ا‏لأمر ا‏لثا‏لث‏: فی استغناء ا‏لعامّ عن مقدّمات ا‏لحکمـة

الأمر الثالث : فی استغناء العامّ عن مقدّمات الحکمـة

‏ ‏

‏ثمّ إنّ هنا إشکالاً ، وهو أنّـه لیس لنا لفظ عام یدلّ علی العموم مع قطع النظر‏‎ ‎‏عن جریان مقدّمات الحکمـة ، ضرورة أنّ کلمـة «کلّ» لا تدلّ إلاّ علی استیعاب‏‎ ‎‏أفراد مدخولـه ، وأمّا أنّ مدخولـه مطلق أو مقیّد فلایستفاد منها أصلاً ، فإنّها تابعـة‏‎ ‎‏لمدخولها ، فإن اُخذ مطلقاً ، فهی تدلّ علیٰ تمام أفراد المطلق ، وإن اُخذ مقیّداً ، فهی‏‎ ‎‏تدلّ علیٰ جمیع أفراد المقیّد ، فاستفادة العموم بالنسبـة إلیٰ جمیع أفراد المطلق‏‎ ‎‏موقوفـة علیٰ إحراز کون المدخول مطلقاً ، وذلک یتوقّف علی إجراء مقدّمات‏‎ ‎‏الحکمـة ، کما هو واضح .‏

‏وقد أجاب عنـه فی الدّرر‏‎[1]‎‏ بما لایرجع إلیٰ محصّل .‏

‏والتحقیق فی الجواب أن یقال : إنّ مقدّمات الحکمـة حیث تجری تکون‏‎ ‎‏نتیجتها إثبات الإطلاق فی موضوع الحکم بمعنی أنّ تمام الموضوع لحکمـه‏‎ ‎‏المجعول إنّما هی الطبیعـة معرّاة عن جمیع القیود ، وذلک حیث یکون الأمر دائراً‏‎ ‎‏بین کون الموضوع هی نفس الطبیعـة أو هی مقیّدة ، وأمّا فی أمثال المقام ممّا‏‎ ‎‏لایکون الموضوع هو الطبیعـة بل أفرادها ـ کما فیما نحن فیـه ـ فلا مجال لإجراء‏‎ ‎‏المقدّمات فی مدخول ألفاظ العموم بعد وضوح أنّ الموضوع لیس هو المدخول ،‏‎ ‎‏بل هو مع مضمون تلک الألفاظ الدالّـة علی استیعاب الأفراد .‏

‏نعم بعبارة اُخریٰ نقول : التعبیر بلفظ العموم الذی یدلّ علی الاستیعاب‏‎ ‎‏ظاهر فی کون المتکلّم متعرّضاً لبیان موضوع حکمـه ، والتعرّض ینافی الإهمال ،‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 265
‏وحینئذٍ فالشکّ فی کون الموضوع هو جمیع أفراد الرجل مثلاً أو أفراد الرجل‏‎ ‎‏العالم ینشأ من احتمال الخطأ فی عدم ذکر القید ، وهو مدفوع بالأصل .‏

‏وبالجملـة ، فمجری المقدّمات هو ما إذا دار الأمر بین الإهمال وغیره ، وفی‏‎ ‎‏المقام لا مجال لاحتمال الإهمال بعد کون المتکلّم متعرّضاً لبیان الموضوع ، وأنّـه‏‎ ‎‏هو جمیع الأفراد ؛ إذ بعد دلالـة الکلام علیٰ هذه الجهـة یکون لا محالـة الشکّ‏‎ ‎‏فی سعـة الموضوع وضیقـه ، مستنداً إلی احتمال الخطأ فی عدم ذکر القید ، وقد‏‎ ‎‏عرفت أنّـه مدفوع بالأصل العقلائی الذی یقتضی العدم ، فظهر أنّ دلالـة مثل لفظـة‏‎ ‎‏«کلّ» علی العموم لا تحتاج إلیٰ مقدّمات الحکمـة أصلاً ، فتأمّل فإنّـه دقیق .‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 266

  • )) درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 210 ـ 211 .