تفصیل المحقّق النائینی فی المخصّص اللبّی
ثمّ إنّـه فصّل المحقّق النائینی قدس سره ـ علیٰ ما فی التقریرات ـ فی المخصّص اللبّی بین ما إذا کان الذی لم یتعلّق بـه إرادة المولیٰ من العناوین الغیر الصالحـة لأن تکون قیداً للموضوع وکان إحرازها من وظیفـة الآمر بأن کان من قبیل الملاکات وبین ما إذا کان ذلک من العناوین التی لا تصلح إلاّ أن تکون قیداً للموضوع ولم یکن إحراز انطباقها علیٰ مصادیقها من وظیفـة الآمر والمتکلّم ، بل من وظیفـة المأمور والمخاطب ، فقال بالجواز فی الأوّل دون الثانی .
مثال الثانی : قولـه علیه السلام : «انظروا إلیٰ رجل قد رویٰ حدیثنا . . .» ، فإنّـه عامّ یشمل العادل وغیره ، إلاّ أ نّـه قام الإجماع علی اعتبار العدالـة ، فتکون قیداً للموضوع ، ولایجوز الرجوع إلی العموم عند الشکّ فی عدالـة مجتهد ، کما إذا کان اعتبار العدالـة بدلیل لفظی .
ومثال الأوّل : قولـه علیه السلام : «اللهمَّ العن بنی أُمیّـة قاطبـة» حیث یعلم أنّ الحکم لایشمل المؤمن منهم ؛ لأنّ اللعن لایصیب المؤمن ، فالمؤمن خرج عن العامّ ؛ لانتفاء ملاکـه ، ولایکون قیداً للموضوع ؛ فإنّ مثل حکم اللعن لایصلح أن یعمّ المؤمن حتّیٰ یکون خروجـه من باب التخصیص ، ویکون إحراز أنّ فی بنی أُمیـة مؤمناً إنّما هو من وظیفـة المتکلّم حیث لایصحّ لـه إلقاء العموم إلاّ بعد إحراز ذلک ، فلو فرض أ نّـه علمنا بکون خالد بن سعید مثلاً مؤمناً ، کان ذلک موجباً لعدم
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 284
اندراجـه تحت العموم ، ولکن المتکلّم لم یبیّنـه لمصلحـة هناک اقتضت ذلک ، فلایجوز لنا لعنـه ؛ لعلمنا بعدم ثبوت الملاک فیـه ، وأمّا إذا شککنا فی إیمان أحد منهم ، فاللاّزم الأخذ بالعموم وجواز لعنـه ؛ لأنّـه من نفس العموم یستکشف أ نّـه لیس بمؤمن ، وأنّ المتکلّم أحرز ذلک حیث إنّـه من وظیفتـه ، فلو لم یحرز أنّ المشکوک غیر مؤمن ، لما ألقی العموم کذلک ، فأصالـة العموم حینئذٍ جاریـة ، ویکون المعلوم الخروج من التخصیص الأفرادی حیث إنّـه لم یؤخذ عنوان قیداً للموضوع . انتهی .
وأنت خبیر بأنّ محلّ النزاع فی هذا المقام : هو ما إذا کان الخاصّ عنواناً کلّیاً ذا مصادیق وأفراد ، غایـة الأمر کون بعض المصادیق مردّداً ، وأمّا إذا کان التخصیص أفرادیاً ، فلا إشکال فی جواز التمسّک بالعامّ ؛ لأنّ مرجع الشکّ إلی الشکّ فی التخصیص الزائد ، وحینئذٍ نقول : إن کان الخارج عن عموم قولـه : «اللهمّ العن بنی أُمیـة قاطبـة» هو عنوان المؤمن ، فمن الواضح عدم الفرق بینـه وبین سائر الموارد ، کما هو واضح ، وإن کان التخصیص أفرادیاً ، فالقول بالجواز فیـه لیس تفصیلاً فی محلّ النزاع ، کما عرفت .
ثمّ إنّـه قد استدلّ أیضاً علی الجواز فی مورد النزاع : بأنّ قول القائل : أکرم العلماء ، یدلّ بعمومـه الأفرادی علیٰ وجوب إکرام کلّ واحد من العلماء ، وبإطلاقـه علیٰ سرایـة الحکم إلیٰ کلّ حالـة من الحالات التی تفرض للموضوع ، ومن جملـة حالاتـه کونـه مشکوک الفسق والعدالـة ، کما أنّ من جملـة حالاتـه کونـه معلوم العدالـة أو معلوم الفسق ، وخرج بقولـه : لا تکرم الفسّاق من العلماء ، معلوم الفسق منهم ، لا لمدخلیـة العلم فی الموضوع ، بل لأنّ المعلوم خروج معلوم
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 285
الفسق ، ولایعلم خروج الباقی ، فمقتضی أصالـة العموم والإطلاق بقاء المشکوک تحت الحکم هذا .
وهذا الدلیل أوضح فساداً من الدلیل المتقدّم ، وذلک لأنّ موضوع حرمـة الإکرام إنّما هو الفاسق الواقعی ، لا الفاسق المعلوم ، وحینئذٍ فلو قیل بشمول حکم العامّ لـ «زید» الذی هو مشکوک الفسق ، یلزم اجتماع حکمین واقعیّین ـ : أحدهما إیجابی ، والآخر تحریمی مثلاً ـ علی إکرامـه لو کان فی الواقع فاسقاً ، فهو من حیث إنّـه مشکوک الفسق یکون إکرامـه واجباً بمقتضی العامّ ، ومن جهـة أ نّـه فاسق واقعاً یکون إکرامـه محرّماً بمقتضیٰ دلیل الخاصّ هذا ، ولو صحّ ما ذکره یلزم تعلّق حکمین بإکرامـه من جهـة واحدة ، وذلک لأنّ الإطلاق الاحوالی کما یجری فی دلیل العامّ یجری فی الخاصّ أیضاً ؛ لأنّ موضوعـه هو الفاسق الواقعی ، سواء کان معلوم الفسق أومشکوکـه ، فزید من حیث إنّـه مشکوک الفسق کمایجب إکرامـه بمقتضی إطلاق العامّ کذلک یکون مقتضی دلیل الخاصّ حرمـة إکرامـه ، ومن الواضح استحالـة اجتماع الحکمین .
وتوهّم : اندفاع الإشکال الأوّل بأنّ اجتماعهما فی المقام نظیر اجتماع الحکم الواقعی مع الظاهری ، وذلک ؛ لأنّ حکم الخاصّ غیر مقیّد بخلاف العامّ ، فإنّ شمولـه لـه إنّما هو من حیث کونـه مشکوک الفسق ، فموضوعـه مقیّد بالشکّ دون حکم الخاصّ .
مندفع : بأنّ الجمع بین الحکم الواقعی والظاهری من جهـة أنّ الشکّ فی الأوّل مأخوذ فی موضوع الثانی ، وهنا لیس کذلک ؛ لأنّ شمول العامّ لـه لیس لکونـه مشکوک الحکم ، بل لکونـه مشکوک الفسق ، فلاربط لهذا المقام بذلک الباب .
والذی یسهّل الخطب أنّ معنی الإطلاق لیس کما توهّمـه المستدل ، بل هو
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 286
ـ کما ذکرناه مراراً ـ عبارة عن أنّ تمام الموضوع للحکم المجعول هو المذکور بلا مدخلیـة شیء آخر ، لا أ نّـه قد لاحظ السریان والشمول ، فإنّـه حینئذٍ لایبقیٰ فرق بینـه وبین العموم أصلاً ، وهذا المورد أیضاً من الموارد التی وقع الخلط فیها بینهما ، فتأمّل ؛ لکی لا تخلط بینهما .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 287