیّـة الاُولیٰ أصلاً ؛ لما عرفت من أنّ مورد الشکّ فی التخصیص یکون المرجع فیـه أصالـة العموم .
ومن هنا انقدح : أ نّـه لا مجال حینئذٍ لهذا النزاع بعدما تقدّم منهم من عدم
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 321
اقتضاء التخصیص للمجازیـة ، وأنّ المرجع فی مورد الشکّ فیـه أو فی الزائد هی أصالـة العموم ، کما أ نّـه ظهر فساد ما فی الکفایـة من أنّ المتیقّن من بناء العقلاء هو اتّباع الظهور فیما إذا شکّ فی تعیین المراد ، وأمّا إذا شکّ فی کیفیـة الاستعمال مع العلم بالمراد ، کما فی ناحیـة الضمیر ، فلا ، وذلک لما عرفت من عدم استلزام التخصیص للمجازیّـة فی ناحیـة الضمیر ، فکما أنّ المراد معلوم کذلک کیفیّـة الاستعمال معلومـة .
نعم هذا إنّما یتمّ علیٰ مذهب القدماء القائلین بأنّ العامّ المخصّص یصیر مجازاً ، وهو مع أ نّـه خلاف التحقیق مخالف لما اختاره أیضاً کما عرفت .
کما أنّ التعبیر فی محلّ النزاع بضمیر یرجع إلی بعض أفراد العامّ لیس فی محلّـه ؛ لما عرفت من أنّ الضمیر لم یستعمل إلاّ فیما وُضع لـه ، وهو إیجاد الإشارة بـه إلیٰ مرجعـه الذی هو العامّ فی المقام ، والتخصیص لایوجب تصرّفاً فی مقام الاستعمال أصلاً ، کما هو واضح لایخفیٰ .
وأمّا إذا کان محلّ البحث هی الصورة الثانیـة : فالتمسّک بأصالـة العموم محلّ إشکال ؛ لأنّ ظهوره فی العموم غیر منعقد مع اشتمالـه علی الضمیر الصالح للقرینیّـة ، کما أشار إلیـه فی الکفایـة ، فیصیر مجملاً ، فیجب الرجوع إلیٰ مقتضی الاُصول .
وممّا ذکرنا یظهر : أ نّـه لو کان محلّ النزاع عامّاً شاملاً لکلتا الصورتین ، فالواجب التفصیل ، والحکم بالرجوع إلی أصالـة العموم فی الصورة الاُولیٰ ، وبالاُصول العملیّـة فی الصورة الثانیـة ، فتدبّر جیّداً .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 322