جواب ا‏لمحقّق ا‏لنائینی عن انحلال ا‏لعلم ا‏لإجما‏لی

جواب المحقّق النائینی عن انحلال العلم الإجمالی

‏ ‏

‏وأجاب المحقّق النائینی عن الانحلال ـ علیٰ ما فی التقریرات ـ بما‏‎ ‎‏حاصلـه : أنّ المعلوم بالإجمال تارةً یکون مرسلاً غیر معلّم بعلامـة یشار إلیـه بها ،‏‎ ‎‏واُخریٰ یکون معلّماً بعلامـة یشار إلیـه بها ، وانحلال العلم الإجمالی بالعثور علی‏‎ ‎‏المقدار المتیقّن إنّما یکون فی الصورة الاُولیٰ ، وأمّا الصورة الثانیـة فلاینحلّ‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 305
‏بذلک ، بل حالـه حال دوران الأمر بین المتبائنین .‏

وضابط القسمین‏ : أنّ العلم الإجمالی کلیّاً إنّما یکون علیٰ سبیل المنفصلـة‏‎ ‎‏المانعـة الخلوّ المنحلّـة إلیٰ قضیّـتین حملیّـتین ، وهاتان القضیّـتان :‏

تارة‏ : تکون إحداهما من أوّل الأمر متیقّنـة والاُخریٰ مشکوکـة بحیث‏‎ ‎‏یکون العلم الإجمالی ناشئاً منهما ، ویکون العلم الإجمالی عبارة عن ضمّ القضیّـة‏‎ ‎‏المتیقّنـة إلی المشکوکـة ، کما إذا علم إجمالاً بأ نّـه مدیون لزید : وتردّد بین أن‏‎ ‎‏یکون خمسـة دراهم أو عشرة ، فإنّ هذا العلم الإجمالی لیس إلاّ عبارة عن قضیـة‏‎ ‎‏متیقّنـة وهی کونـه مدیوناً لزید : بخمسـة دراهم ، وقضیـة مشکوکـة ، وهی کونـه‏‎ ‎‏مدیوناً لـه بخمسـة زائدة علی الخمسـة المتیقّنـة ، ففی مثل هذا العلم الإجمالی‏‎ ‎‏ینحلّ قهراً بالعثور علی المقدار المتیقّن ؛ إذ لا علم حقیقـة إلاّ بذلک المقدار ،‏‎ ‎‏والزائد کان مشکوکاً من أوّل الأمر ، ولم یکن من أطراف العلم .‏

واُخریٰ‏ : لاتکون القضیّتان علیٰ هذا النحو ، بل تعلّق العلم بالأطراف علیٰ‏‎ ‎‏وجـه تکون جمیع الأطراف ممّا تعلّق العلم بها بوجـه بحیث لو کان الأکثر هو‏‎ ‎‏الواجب ، لکان ممّا تعلّق بـه العلم وتنجّز بسببـه ، ولیس الأکثر مشکوکاً من أوّل‏‎ ‎‏الأمر ، وذلک فی کلّ ما یکون المعلوم بالإجمال معلّماً لعلامـة کان قد تعلّق العلم‏‎ ‎‏بـه بتلک العلامـة ، فیکون کلّ ما اندرج تحتها ممّا تعلّق بـه العلم بلا فرق بین‏‎ ‎‏الأقلّ والأکثر .‏

مثالـه‏ : ما إذا علمت بأ نّک مدیون لزید بما فی الدفتر ، فإنّ جمیع ما فیـه من‏‎ ‎‏دین لـه قد تعلّق العلم بـه ، سواء کان دینـه خمسـة أو عشرة ، بخلاف الصورة‏‎ ‎‏الاُولیٰ ، فإنّ قضیّـة کونـه مدیوناً لزید بعشرة کانت مشکوکـة من أوّل الأمر ، وفی‏‎ ‎‏مثل هذا لیس لـه الاقتصار علی المتیقّن ؛ إذ لا مؤمّن لـه علیٰ تقدیر ثبوت الأکثر‏‎ ‎‏فی الواقع بعدما نالَـه العلم وأصابـه ، فحال العلم الإجمالی فی مثل هذا الأقلّ‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 306
‏والأکثر حالـه فی المتبائنین فی وجوب الاحتیاط .‏

‏وإن شئت قلت : إنّ هنا علمین : علم إجمالی بکونـه مدیوناً لزید بجمیع ما‏‎ ‎‏فی الدفتر وعلم إجمالی آخر بأنّ دینـه عشرة أو خمسـة ، وانحلال الثانی الغیر‏‎ ‎‏المقتضی لوجوب الاحتیاط بالنسبـة إلی العشرة لاینافی العلم الإجمالی الأوّل‏‎ ‎‏المقتضی للاحتیاط بالنسبـة إلیها ؛ لعدم التزاحم بین اللاّ مقتضی والمقتضی .‏

‏إذا عرفت ذلک ، فنقول : ما نحن فیـه من قبیل الثانی ؛ لأنّ العلم قد تعلّق بأنّ‏‎ ‎‏فی الکتب التی بأیدینا مقیّدات ومخصّصات ، فیکون نظیر تعلّقـه بأ نّـه مدیون لزید‏‎ ‎‏بما فی الدفتر ، وقد عرفت عدم الانحلال فی هذا النحو بالعثور علی المقدار‏‎ ‎‏المتیقّن ، بل لابدّ فیـه من الفحص التامّ فی جمیع ما بأیدینا من الکتب‏‎[1]‎‏ . انتهیٰ .‏

أقول : الظاهر عدم تمامیّـة هذا الکلام ، فإنّـه یرد علیـه :

أوّلاً‏ : النقض بجمیع الموارد التی تردّد الأمر فیها بین الأقلّ والأکثر ؛ لأنّـه‏‎ ‎‏فیها وإن کان المعلوم بالإجمال مردّداً بینهما إلاّ أ نّـه تعلّق علم آخر بشیء من‏‎ ‎‏المقارنات ، فمقتضیٰ ما ذکره إصابـة العلم بالنسبـة إلی الأکثر أیضاً ، فیجب‏‎ ‎‏الاحتیاط .‏

‏مثلاً : إذا دار دین زید بین خمسـة أو عشرة ، ولکنّـه یعلم بأنّ دینـه کان فی‏‎ ‎‏الکیس ، أو کان فی الیوم الفلانی ، أو فی المجلس الفلانی ، فإنّ دینـه وإن کان‏‎ ‎‏مردّداً بینهما ، ولکنّـه یعلم بأنّ دینـه هو ما فی الکیس ، أو ما أدّاه إلیـه فی الیوم‏‎ ‎‏الفلانی ، أو المجلس الفلانی ، ومن المعلوم بناءً علیـه إصابـة العلم بالنسبـة إلی‏‎ ‎‏الأکثر ، فیجب الاحتیاط مع أ نّـه لم یقل بـه أحد ، ولایلتزم القائل بـه أیضاً .‏

وثانیاً‏ : الحلّ ، وتوضیحـه : أنّ العناوین التی یتعلّق بها العلم علیٰ قسمین :‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 307
‏قسم یکون ذلک العنوان بنفسـه موضوعاً للأثر الشرعی ، وقسم لایکون کذلک ، بل‏‎ ‎‏یکون من المقارنات .‏

‏وعلی الأوّل فتارة یکون ذلک العنوان أمراً بسیطاً ومصادیقـه المتحقّقـة فی‏‎ ‎‏الخارج محصّلات لـه ، کالطهور بناءً علیٰ أن یکون عبارةً عمّا یحصل من الوضوء‏‎ ‎‏أو الغسل مثلاً ، واُخریٰ یکون أمراً مرکّباً ، کإکرام العالم .‏

‏ولا إشکال فی وجوب الاحتیاط فی الأوّل لو دار أمر المحصّل لذلک‏‎ ‎‏العنوان بین الأقلّ والأکثر ؛ لأنّ الصلاة مثلاً مشروطـة بتحقّق الطهور ، وقد تعلّق‏‎ ‎‏العلم باشتراطها بهذا العنوان ، ومع الإتیان بالأقلّ لایعلم بحصولـه ، مع أ نّـه شرط‏‎ ‎‏فیها .‏

‏وعلی الثانی ففی وجوب الاحتیاط فیـه خلاف ، ویأتی تحقیقـه فی محلّـه .‏

‏هذا فی العناوین التی تکون بنفسها موضوعةً للآثار الشرعیة ، وأمّا العناوین‏‎ ‎‏التی لا تکون کذلک ، مثل عنوان ما فی الدفتر وما فی الکیس وغیرهما من‏‎ ‎‏العناوین التی لا تکون بنفسها مترتّبـة علیها الأحکام بل تکون من الاُمور‏‎ ‎‏المقارنـة للموضوع للحکم الشرعی والملازمـة لـه فی الخارج ، فلا وجـه‏‎ ‎‏لوجوب الاحتیاط فیها ، بل اللاّزم ملاحظـة ما هو الموضوع للأثر الشرعی ،‏‎ ‎‏والمفروض أنّ أمره دائر بین الأقلّ والأکثر ، والأصل یجری بالنسبـة إلی الأکثر ،‏‎ ‎‏کما اعترف بـه .‏

‏وبالجملـة ، فالعلم المتعلّق بهذا العنوان لایعقل أن یصیر سبباً لتنجّز الحکم‏‎ ‎‏بعد عدم کون ذلک العنوان موضوعاً لـه .‏

‏فدعویٰ أنّ ذلک العلم یقتضی التنجّز ولو کان متعلّقاً بالأکثر ، ممنوعـة جدّاً ،‏‎ ‎‏ومسألتنا من هذا القبیل ؛ ضرورة أنّ العلم الموجب للتنجّز هو العلم بوجود‏‎ ‎‏المخصّصات والمقیّدات لابما أ نّها موجودة فی الکتب والجوامع ؛ لأنّ هذا العنوان‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 308
‏من المقارنات التی لایضرّ عدمها ، ولاینفع وجودها ، کما هو واضح ، فینحصر العلم‏‎ ‎‏المنجّز بما یکون معلومـه من أوّل الأمر مردّداً بین الأقلّ والأکثر ، وهو مجری‏‎ ‎‏البراءة .‏

‏نعم ، فی المثال الذی ذکره یجب الاحتیاط ، لا لتعلّق العلم بذلک العنوان ؛‏‎ ‎‏لوجوبـه فی شبهاتـه البدویّـة أیضاً علیٰ ما ذکروه فی مبحث البراءة من أنّ جریان‏‎ ‎‏الأصل فی الشبهات الموضوعیـة مشروط بأن لایکون قادراً علی إحراز الواقع‏‎ ‎‏بمجرّد أدنیٰ تفحّص ، فإذا شکّ فی أ نّـه مدیون لزید ، فلایجوز لـه إجراء البراءة بعد‏‎ ‎‏العلم بأ نّـه بمراجعـة الدفتر یظهر لـه الحال .‏

‏نعم عمّموا جریانها فی بعض الشبهات الموضوعیـة ، کالشبهـة من حیث‏‎ ‎‏النجاسـة ؛ لورود النصّ فیها .‏

‏وکیف کان فما ذکره من وجوب الاحتیاط فی القسم الثانی من جهـة العلم‏‎ ‎‏الإجمالی ممّا لایتمّ أصلاً ، کما عرفت ، فبقی الإشکال علیٰ حالـه .‏

‏نعم ، ما ذکره جواباً علیٰ ذیل الإشکال الراجع إلیٰ منع کون دائرة العلم‏‎ ‎‏أوسع ممّا بأیدینا من الکتب والجوامع ، ممّا لایبعد الالتزام بـه ، کما أنّ صاحب‏‎ ‎‏المقالات أجاب عنـه بمثل ما ذکره حیث ذکر أنّ بعد الفحص وعدم الظفر‏‎ ‎‏بالمعارض یستکشف خروج هذا المورد عن دائرة العلم ؛ لأنّ أطرافـه هی‏‎ ‎‏المعارضات التی لو تفحّص عنها لظفر بـه ، فعدم الظفر یکشف عن خروجـه عن‏‎ ‎‏أطراف العلم .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 309

  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 543 ـ 546 .