ا‏لأمر ا‏لثانی: فی تعدّد ا‏لشرط واتحاد ا‏لجزاء

الأمر الثانی : فی تعدّد الشرط واتحاد الجزاء

‏ ‏

‏إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء کما فی قولـه : إذا خفی الأذان فقصّر وإذا‏‎ ‎‏خفی الجدران فقصّر فبناء علیٰ عدم ثبوت المفهوم ـ کما هو الحقّ ، وقد تقدّم ـ لا‏‎ ‎‏تعارض ولا تنافی بین القضیّتین ، وأمّا بناء علی المفهوم ، فیقع التعارض بینهما ؛‏‎ ‎‏لأنّ مفهوم الأوّل عدم وجوب القصر عند عدم خفاء الأذان ، سواء خفی الجدران‏‎ ‎‏أو لم یخف ، ومفهوم الثانی عدم وجوب القصر عند عدم خفاء الجدران ، سواء‏‎ ‎‏خفی الأذان أو لم یخف ، فهل اللاّزم تخصیص مفهوم کلّ منهما بمنطوق الآخر ، أو‏‎ ‎‏أنّـه لا مفهوم لواحد منهما فی هذه الصورة ، أو کون الشرط لوجوب القصر هو‏‎ ‎‏مجموع الشرطین ، أو کونـه الجامع بینهما ؟ وجوه .‏

‏ولابدّ أوّلاً من بیان أنّ التعارض هل هو بین المنطوقین ویسری منهما إلی‏‎ ‎‏المفهومین أو بین المفهومین فقط ؟‏

فنقول‏ : الظاهر هو الأوّل ، وذلک لأنّـه إن کان الوجـه فی ثبوت المفهوم هو‏‎ ‎‏کون کلمـة «إن» وأخواتها موضوعـة للعلّیـة المنحصرة ، فکلّ واحد من القضیّتین‏‎ ‎‏تدلّ علی العلّیـة المنحصرة ، فهما بمنزلـة قولـه : العلّـة المنحصرة لوجوب القصر‏‎ ‎‏هو خفاء الأذان ، والعلّـة المنحصرة لـه هو خفاء الجدران ، ومن المعلوم ثبوت‏‎ ‎‏التعارض بین نفس هاتین القضیّتین ؛ لاستحالـة کون شیئین علّتین منحصرتین‏‎ ‎‏لشیء واحد ، وکذا لو کان الوجـه فی ثبوت المفهوم هو الانصراف ، وأمّا لو کان‏‎ ‎‏الوجـه فیـه هو الإطلاق بأحد الوجوه المتقدّمـة ، فالظاهر أیضاً التعارض بین‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 242
‏المنطوقین ؛ لعدم إمکان الأخذ بکلا الإطلاقین .‏

إذا عرفت ذلک‏ : فاعلم أنّـه لو قیل بالمفهوم من جهـة وضع «إن» وأخواتها‏‎ ‎‏للعلّیـة المنحصرة ، فالتعارض یقع بین أصالتی الحقیقـة الجاریتین فی کلتا‏‎ ‎‏القضیّتین ، ومع عدم المرجّح ـ کما هو المفروض ـ تسقطان معاً ، فاللاّزم هو القول‏‎ ‎‏بعدم ثبوت المفهوم فی أمثال المقام .‏

‏وکذا لو کان الوجـه هو الانصراف فإنّ الأخذ بمقتضی الانصرافین ممتنع ،‏‎ ‎‏ولا ترجیح لأحدهما علی الآخر ، فلایجوز الأخذ بشیء منهما .‏

‏وأمّا لو کان الوجـه هو الإطلاق بأحد الوجوه السابقـة ، فیقع التعارض بین‏‎ ‎‏أصالتی الإطلاق الجاریتین فی کلتا القضیّتین ، ومع عدم الترجیح لأحدهما علی‏‎ ‎‏الآخر تسقطان معاً ، ویزول الانحصار من کلا الشرطین ، ویبقیٰ کون کلّ واحد‏‎ ‎‏منهما علّةً تامّة مستقلّة لتحقّق الجزاء .‏

‏هذا لو قیل باستفادة خصوص الانحصار من الإطلاق ، فإنّـه مع عدم‏‎ ‎‏حجّیتـه لوجود المعارض لایضرّ ببقاء الشرط علیٰ علّیتـه التامّـة ، وأمّا لو قلنا بأنّ‏‎ ‎‏مفاد الإطلاق هو مجموع العلّیـة التامّـة المنحصرة بمعنیٰ أنّـه کما یستفاد‏‎ ‎‏الانحصار من الإطلاق کذلک یستفاد منـه التمامیـة أیضاً ، وحینئذٍ فمع التعارض‏‎ ‎‏نعلم إجمالاً إمّا بزوال الانحصار من کلّ واحد من الشرطین وإمّا بزوال التمامیـة‏‎ ‎‏المستتبع لزوال الانحصار .‏

وبعبارة اُخریٰ‏ : نعلم إجمالاً بورود القید فی کلٍّ من القضیّتین : إمّا علی‏‎ ‎‏الإطلاق المثبت للانحصار ، وإمّا علی الإطلاق المنتج للتمامیـة ، ومع هذا العلم‏‎ ‎‏الإجمالی یسقط الإطلاقان الجاریان فی کلٍّ من القضیّتین عن الحجّیـة والعلم‏‎ ‎‏تفصیلاً بعدم الانحصار علی أیّ تقدیر ؛ لأنّـه إن ورد القید علی الإطلاق المثبت‏‎ ‎‏لـه فواضح ، وإن ورد علی الإطلاق المفید للتمامیـة ، فلم یبق موضوعـه أصلاً ، کما‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 243
‏هو واضح لایجدی فی انحلال العلم الإجمالی إلی العلم التفصیلی والشکّ البدوی‏‎ ‎‏حتّیٰ یسلم الإطلاقان المثبتان للتمامیّـة عن التعارض والتساقط .‏

‏وذلک لأنّ الانحلال یتوقّف علی العلم التفصیلی بورود القید علیٰ خصوص‏‎ ‎‏الإطلاق المفید للانحصار لا علی العلم التفصیلی بعدم الانحصار ، وعدم کونـه‏‎ ‎‏مراداً قطعاً ، والموجود فی المقام هو الثانی لا الأوّل ، کما هو واضح .‏

‏ثمّ إنّـه هل تسقط کلتا القضیّتین عن الدلالـة علی المفهوم رأساً بحیث‏‎ ‎‏لاینافیهما مدخلیـة شیء آخر فی تحقّق الجزاء ، أو أنّ سقوطهما عن ذلک إنّما هو‏‎ ‎‏بالنسبـة إلی الشرط المذکور فیهما ؟ وجهان .‏

والحقّ‏ : التفصیل بین ما لو کان الوجـه فی ثبوت المفهوم هو وضع کلمـة‏‎ ‎‏«إن» وأخواتها للدلالـة علی العلّیـة المنحصرة أو الانصراف وبین ما لو کان‏‎ ‎‏استفادتها من الإطلاق ، فعلی الأوّل تسقطان عن الدلالـة علی المفهوم رأساً ؛ لأنّ‏‎ ‎‏التعارض بین أصالتی الحقیقـة أو الانصرافین فی کلٍّ منهما یوجب تساقطهما ، فمن‏‎ ‎‏أین یدلّ علیٰ نفی مدخلیـة شیء آخر أو نفی بدیل آخر ، وعلی الثانی فلا ؛ لأنّ‏‎ ‎‏رفع الید عن أصالـة الإطلاق بالنسبـة إلیٰ خصوص قید لایوجب رفع الید عنها‏‎ ‎‏بالنسبـة إلیٰ قید آخر شکّ فی قیدیّتـه .‏

‏ألا تری أنّ رفع الید عن إطلاق الرقبـة فی قولـه : أعتق رقبـة ، بسبب الدلیل‏‎ ‎‏علی التقیید بالمؤمنـة ـ مثل قولـه : لا تعتق رقبـة کافرة ـ لایوجب رفع الید عن‏‎ ‎‏إطلاقها بالنسبـة إلی القیود الاُخری المشکوکـة ، مثل العدالـة وغیرها من القیود .‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 244