تقریر محطّ البحث ومحلّ النزاع
ولیکن محلّ البحث ممحّضاً فی أنّ أصالـة العموم هل یکون متّبعةً مطلقاً ، أو بعد الفحص والیأس ؟ بعد الفراغ عن حجّیتها من باب الظنّ النوعی وعدم اختصاص حجّیتها بالمشافهین ، ولم یکن العامّ معلوم التخصیص تفصیلاً أو إجمالاً ، کما أنّ الظاهر اختصاصـه بالمخصّص المنفصل ، وأمّا المتّصل فلایکون احتمالـه مانعاً من التمسّک بها مطلقاً ؛ لأنّـه نظیر قرینـة المجاز ، وقد قام الإجماع علیٰ عدم الاعتناء باحتمالها .
إذا ظهر لک ذلک ، فاعلم أنّ التحقیق یقتضی التفصیل فی الموارد ، کما فی الکفایـة والقول بلزوم الفحص فیما إذا کان العامّ فی معرض التخصیص ، نظیر
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 302
العمومات الواقعـة فی القوانین التی یجعلها العقلاء لنظام اُمورهم علیٰ ما هو المتداول بینهم ، فإنّ جعل القانون یقتضی أن یجعل فی الأوّل أمراً کلیّاً ثمّ بیان المخصّصات والمستثنیات فی الفصول المتأخّرة والقوانین الموضوعـة فی الشریعـة إنّما هی علیٰ هذا المنوال ، ولم تکن مجعولةً علیٰ غیر النهج المتعارف بین العقلاء المقنّنین للقوانین الدنیویـة التی یکون المقصود بها انتظام اُمورهم ، وهذا بخلاف العمومات الواقعـة فی ألسنـة أهل المحاورات التی لو کان المقصود بها غیر ما هو ظاهرها لاتّصل بـه ما یدلّ علیٰ ذلک نوعاً ، ولم یکن دأبهم بیان العموم ثمّ ذکر المخصّص لو کان مخصّصاً فی البین ، فأصالـة العموم فی هذا النحو من العمومات متّبعـة مطلقاً ، بخلاف ما کان من قبیل الأوّل ، فإنّ جریانها فیـه مشروط بالفحص والیأس عن الظفر بالخاصّ .
ومن هنا یظهر : أنّ الفحص هنا أیضاً یکون عمّا لا حجّیـة للعامّ بدون الفحص عنـه نظیره فی الاُصول العملیـة التی لم تکن حجّةً قبل الفحص أصلاً ؛ لما عرفت من أنّ جریانها مشروط بالفحص فقبلـه لایکون هنا حجّـة أصلاً ؛ لتوقّف الحجیّـة علیٰ إحراز کون مدلول الکلام مراداً جدّیاً للمولیٰ ، وهذا المعنیٰ إنّما یثبت بعد جریان أصالـة العموم التی تکون مشروطةً بالفحص ، فعدم جریانها قبلـه یوجب عدم حجّیـة العامّ .
فظهر أنّ العامّ قبل الفحص عن المخصّص لایکون حجّةً أصلاً ، کما أنّ الاُصول العملیـة أیضاً کذلک .
فانقدح بذلک : فساد ما فی الکفایـة من الفرق بین الفحص فی المقامین بأنّ الفحص هنا عمّا یزاحم الحجّیـة ، بخلافـه هناک ؛ فإنّـه بدونـه لا حجّـة .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 303
وجه الفساد ما عرفت من أنّ العامّ قبل الفحص أیضاً لایکون حجّةً ؛ لما مرّ .
ثمّ لایخفیٰ أ نّـه وإن لم یکن حجّـة قبلـه إلاّ أنّ ظهوره فی العموم قد انعقد واستقرّ ولو بعد التخصیص ، سواء کانت العمومات من قبیل الأوّل أو الثانی ؛ إذ مجرّد جری العادة علیٰ ذکر المخصّصات منفصلاً لایوجب إلاّ عدم حجّیـة العامّ قبل الفحص عنها ، لا عدم انعقاد ظهور لـه فی العموم ، وعلیـه فلو کان الخاصّ دائراً بین الأقلّ والأکثر ، لایسری إجمالـه إلی العامّ أصلاً بل یرفع الید عن ذلک الظهور بالمقدار الذی یکون الخاصّ فیـه حجّةً ، ویحکم فی الباقی بتطابق الإرادة الجدّیة مع الاستعمالیـة .
فما فی الدّرر ـ من أنّ حال المخصّص المنفصل فی کلام المتکلّم الذی جرت عادتـه علیٰ بیان الخاصّ منفصلاً حال المخصّص المتّصل فی کلام غیره ، فیسری إجمالـه فی الفرض المذکور إلی العامّـ محلّ نظر بل منع ، فتدبّر .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 304