مقدّمـة فی تعریف المفهوم
اعلم أنّ المفهوم عندهم عبارة عن القضیـة الخبریـة أو الإنشائیـة المستفادة من قضیّـة اُخریٰ ، والاختلاف بینهم إنّما هو فی منشأ الاستفادة ، فالمنسوب إلی القدماء أنّ وجـه استفادتـه أنّ القیود الواقعـة فی الکلام ، الصادرة من المتکلّم المختار إنّما هو لکونها دخیلاً فی ثبوت الحکم ، وإلاّ یلزم أن یکون لغواً ، وسیأتی التعرّض لـه علی التفصیل .
والمعروف بین محقّقی المتأخّرین أنّ وجـه استفادة المفهوم هو کون أدوات الشرط دالـة علی العلّیـة المنحصرة إمّا بالوضع أو بقرینـة عامـة ، وعلیـه یکون المفهوم من المدلولات الالتزامیـة للقضایا التی لها مفهوم ، فکما أنّ المفردات لها مدلولات التزامیـة ، وهی المعانی التی ینتقل إلیها النفس بمجرّد تصوّر معانی تلک
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 233
المفردات ، فکذلک للقضایا مدلولات التزامیـة ینتقل إلیها الذهن بمجرّد تصوّر معانیها المطابقیـة .
وعلی الأوّل لایکون وصف المفهومیـة وصفاً للمدلول أو الدلالـة ؛ لعدم استفادتـه من اللّفظ أصلاً ، بل إنّما هو حکم العقل بأنّ المتکلّم العاقل المختار إذا تکلّم بکلام وأخذ فیـه قیوداً لایکون أخذه لها لغواً ، بل لکونها دخیلاً فیترتّب الحکم .
وأمّا علی الثانی فیصیر نظیر وصف الالتزامیـة والتضمّنیـة والمطابقیـة فی مدالیل المفردات بمعنی أنّـه یمکن أن یتّصف بها المدلول ، ویمکن أن یتّصف بها الدلالـة ، کما یمکن أن یتّصف بها الدال ؛ لأنّـه کما تکون الدلالـة بالمطابقـة کذلک یکون المعنیٰ مطابقاً ـ بالفتح ـ واللّفظ مطابقاً ـ بالکسر ـ وهکذا فی الالتزام والتضمّن .
وفی المقام نقول : إنّ وصف المفهومیـة یمکن أن یکون وصفاً لتلک القضیـة المستتبعـة ، ویمکن أن یکون وصفاً للدلالـة باعتبار أنّ الدلالـة علیٰ تلک القضیـة دلالـة مستفادة من الدلالـة علی القضیـة المنطوقیـة ، وبهذا الاعتبار یمکن أن یتّصف بها الدال ، کما لایخفیٰ .
ثمّ إنّ النزاع علیٰ قول المتأخّرین إنّما یکون فی الصغریٰ ؛ إذ الکلام إنّما هو فی دلالـة أدوات الشرط مثلاً علی العلّیـة المنحصرة المستتبعـة للقضیـة الاُخریٰ قهراً ، وأمّا علیٰ فرض تسلیم الدلالـة فلا إشکال فی حجّیـة تلک القضیـة ، کما هو واضح .
وأمّا علی قول القدماء فقد یقال بأنّ النزاع بناء علیـه إنّما یکون فی الکبریٰ ؛ نظراً إلی أنّ لزوم حمل القیود علیٰ معنیٰ حذراً من اللغویـة یقتضی ثبوت المفهوم ،
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 234
ولکن الکلام فی حجّیتـه ، ولایخفی أنّ ذلک المعنی الذی یجب الحمل علیـه حذراً منها لاینحصر بالمفهوم ، فالنزاع فی وجوب الحمل علیٰ خصوصـه وعدمـه ، وأمّا علیٰ فرض الحمل علیـه فلا إشکال فی حجّیتـه أصلاً ، کما هو واضح ، فالنزاع بناء علیٰ کلا القولین صغروی لا کبروی ، فتأمّل جیّداً .
إذا عرفت ذلک ، فالکلام یقع فی مقامین :
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 235