تنبیه‏: حول استتباع ا‏لنهی عن ا‏لجزء أو ا‏لشرط أو ا‏لوصف للفساد

تنبیـه : حول استتباع النهی عن الجزء أو الشرط أو الوصف للفساد

‏ ‏

‏قد عرفت فی مقدّمات المبحث أ نّـه لا فرق فی مورد النزاع بین کون متعلّق‏‎ ‎‏النهی نفس العبادة أو جزءها أو شرطها ؛ لأنّ الکلام فی اقتضاء النهی فساد العبادة‏‎ ‎‏مطلقاً وعدمـه ، وأمّا أنّ فساد الجزء المنهی عنـه یوجب فساد العمل أو لا فهو أمر‏‎ ‎‏خارج عن محلّ البحث ، ولکن لابأس بالتکلّم فیـه وإن کان غیر مرتبط بالمقام .‏

فنقول‏ : ینبغی أن یجعل البحث فی الملازمـة بین فساد الجزء مثلاً وفساد‏‎ ‎‏الکلّ مع قطع النظر عن الأدلّـة الواردة فی خصوص الصلاة أو مطلقاً ، الدالـة علیٰ‏‎ ‎‏سرایـة فساده إلیـه ، کما أنّ محلّ البحث ما إذا اُحرز کون النهی المتعلّق بالجزء‏‎ ‎‏مثلاً نهیاً تحریمیّاً لا إرشاداً إلی مانعیّتـه ، فإنّـه حینئذٍ لا إشکال فی فساد العبادة ،‏‎ ‎‏کما هو واضح ، وحینئذٍ فنقول :‏

أمّا الجزء‏ : فالنهی التحریمی المتعلّق بـه لایقتضی إلاّ مبغوضیّتـه بنفسـه‏‎ ‎‏المانعـة من صیرورتـه جزءاً فعلیّاً للعبادة ، لعدم صلاحیّتـه لأن یصیر جزء‏‎ ‎‏المقرّب ، وأمّا سرایـة المبغوضیـة منـه إلی الکلّ المشتمل علیـه ، فلا دلیل علیها‏‎ ‎‏أصلاً .‏

‏نعم لو اکتفیٰ بذلک الجزء الفاسد یفسد العمل من حیث کونـه فاقداً لبعض‏‎ ‎‏أجزائـه ، وأمّا مع عدم الاکتفاء بـه ـ کما هو المفروض فی المقام ـ فلا وجـه لکون‏‎ ‎‏تمام العمل مبغوضاً وفاسداً ، کما هو واضح .‏

وأمّا الوصف اللازم‏ : کالجهر والإخفات بالنسبـة إلی القراءة علی ما مثّل‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 228
‏بهما فی الکفایـة‏‎[1]‎‏ وإن کان فی المثال نظر ؛ نظراً إلی أنّ شیئاً منهما لایکون لازماً‏‎ ‎‏للقراءة ولکن اللازم بمعنی عدم إمکان الانفکاک أصلاً لاینبغی أن یکون مورداً‏‎ ‎‏للبحث ؛ إذ لایعقل تعلّق الأمر بالموصوف ، والنهی بوصفـه الذی لایمکن أن ینفکّ‏‎ ‎‏عنـه أصلاً ، فکونهما وصفین لازمین یرجع إلیٰ عدم التمیّز بینهما وبین موصوفهما‏‎ ‎‏فی الخارج أصلاً ، ولکن هذا المقدار لایصحّح التعبیر بکونـه لازماً ، کما لایخفیٰ .‏

‏اللهمّ إلاّ أن یقال : إنّ اللزوم باعتبار کونـه مأخوذاً فی الموصوف بمعنی أنّ‏‎ ‎‏الجهر لازم للقراءة التی یجهر بها ، لا لمطلق القراءة ، ولکن هذا المعنیٰ یجری فی‏‎ ‎‏کلّ وصف بالنسبـة إلیٰ موصوفـه ، ولا اختصاص لـه بهما .‏

‏وکیف کان فالنهی إذا تعلّق بالجهر فی القراءة لابالقراءة التی یجهر بها ،‏‎ ‎‏فإنّـه خارج عن موضوع المقام ، ودخولـه فی مبحث اجتماع الأمر والنهی مبنیّ‏‎ ‎‏علیٰ شمول النزاع فیـه للمطلق والمقیّد ، ونحن وإن نفینا البُعْد عنـه فی مقدّمات‏‎ ‎‏ذلک المبحث إلاّ أنّـه ینبغی الحکم بخروجـه عنـه ؛ للزوم اجتماع الحکمین علی‏‎ ‎‏متعلّق واحد ؛ لأنّ الطبیعـة اللاّ بشرط لایأبیٰ من الاجتماع معها بشرط شیء ،‏‎ ‎‏فیلزم الاجتماع فی المقیّد ، فلایوجب فساد العمل أصلاً ؛ لأنّ متعلّق الأمر هو‏‎ ‎‏القراءة ، ومتعلّق النهی هو الإجهار بها ، وهما عنوانان مختلفان وإن کانا فی الخارج‏‎ ‎‏شیئاً واحداً ، إلاّ أنّ مورد تعلّق الأحکام هی العناوین والطبائع ، کما حقّقناه سابقاً‏‎ ‎‏بما لا مزید علیـه .‏

‏وقد عرفت أیضاً أنّـه لابأس بأن یکون شیء واحد مقرّباً من جهـة ومُبعّداً‏‎ ‎‏من جهـة اُخریٰ ، فلا مانع من أن تکون القراءة مقرّبـة والإجهار بها مبعّداً .‏

‏مضافاً إلی أنّ المقرّب إنّما هی الصلاة ، لا خصوص أجزائها ، کما لایخفیٰ .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 229
‏وتعلّق النهی بالإجهار فی القراءة تغایر تعلّقـه بالقراءة التی یجهر بها ،‏‎ ‎‏والثانی خارج عن مورد النزاع ؛ لأنّـه فی تعلّق النهی بالوصف لابالموصوف .‏

‏وممّا ذکرنا یظهر الکلام فی النهی عن الوصف المفارق .‏

وأمّا الشرط‏ : فإن کان أمراً عبادیاً ، فالنهی عنـه یوجب فساده ، وإن کان أمراً‏‎ ‎‏غیر عبادیّ ، فلیس الإتیان بـه إلاّ ارتکاب المحرّم ، وعلی التقدیرین لایضرّ‏‎ ‎‏بصحّـة العمل أصلاً ؛ لأنّ المفروض أنّ متعلّق النهی هو القسم الخاصّ من‏‎ ‎‏الشرط ، کالنهی عن التستّر بالحریر مثلاً بناء علی أن یکون النهی للتحریم ، فإنّ‏‎ ‎‏التستّر بـه وإن کان یوجب مخالفـة النهی إلاّ أنّ شرط الصلاة ـ وهو الستر ـ‏‎ ‎‏متحقّق ، وعدم اختلافهما فی الخارج لایضرّ أصلاً ؛ لأنّ متعلّق الأحکام هی‏‎ ‎‏الطبائع ، والشیء الواحد یمکن أن یکون مقرّباً ومبعّداً من جهتین ، کما عرفت .‏

‏نعم ، لو کان الشرط من الاُمور العبادیـة واقتصر علیـه المکلّف فی مقام‏‎ ‎‏الامتثال ، تکون العبادة فاسدةً من جهـة بطلان الشرط ، وهذا غیر سرایـة الفساد‏‎ ‎‏إلیـه ، کما هو واضح .‏

‏فتحصّل أنّ النهی عن الجزء أو الشرط أو الوصف اللازم أو المفارق‏‎ ‎‏لایوجب فساد العبادة من حیث هو ، کما عرفت .‏

‏هذا تمام الکلام فی مبحث النواهی .‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 230

  • )) کفایـة الاُصول : 222 .