ا‏لرابعـة‏: اعتبارات موضوع ا‏لعامّ ا‏لمخصّص

الرابعـة : اعتبارات موضوع العامّ المخصّص

‏ ‏

‏إذا عرفت ذلک کلّـه ، فاعلم أنّ التخصیص وإن لم یوجب تقیید حکم العامّ‏‎ ‎‏بحیث یوجب أن یکون الحکم المنشأ متعلّقاً بغیر مورد الخاصّ ، إلاّ أ نّـه یوجب‏‎ ‎‏تضییق الموضوع فی الإرادة الجدّیـة ، وتخصیصـه بغیر مورده ، فقولـه : أکرم‏‎ ‎‏العلماء ، بعد تخصیصـه بلا تکرم الفسّاق منهم ، یکون المراد بـه هو إکرام العلماء‏‎ ‎‏الغیر الفسّاق ، وحینئذٍ نقول : إنّ أخذ هذا الأمر العدمی فی الموضوع یمکن أن‏‎ ‎‏یکون نظیر القضیـة الموجبـة المعدولـة المحمول بحیث یکون الأمر السلبی‏‎ ‎‏محمولاً علیـه ووصفاً لـه ، فیصیر الموضوع حینئذٍ هو إکرام العلماء الموصوفین‏‎ ‎‏بغیر الفسق ، ویمکن أن یکون نظیر القضیّـة الموجبـة السالبـة المحمول ، فیکون‏‎ ‎‏القید کالمحمول فیها قضیّـة سالبـة ، فیصیر الموضوع حینئذٍ هو إکرام العلماء‏‎ ‎‏الذین لایکونون فاسقین .‏

‏وأمّا احتمال أن یکون أخذ القید العدمی فی المقام نظیر القضیّـة السالبـة‏‎ ‎‏المحصّلـة الصادقـة مع عدم الموضوع بحیث یکون الموضوع فی المقام هو :‏‎ ‎‏العالم لیس بفاسق ، بحیث لاینافی عدم الموضوع ، فمندفع بأنّ هذا النحو من‏‎ ‎‏الموضوع لایعقل أن یکون موضوعاً للأحکام الشرعیـة ، فإنّـه لایعقل إیجاب إکرام‏‎ ‎‏العالم لیس بفاسق الصادق مع عدم العلم أیضاً کما هو واضح .‏

‏نعم یمکن أن یؤخذ موضوعـه مفروض الوجود بأن یقال : العالم الموجود‏‎ ‎‏لیس بفاسق ، مثل أن یقال : زید الموجود لیس بقائم ، فإنّ مع فرض وجود‏‎ ‎‏الموضوع ینحصر فرض صدق القضیـة فی عدم ثبوت المحمول لـه فی الواقع ،‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 295
‏وحینئذٍ نقول : لامجال لجریان الاستصحاب فی المرأة التی شکّ فی کونها قرشیـة‏‎ ‎‏لإثبات عدم کونها کذلک ، فیترتّب علیها حکم المرأة الغیر القرشیـة ، وهو رؤیتها‏‎ ‎‏الدم إلیٰ خمسین .‏

أمّا علی الاحتمال الأوّل‏ ـ الذی یکون مرجعـه إلی أنّ الموضوع هی المرأة‏‎ ‎‏المتّصفـة بوصف الغیر القرشیـة ـ فواضح ؛ لأنّ ثبوت الوصف إنّما یتوقّف علیٰ‏‎ ‎‏تحقّق الموصوف وثبوتـه ، وهذه المرأة المتولّدة فی الحال لم تکن متحقّقةً فی‏‎ ‎‏الأزل فضلاً عن أن تکون متّصفةً بوصف ، فلیس للاستصحاب حالة سابقة أصلاً .‏

وکذا علی الاحتمال الثانی‏ الذی مرجعـه إلیٰ جعل نظیر القضیّـة السالبـة‏‎ ‎‏وصفاً للموضوع ، فإنّ اتّصافـه بـه مشروط بوجوده ، والمعلوم خلافـه فی الأزل ،‏‎ ‎‏فضلاً عن اتّصافـه بـه ، فلا مجال للاستصحاب أصلاً .‏

وأمّا علی الاحتمال الأخیر‏ الذی کان مرجعـه إلی أنّ أخذ القید العدمی لا‏‎ ‎‏علیٰ سبیل الوصف ، ولکن کان موضوعـه مفروض الوجود ، فالظاهر أیضاً عدم‏‎ ‎‏جریان الاستصحاب ؛ لأنّ المفید فی المسألـة إنّما هو استصحاب عدم قرشیـة‏‎ ‎‏مرأة خاصـة ، والمعلوم أنّ الموضوع کان منتفیاً فی الأزل ؛ لأنّ المصحّح للإشارة‏‎ ‎‏إلیها بأنّ هذه المرأة لم تکن قرشیّةً إنّما هو الوجود ؛ إذ لایعقل الإشارة إلی الأعدام‏‎ ‎‏حسّیةً کانت أو عقلیّةً .‏

‏وما تقدّم فی تقریب القول بالجریان من إمکان أن یقال : هذه المرأة ، مشیراً‏‎ ‎‏إلیٰ ماهیتها ، إلی آخره ، فهو غیر صحیح ؛ لأنّ الماهیّـة قبل وجودها لا تکون شیئاً‏‎ ‎‏حتّیٰ یمکن أن تقع مشاراً إلیها .‏

إن قلت‏ : نجعل الحالـة السابقـة : المرأة الغیر القرشیـة علیٰ نحو القضایا‏‎ ‎‏السالبـة التی تکون أعمّ من وجود الموضوع ‏‏[‏‏و‏‏]‏‏ نستصحبها إلیٰ زمان وجودها ،‏‎ ‎‏فیصیر الموضوع موجوداً ، فیترتّب علیـه الحکم .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 296
قلت‏ : استصحاب تلک الحالـة وجرّها إلیٰ زمان وجود المرأة وإن کان‏‎ ‎‏صحیحاً من حیث وجود الحالـة السابقـة إلاّ أنّ تطبیق تلک الحالـة التی تکون‏‎ ‎‏أعمّ من وجود الموضوع علی الحالـة اللاّحقـة المشروطـة بوجود الموضوع‏‎ ‎‏یکون بحکم العقل ، فهو یکون حینئذٍ مثبتاً ؛ لأنّ الأثر الشرعی مترتّب علی‏‎ ‎‏الخاصّ ، وإثباتـه إنّما هو بحکم العقل ، فالحقّ عدم جریان هذا الاستصحاب‏‎ ‎‏ونظائره ، کاستصحاب عدم قابلیّـة التذکیـة ، وأمّا استصحاب غیر العدم الأزلی :‏‎ ‎‏فالأقویٰ جریانـه فیما إذا کانت لـه حالـة سابقـة متیقّنـة فی بعض الموارد لا‏‎ ‎‏مطلقاً .‏

وتفصیلـه‏ : أ نّـه لو قال : أکرم العلماء إلاّ الفسّاق منهم ، أو کان المخصّص‏‎ ‎‏منفصلاً ، ثمّ شکّ فی أنّ زیداً العالم هل یکون فاسقاً أو لا ، فتارة یکون زید فی‏‎ ‎‏السابق عالماً غیر فاسق یقیناً ، فلاشبهـة فی جریان الاستصحاب بالنسبـة إلی‏‎ ‎‏العالم المقیّد بذلک القید ، فیترتّب علیـه حکم العامّ لتنقیح موضوعـه‏‎ ‎‏بالاستصحاب ، فیدخل فی الکبری الکلّیـة ، واُخریٰ یکون فی السابق غیر فاسق‏‎ ‎‏یقیناً ولکن لم یکن عالماً ، فالآن شکّ فی بقاء عدالتـه مع العلم باتّصافـه بالعالمیـة‏‎ ‎‏فی الحال ، والظاهر عدم جریان الاستصحاب حینئذٍ ؛ لأنّ القاعدة الکلّیـة فی‏‎ ‎‏صحّـة جریان الاستصحاب الموضوعی أن یکون المستصحب بنفسـه صغریً‏‎ ‎‏لإحدی الکبریات الشرعیـة بلاواسطـة ، وفی المقام لیس کذلک ؛ لأنّ استصحاب‏‎ ‎‏کون زید غیر فاسق إنّما یجدی فی إثبات کونـه غیر فاسق ، ولکنّـه لایکون‏‎ ‎‏موضوعاً للحکم الشرعی ، ضرورة أ نّـه تعلّق بالعالم الغیر الفاسق ، وإثباتـه‏‎ ‎‏بضمیمـة الوجدان ، ضرورة أنّ زیداً لو کان فی الحالـة اللاّحقـة غیر فاسق یکون‏‎ ‎‏عالماً غیر فاسق إنّما هو بحکم العقل ، فیصیر الأصل مثبتاً ، فلایجری ، کما أ نّـه‏‎ ‎‏لایجری فیما إذا کان عالماً فاسقاً فی الزمان السابق ثمّ صار عادلاً فی اللاّحق‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 297
‏ولکن شکّ فی بقاء علمـه ، فإنّ استصحاب علمـه لایجدی بعد کون الموضوع هو‏‎ ‎‏العالم الغیر الفاسق إلاّ علی القول بالأصل المثبت .‏

ولکن لایخفیٰ‏ : أنّ هذا الفرض خارج عن المقام ؛ لأنّ مفروضـه استصحاب‏‎ ‎‏عدم عنوان الخاصّ ومثلـه فی الخروج عن مورد النزاع ما لو کان زید عالماً غیر‏‎ ‎‏فاسق فی السابق یقیناً ثمّ شکّ فی بقاء علمـه مع العلم بعدالتـه عکس الصورة‏‎ ‎‏الاُولیٰ ، ولا إشکال أیضاً فی جریان الاستصحاب فیها ؛ لأنّـه کان فی السابق عالماً‏‎ ‎‏غیر فاسق ، فیستصحب هذا العنوان المقیّد ، ویجری علیـه حکم العامّ فی الزمان‏‎ ‎‏اللاّحق ، کما هو واضح .‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 298