ا‏لفصل ا‏لخامس : فی تعقّب ا‏لعامّ بضمیر یرجع إ‏لی بعض أفراده

‏ ‏

‏ ‏

‏ ‏

الفصل الخامس فی تعقّب العامّ بضمیر یرجع إلی بعض أفراده

‏ ‏

‏إذا تعقّب العامّ بضمیر یرجع إلیٰ بعض أفراده ، یوجب تخصیصـه بـه أو لا ؟‏‎ ‎‏فیـه خلاف .‏

‏ومحلّ النزاع ما إذا کان العامّ موضوعاً لحکم آخر غیر الحکم المترتّب علی‏‎ ‎‏البعض المدلول علیـه بالضمیر الذی یرجع إلیـه ، مثل قولـه تعالیٰ : ‏‏«‏والمطلّقات‎ ‎یتربّصن بأنفسهنّ ثلاثـة قروء‏»‏‏ إلیٰ قولـه : ‏‏«‏وبعولتهنَّ أحقُّ بردّهنّ‏»‏‎[1]‎‏ وأمّا إذا‏‎ ‎‏کانت هنا قضیـة واحدة ذکر فیها العامّ والضمیر معاً ، مثل قولـه : «والمطلّقات‏‎ ‎‏أزواجهنّ أحقّ بردّهنّ» ، فلاشبهـة فی تخصیصـه بـه ، کما هو واضح .‏

‏وهل محلّ الخلاف یختصّ بما إذا علم من الخارج بکون المراد من الضمیر‏‎ ‎‏الواقع فی القضیّـة الثانیـة هو بعض أفراد العامّ ، المذکورة فی القضیّـة الاُولیٰ ، کما‏‎ ‎‏فی المثال المذکور ، أو یختصّ بما إذا علم لا من الخارج ، بل بمجرّد إلقاء القضیّـة‏‎ ‎‏الثانیـة یعلم أنّ المراد هو البعض لحکم العقل بذلک مثلاً ، کما فی قولـه : أهن‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 320
‏الفسّاق واقتلهم ، فإنّ العقل یحکم بأنّ المراد بالضمیر لیس جمیع الفسّاق ؛ لعدم‏‎ ‎‏اقتضاء الفسق بنفسـه لإیجاب القتل ، بل المراد بـه هو الکفّار منهم ، أو یشمل‏‎ ‎‏الصورتین معاً ؟ وجوه ، وکلامهم خالیـة عن التعرّض لهذه الجهـة .‏

‏نعم ظاهر تمثیل أکثرهم بالآیـة الشریفـة التی هی من قبیل الصورة الاُولیٰ ؛‏‎ ‎‏لأنّ العلم باختصاص الأحقیّـة بالردّ ببعولـة المطلّقات الرجعیّات إنّما کان مستنداً‏‎ ‎‏إلیٰ دلیل آخر هو عدم الاختصاص بالصورة الثانیـة ، نعم لایستفاد منـه التعمیم أو‏‎ ‎‏الاختصاص بالصورة الاُولیٰ ، کما لایخفیٰ .‏

‏وکیف کان ، فإن کان محلّ البحث هی الصورة الاُولیٰ ، فلا إشکال فی أنّ‏‎ ‎‏أصالـة العموم الجاریـة فی القضیّـة الاُولیٰ یقتضی الحمل علی العموم ؛ لأنّ الأمر‏‎ ‎‏هنا دائر بین تخصیص واحد أو أزید ، وقد استقرّ رأی المحقّقین من الاُصولیّین علی‏‎ ‎‏التمسّک فی نفی الزائد بأصالـة العموم فیما إذا شکّ فی تخصیص زائد بالنسبـة‏‎ ‎‏إلیٰ عامّ واحد ، فضلاً عن مثل المقام الذی یکون فیـه عامّان خصّص أحدهما یقیناً‏‎ ‎‏والشکّ فی تخصیص الآخر .‏

توضیحـه‏ : أنّ القضیّـة المشتملـة علی الضمیر إنّما تقتضی بظاهرها ثبوت‏‎ ‎‏الحکم بالنسبـة إلیٰ جمیع أفراد العامّ ؛ لأنّ الضمیر موضوع للإشارة إلیٰ مرجعـه‏‎ ‎‏الذی هو العامّ فی المقام ، فقولـه : وبعولتهنّ بمنزلـة قولـه : وبعولـة المطلّقات ،‏‎ ‎‏والعلم باختصاصها بالرجعیات لایوجب استعمال الضمیر فیها حتّیٰ تلزم‏‎ ‎‏المجازیـة ؛ لما عرفت من أنّ التخصیص إنّما یقتضی قصر الإرادة الجدّیـة علیٰ‏‎ ‎‏غیر مورد الخاصّ ، ولایوجب أن یکون العامّ مستعملاً فیما عدا مورده ، وحینئذٍ‏‎ ‎‏فالدلیل علیٰ تخصیص القضیّـة الثانیـة لایوجب تصرّفاً فی القضیّـة الاُولیٰ أصلاً ؛‏‎ ‎‏لما عرفت من أنّ مورد الشکّ فی التخصیص یکون المرجع فیـه أصالـة العموم .‏

ومن هنا انقدح‏ : أ نّـه لا مجال حینئذٍ لهذا النزاع بعدما تقدّم منهم من عدم‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 321
‏اقتضاء التخصیص للمجازیـة ، وأنّ المرجع فی مورد الشکّ فیـه أو فی الزائد هی‏‎ ‎‏أصالـة العموم ، کما أ نّـه ظهر فساد ما فی الکفایـة من أنّ المتیقّن من بناء العقلاء‏‎ ‎‏هو اتّباع الظهور فیما إذا شکّ فی تعیین المراد ، وأمّا إذا شکّ فی کیفیـة الاستعمال‏‎ ‎‏مع العلم بالمراد ، کما فی ناحیـة الضمیر ، فلا‏‎[2]‎‏ ، وذلک لما عرفت من عدم استلزام‏‎ ‎‏التخصیص للمجازیّـة فی ناحیـة الضمیر ، فکما أنّ المراد معلوم کذلک کیفیّـة‏‎ ‎‏الاستعمال معلومـة .‏

‏نعم هذا إنّما یتمّ علیٰ مذهب القدماء القائلین بأنّ العامّ المخصّص یصیر‏‎ ‎‏مجازاً ، وهو مع أ نّـه خلاف التحقیق مخالف لما اختاره‏‎[3]‎‏ أیضاً کما عرفت .‏

‏کما أنّ التعبیر فی محلّ النزاع بضمیر یرجع إلی بعض أفراد العامّ لیس فی‏‎ ‎‏محلّـه ؛ لما عرفت من أنّ الضمیر لم یستعمل إلاّ فیما وُضع لـه ، وهو إیجاد الإشارة‏‎ ‎‏بـه إلیٰ مرجعـه الذی هو العامّ فی المقام ، والتخصیص لایوجب تصرّفاً فی مقام‏‎ ‎‏الاستعمال أصلاً ، کما هو واضح لایخفیٰ .‏

‏وأمّا إذا کان محلّ البحث هی الصورة الثانیـة : فالتمسّک بأصالـة العموم‏‎ ‎‏محلّ إشکال ؛ لأنّ ظهوره فی العموم غیر منعقد مع اشتمالـه علی الضمیر الصالح‏‎ ‎‏للقرینیّـة ، کما أشار إلیـه فی الکفایـة ، فیصیر مجملاً ، فیجب الرجوع إلیٰ مقتضی‏‎ ‎‏الاُصول .‏

وممّا ذکرنا یظهر‏ : أ نّـه لو کان محلّ النزاع عامّاً شاملاً لکلتا الصورتین ،‏‎ ‎‏فالواجب التفصیل ، والحکم بالرجوع إلی أصالـة العموم فی الصورة الاُولیٰ ،‏‎ ‎‏وبالاُصول العملیّـة فی الصورة الثانیـة ، فتدبّر جیّداً .‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 322

  • )) البقرة (2) : 228 .
  • )) کفایـة الاُصول : 272 .
  • )) نفس المصدر : 255 .