حول جواز التمسّک بالعامّ فی الشبهـة المصداقیّـة
إذا عرفت ذلک ، فاعلم أ نّـه قد یقال بجواز التمسّک بالعامّ فی الشبهـة المصداقیـة للمخصّص .
وقد استدلّ لـه بوجوه أجودها ما ذکره فی الکفایـة من أنّ الخاصّ إنّما یزاحم العامّ فیما کان فعلاً حجّـة ، ومن المعلوم أ نّـه حجّـة بالنسبـة إلیٰ مَنْ علم أ نّـه من مصادیقـه ، وأمّا بالنسبـة إلی الفرد المشتبـه فلایکون حجّةً ، فلایعارض العامّ فیـه ، ولایزاحمـه ، فإنّـه یکون من قبیل مزاحمـة الحجّـة بغیر الحجّـة .
ولایخفیٰ فساده .
بیان ذلک : أنّ مناط حجّیة الدلیل إنّما هوباجتماع هذه المراتب الثلاثـة فیه :
الاُولیٰ : کونـه ظاهراً بحسب معناه اللغوی أو العرفی فی المعنی المقصود للمتکلّم .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 280
الثانیـة : أصالـة الحقیقـة التی تقتضی کون الظاهر مراداً لـه .
الثالثـة : أصالـة تطابق الإرادة الجدّیـة مع الإرادة الاستعمالیـة بمعنیٰ کون المتکلّم مریداً لمعناه الحقیقی جدّاً بحیث لایکون هازلاً ، ومع کون الدلیل فاقداً لشیء من هذه المراتب لایصحّ الاحتجاج بـه علی العبد ، کما هو واضح .
وحینئذٍ فنقول : إنّ هنا دلیلین : أحدهما : قولـه : أکرم العلماء ، ثانیهما : قولـه : لا تکرم الفسّاق منهم ، فلو کان الدلیل منحصراً فی الأوّل ، لکانت المراتب الثلاثـة مجتمعةً فیـه ، وحاکمةً بوجوب إکرام جمیع العلماء جدّاً ، إلاّ أنّ جریانها فی الدلیل الثانی یقتضی کون الإرادة الجدّیـة متعلّقةً بالزجر عن إکرام الفسّاق من العلماء ، فیرفع الید بسببـه عن الأصل العقلائی الجاری فی الأوّل مع قطع النظر عن الثانی ، فیقتصر فی جریانـه علی المورد الخارج عن الدلیل المخصّص واقعاً ، فیظهر أنّ هنا إرادتین جدّیتین : إحداهما تعلّقت بوجوب إکرام العالم الغیر الفاسق الواقعی ، والاُخریٰ بالزجر عن إکرام الفاسق الواقعی ، فإذا شکّ فی فرد أ نّـه هل یکون عالماً فاسقاً أو غیر فاسق ؟ فمرجع الشکّ إلی أ نّـه هل یکون داخلاً فی المراد بالإرادة الجدّیـة الأوّلیـة أو داخلاً فی المراد بالإرادة الجدّیـة الثانویـة ؟ فکما أ نّـه لایجوز التمسّک بالخاصّ والرجوع إلیـه ـ کما هو المفروض ـ للشک فی تعلّق الإرادة بـه کذلک لایجوز التمسّک بالعامّ أیضاً ؛ للشکّ فی تعلّق الإرادة الجدّیـة بـه ؛ إذ لا فرق بینهما من هذه الجهـة ، ومجرّد کونـه داخلاً فی العموم بحسب الظاهر لایقتضی حجّیتـه بالنسبـة إلیـه بعدما عرفت من توقّفها علی تعلّق الإرادة الجدّیـة بـه أیضاً ، وهی مقصورة علی العالم الغیر الفاسق .
ومن هنا یعرف فساد ما ذکره : من أنّ الخاصّ لایعارض العامّ ؛ لأنّـه من قبیل مزاحمـة الحجّـة بغیر الحجّـة ، فإنّک عرفت أنّ العامّ أیضاً لایکون حجّةً حتّیٰ یکون من ذاک القبیل ؛ لقصوره عن شمولـه بما هو حجّـة ؛ لأنّ حجّیتـه مقصورة
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 281
علیٰ غیر مورد الخاصّ ، فعدم شمول العامّ لـه ؛ لقصور فیـه ، لا لمزاحمتـه بالخاصّ حتیٰ یستشکل علیـه بما ذکر .
وبالجملـة ، فبناء العقلاء لایکون علی العمل بالدلیل فیما إذا شکّ فی کونـه متعلّقاً للإرادة الجدّیـة ، ولذا لایعملون بالخاصّ فی الفرد المشتبـه ، ولابالعامّ فی الفرد الذی شکّ کونـه عالماً .
هذا هو غایـة ما یمکن أن یقال فی تقریب مراد الکفایـة .
هذا ، ولایرد نظیر هذا الکلام فی العامّ المخصّص بالمنفصل المردّد بین الأقلّ والأکثر بحسب المفهوم الذی قلنا بجواز الرجوع فی المورد المشکوک إلی العامّ ، وذلک لأنّ دلیل الخاصّ فاقد للمرتبـة الاُولی التی هی عبارة عن الظهور ؛ لأنّ معناه اللغوی مردّد بینهما ، فحجّیتـه مقصورة علی القدر المتیقّن ، وهو مرتکب الکبیرة فی المثال ، فیرفع الید عن العامّ بالنسبـة إلیٰ خصوص المتّصف بهذه الصفـة ، ویبقیٰ حجّـة فی غیر مورده ، فلا إشکال فی جواز الرجوع إلیـه .
ثمّ إنّـه لایخفیٰ عدم الفرق فیما ذکرنا بین کون المخصّص لفظیاً أو لبیّاً ؛ إذ لا فرق بین أن یقول المولیٰ : لا تکرم الفسّاق من العلماء ، وبین أن یحکم العقل بذلک ؛ إذ حکم العقل عبارة عن الکبریات الکلّیـة ، فالإرادة الجدّیـة أیضاً علیٰ طبقها ، فیجری الکلام المتقدّم بعینـه .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 282